حوار مع وزير المالية السابق في كشف الأسرار «2-1»

[JUSTIFY]لعله ليس من سوداني لم يعرف وزير المالية السابق علي محمود، الذي كان يعتبر من الوزراء المثيرين للجدل وإن كانت الحقيقة تكمن في أن الرجل صريح فوق المعدل ويقول ما يتحرج أن يقوله نظراؤه من الوزراء أو حتى المشتغلين بالسياسة، ولذلك تجد أن المسألة ما كانت «فارقة» معاه مثلما كان وقع قرار إعفائه كما قال لي في هذا الحوار الذي حاولنا من خلاله فتح خزائن الرجل غير المليئة بالمال – بالطبع – ولكن بالأسرار، ونزعم أنه لم يبخل علينا بمعلومة وإن كان لا يزال يحمل في صدره الكثير.. ولكن مما هو غير معلوم أن كثيرين ممن قيموا أداء الرجل لم ينظروا للظروف التي اصطدم بها فور توليه منصبه، حيث جابهه انفصال الجنوب وفقدان موارد ضخمة من البترول، ولكن المذهل أن الاقتصاد لم ينهار وهي واحدة من المسائل التي حار الناس في أمرها مثلما كان الناس يحتارون في ثقة محمود الزائدة والتي كشف سرها وأسراراً أخرى في هذا الحوار الذي لم نستمتع فيه بكوب شاي من اللبن وضع أمامنا وأصبح مثل العصير ونحن نسأل وصاحب الدار يجيب بهدوء:
دائماً كنت تردد عبارة «رفدت» ست مرات من الحكومة وكأنما المسألة لا تفرق معك كثيراً، بقيت في المنصب أو غادرته؟

– أصلاً طبيعة المسألة تكليف ووظيفة كوزير في أي مستوى من المستويات هو عمل يعتبر حالة خاصة، ليس عملاً وظيفياً عادياً، لأن الوظيفة العادية أن تتطور وتترقى فيها والسقف عندك أن تصل سن التقاعد حسب عقد العمل. ولكن ميقات العمل السياسي ينتهي في أي وقت حيث يشغر منصب الوزير، ولذلك المسألة لم «تفرق» معي في أي يوم لإيماني أن الوزارة مرحلة من المراحل وأن الرئيس هو من ينهي التكليف بشأنها، ولذلك منذ التحقت بالعمل الوزاري ظل لديّ اعتقاد جازم بأنه يمكن أن ينتهي في أي وقت، في سنة في سنتين وهكذا، وهي بالنسبة لي معروفة.. والسبب الثالث أنني عملت عملاً مهنياً وظيفياً عادياً لفترة تجاوزت الخمسة عشر عاماً ما جعلني مهيأ لتقبل أي قرار، فما شعرت بأن المسألة فيها مشكلة خاصة وظيفة وزير مالية، والتي أجلها لا يتجاوز السنتين أو الثلاث لظروف الاقتصاد وتعقيدات الأوضاع، واعتبر نسبياً أنني مكثت فترة طويلة في الوزارة في ظل ظروف السودان الراهنة.
ما السر في الثقة الزائدة التي كانت متوفرة لديك والتي كانت تظهر بشكل واضح في تصريحاتك؟
– باختصار لأنه لم تكن لديّ أجندة أخرى أو خفية في عملي، حيث كلفت بطريقة واضحة، ولا اعتقد أني وصلت الوزارة نتاج ظروف غير طبيعية.. كما أن طبيعة المنصب تقتضي الصراحة والوضوح، فأنت مسؤول عن الاقتصاد وتحمل هم المواطن، بالتالي لا يمكن أن تكون متلجلجاً في حديثك، لأنك بذلك ستهز الثقة في برامج الوزارة ، كما أن الذي تقوله لابد أن تقتنع به لتقنع به الآخرين، والمنطق يقول لا يمكن أن تكون وزير مالية ولا تكون واضحاً في برامجك وسياساتك وهي ليست ثقة أكثر من اللازم وإنما ثقة ضرورية.
بالعودة للمطبات التي اعترضت الاقتصاد في عهدك، ألا تري أنك وُضعت في وجه المدفع؟

