أنا فتاة أبلغ من العمر الثالثة والعشرين طالبة في كلية الطب ، متوسطة الجمال ، ظريفة محبوبة ، منذ السنة الأولى وأنا أزامل طالباً ، وأحبه ويحبني ، كنّا نقضي طول الوقت بالكلية معاً ، ونذهب معاً إلي النادي والملاعب ، ونقضي اخر الأسبوع في السينما أو في الحدائق ، ونتحدّث في آمالنا ومستقبلنا ، ونرسم الخطط للسنوات القادمة .. وتعاهدنا على الزواج بعد التخرج .. قال لي أنه لا يريد أن يأخذ مليماً من أبيه ، وإنه لا يريد أن يتزوج وهو يعيش عالة على غيره ، وهكذا كان انتظارنا طبيعياً .
ولكن حدثت المفاجأة ، في الإجازة الصيفية من العام الأول ، ونحن نعلق الآمال ، ونحلم بالسفر إلي الإسكندرية وقضاء أيام جميلة على الشاطئ والإشتراك في رحلة الكلية إلي سوريا ، تغيّر فجأة .. فجأة وبدون سبب واضح ، اختفى تماماً بعد إعلان نتيجة الإمتحان ، وفشلت كل محاولاتي للعثور عليه .. وعلمت أنه رسب في الإمتحان ، وأني نجحت ، ولكني لم أستطع أن أربط بين هذا الرسوب وبين اختفائه من حياتي .
إن الإمتحانات حظوظ ، وليس في رسوبه ما يخجله وما يغضبني ، وما ذنب حبنا ؟ إن حبنا أبقى وأعظم من أي نجاح أو فشل في امتحان أو غيره وأنا أحبه مهما يحدث ، وتعذبت شهوراً ، وأنا أُفكر وأتساءل ، ثم كتبت له خطاباً طويلاً ألومه ، وأعتب عليه ، وأذرف الدمع من أجل حبنا ، وأستحلفه بالأيام الجميلة أن يعود إليّ .. وعاد وتقابلنا ، ولكنه كان ساهماً شارداً متجهماً ، لم يكن طليقاً بشوشاً مرحاً كعادته ، وحاولت المستحيل لكي أعيد إليه مرحه ، وحاولت أن أفهم سر عذابه ، ولكنه لم ينبس بحرف ، وكان يقول دائماً حينما أُشير إلى أمر رسوبه ، إن هذا أمر تافه ، وإنه ليس بالرجل الذي يفقد روحه من أول خذلان ، ماهو إذن السر في وجومه ؟ لا أعرف !
تكرر رسوبه ، وتكرر اختفاؤه ، وتكرر نجاحي في الوقت نفسه ، وتكررت محاولاتي للمحافظة عليه واسترجاعه .. الآن أنا في امتحان التخرج الأخير ، وهو مازال في السنة الأولى يتعثر في كتب التشريح .. وبعد شهور أكون قد أصبحت طبيبة ، وأكون في الظروف التي تسمح لي بمعاونته مالياً ، والإنفاق عليه ، والزواج به برغم كل شيء ، وأنا أحبه .. ومسألة رسوبه لا تهمني .. أريده بأي ثمن ، وهو يتهرب مني وينكمش في نفسه أكثر وأكثر ويُقابل عاطفتي المُتأججة بالبرود ، وأنا أبكي حزناً عليه ، وحزناً على نفسي ، ماذا أفعل لأسترجعه وأسترجع حبه وأتزوجه ؟ ماذا أفعل ساعدني ؟
***
ساعديه أنت واتركيه في حاله .. ولا تحطميه أكثر مما حطمتيه .
إنك لا تفهمين عقلية الرجل أبداً ، إن الرجل ورث تقليداً ثابتاً من آبائه وأجداده ، إنه قوّام على المرأة ، وصي عليها ، ومشرف على بيتها وحياتها ، ومتفوق عليها بحكم كونه رجلاً ، قد تكون هذه التقاليد الموروثة موضعاً للجدل ، ولكنها في دمنا ، مهما تكلمنا عن المساواة ..
ونحن ورثنا التفوق في الواقع وفي التاريخ وفي الماضي القريب والماضي البعيد ، والكلام عن المساواة لا يزيد عمره عن سنوات .
ونحن نحاول أن نعطي المرأة الفرصة ، ولكن التاريخ أقوى منا .. لأنه بعيد قديم طويل ضارب بجذوره فينا .
ماذا نفعل ، إننا مساكين ، نحن ضحايا هذا الميراث ، ولا بد أن نتفوق لنشعر أننا طبيعيون ، وأننا رجال ، نثق في أنفسنا .. إن رسوب زميلك ونجاحك بإستمرار شيء فظيع لا يمكن أن تتصوري أثره لأنك لستِ رجلاً ..
وزواجك به على أساس الإنفاق عليه سوف يزيد مشكلته تعقيداً ويفقده الثقة بنفسه أكثر وأكثر !
لا يوجد حل .. إن الواقع قد تراكم ضدك .. إن الزوجة المتفوقة الذكية تدّعي دائماً أنها غير متفوقة قليلة الحيلة وعاجزة ، وفي حاجة إلي نصيحة رجلها لتكسبه ، وتكسب حبه .. إن أتعس مافي رجلك أنه محكوم عليه بأن يكون قوياً برغم أنفه .
عزيزتي حوّاء ، عليك دائماً بأخذ النصيحة من صاحب الشأن تذكري مقولة الكاتب الآتية :” إن الزوجة المتفوقة الذكية تدّعي دائماً أنها غير متفوقة قليلة الحيلة وعاجزة ، وفي حاجة إلي نصيحة رجلها لتكسبه وتكسب حبه ” .[/JUSTIFY] هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email][/JUSTIFY