أنا مازلت صغيرة ، أعذرني في أسلوبي الضعيف ، إني أشعر بالحب نحو كل الناس ونحو أصدقائي ، وهم يحبونني ، ويبادلونني الإخلاص والتضحية ، وأخي كان مثلي وهو صغير ، ولكنه فقد الكثير من إخلاصه وحنانه حينما كبر وأصبح جافاً جامداً لا يؤمن بالعواطف .. وأبي وأمي أكثر منه جفافاً ، وأقل منه إيماناً بالحب ، وهم يقولون لي إنّ كل شيء في الدنيا مصلحة ، وإنّ كل واحد في الدنيا يجري خلف منفعة ، والغريب أن حكايات أمي وهي صغيرة تدل على أنها كانت عاطفية تؤمن بالحب والإخلاص مثلي .
ماذا يحدث للإنسان حينما يكبر ليفقد حنانه وحبه وإيمانه بالإنسانية ؟ لماذا يصبح الناس أنانيين حينما يكبرون ،، ما السبب ؟ .
من تجاربي البسيطة أميل إلى أنّ السبب هو عدم كفاية الحب والحنان الذي نبذله للناس في هذه الدنيا ،، أنا مثلاً عندما أظهرت لأبي – الذي كان عصبياً قاسياً – حناني وأبديت له حبي بدلاً من خوفي ، وجدته يتحوّل إلى إنسان رقيق غاية في الرقة ، ورأيته يفعل المستحيل ليحقق لي رغباتي ، ولا حظت أنه بدأ يضبط أعصابه حتى لا يبدو أمامي قاسياً .
كذلك أمي لما حاولت أن أتفاهم معها بدلاً من العناد ، وجدتها تحاول أن تفهمني وتسمح لي بكثير من الحُرّيات ،، وعندما أعددتُ العشاء لإخوتي الساهرين في الخارج وكتبت لهم تحية المساء على ورقة ، طبعوا على خدّي قُبلة وأنا نائمة ، وفي الصباح لم يتعاركوا على المصروف .
ما رأيك ؟ أليست المُشكلة كُلّها هي مشكلة حاجتنا إلى الحُب ؟ أم أنّي صغيرة كما تقول أمي ولا أفهم في الدنيا ؟
***
أنتِ لستِ صغيرة أبداً ، رُبما كنتِ صغيرة في السن ، ولكنك كبيرة في القلب والعقل ، أكبر منّا كُلنا ، لقد استطعتِ بفطرتك الصافية أن تدركي سرّاً كبيراً من أسرار الدنيا ، إن الإنسان يبدأ حياته يتدفق بالحب والحنان والتفاؤل والثقة ، ثم يجف هذا النبع العاطفي في قلبه كلما كَبُرْ ، ويتحوّل مع الزمن إلى عجوز أناني بخيل لا يُحس إلا بمصلحته ولا يجري إلا خلف منفعته ، والسبب أنّ أحلامه الصغيرة وعواطفه الصافية تصطدم مرّة بعد مرّة بما يُخيّب أمله ، ويزلزل ثقته في الدنيا وفي الناس .. حبيبته تهجره وزوجته تكذب عليه ، وصديقه يستغله ولا يجد في قلبه رصيداً يُغطّي هذا الفشل ، ويحفظ له ابتسامته وتفاؤله فيفقد النضارة ويجف ويقسو ، ويتحوّل سخطه إلى سخط على الدنيا كُلّها
والسبب كما قلتِ أنتِ ، أنه لم يجد كفايته من الحنان ، لم يجده في الدنيا ، ولم يجده في قلبه ، فأفلس ..
والدليل على أنّ هذا القلب الكبير لا يحدث له هذا الجفاف مهما كبُر وشاخ ، لأنه يجد في نفسه القُدرة على بذل الحنان دائماً مهما حدث له ، ومهما تلقى من صدمات .
وبهذه القوّة وحدها يسترد حُب الناس الذي فقده ، ويسترد ثقته في الدنيا ، وهذا هو ما حدث لك مع أبيك وأمك ، إن مشكلتنا جميعاً هي كما تقولين في خطابك ، حاجتنا إلى الحب ، إنّ اعترافك الصغير البسيط هو أجمل وأصدق ما قرأت منذ بدأت في كتابة هذا الباب .
كانت تلك كلمات الدكتور مصطفى محمود رحمه الله ، وأضيف عليها فأقول : أنّ الحب والحنان هما الدافع الأكبر والأقوى لإستمرار الحياة أي حياة بشكها السوي القوي ، ومعلومة لا يعرفها الكثيرين أود إيرادها هنا ، وهي أن بذل عاطفة الحُب لصغارنا وإظهار مشاعر الود بين الوالدين أمام الأطفال تقيهم من الإنحرافات الجنسية ، بل وتزيد من عطاءهم الذهني وتحميهم من التلف الدماغي المُبكّر ،، كثيراً من حالات الشذوذ الجنسي لدى الجنسين ترجع لنقص حاد في العطاء العاطفي لدى الطفل في أسرته وهو في مراحله العمرية المبكرة ، فيضطر لتعويض هذه المشاعر ببذلها بطرق غير سوية عن طريق الشذوذ الجنسي ،، لذلك على كل من الوالدين بذل المُستطاع من العاطفة لأبنائه بدون إفراط ، كما يجب على كل زوج وزوجة إبراز عواطفهم تجاه الآخر بشكل مُقنن أمام الأبناء لتشيع الألفة والمودة بين أفراد الأسرة الواحدة ، فينمو الطفل مطمئناً مستقراً
نفسياً وذهنياً . هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email][/JUSTIFY[/JUSTIFY]