-أنا تعاملت مع ظروف موضوعية حيث جئت الوزارة، وكنت أتوقع أن السودان مقبل على انفصال، وكنت أرى ذلك من نتيجة الانتخابات في كافة مستوياتها والطريقة التي تعامل بها الجنوبيون، حيث رشحوا ياسر عرمان وعادوا وسحبوه وهو لم يكن الشخص المناسب، والشخص الأساسي رشحوه في الجنوب لكي يقود الانفصال، لذلك أول قرار اتخذته فور تسلمي مهامي هو تكوين لجنة للنظر في الأثر الاقتصادي حال انفصال الجنوب، لاسيما أننا جئنا في يونيو «2010» والاستفتاء كان في «11 يناير 2011»، وبدأنا ندرس في المسألة، و كنت أرى هذا قدر تاريخي ولم يكن وزير المالية في وجه مدفع بل كل السودان.. وعندما تتصدى للمسؤولية هذا قدرك وهناك وجه مدفع حقيقي يواجهه الجـندي في ميادين القتال وكل شخص له ابتلاء محدد يمشي فيه. وصحيح أن الظروف وضعتني في المنصب في ظرف خاص، استطعنا العمل في إطار حزب وحكومة..
لكن تم تصوير أن ما يجري في المالية من بنات أفكار علي محمود وأي تقصير من جانبه؟
– دائماً الإعلام وخاصة المقروء يميل إلى الإثارة، ولذلك محاولة ربط الأشياء بشخص معين، بوزير معين جاء في وقت معين يبقى موضوع ومثار جدل.. لذلك أسهل بالنسبه له توجيه سهامك للوزير وليس الحكومة أوالمؤتمر الوطني الذي هو حزب كبير ومؤسساته متعددة.. ولأن الوزير له مسؤولية محددة، ويصرح نيابة عن الحكومة فهو المسؤول، فالناس تحب الخطوة المباشرة..

المسألة الأخرى التي أرى فيها شيئاً من الموضوعية هي أن وزير المالية مطالب بتقديم مقترحات وسياسات تمرر للحزب للموافقة عليها وبالضروروة يوافق عليها مجلس الوزراء، وجزء منها حتى قد يحتاج لموافقة البرلمان، وفي النهاية رأس الرمح في النشاط الاقتصادي هو وزير المالية وهو أقرب جهة يمكن أن توجه له التهمة.. ومثلاً عندما تقع مشاكل أمنية تُنتقد وزارة الداخلية وعندما تحدث معركة في جبهات القتال يوجة اللوم إلى وزير الدفاع، وتذكر عندما وصلت قوات العدل أم درمان وجه نقد حاد لوزير الدفاع.. واعتقد أن طبيعة الأشياء هي التي تفرض ذلك.

هل تعتقد أن الصحافة تحاملت أو تجنت عليك؟

-لا أريد أن أحمل الناس مسؤولية، و اعتقد أن هناك قضايا تناولتها الصحافة بطريقة فيها عدم موضوعية.

هل يمكن أن نأخذ قضية «الكسرة» كمثال رغم أن القصة تكاد تكون أصبحت «بايخة»؟
– بالعكس.. هي صورت كأنما وزير المالية يدعو الناس للتخلي عن الخبز والاتجاه للكسرة.. والحقيقة أن صحفياً سألني عن سبب تدهور سعر الجنيه مقابل ارتفاع الدولار، وقلت له أقرب مثال أسوقه لك أننا في بداية العقد الماضي كنا نستهلك (300) ألف طن من القمح، ولما وصلنا إلى ما بعد العام 2009 ارتفع الاستهلاك إلى (2) مليون طن نسبة لتغيُر الثقافة الاستهلاكية حيث عزف الناس عن تناول الكسرة والعصيدة والاتجاه لتناول الخبز، مما زاد استهلاك القمح وزاد الطلب على الاستيراد وبالتالي زاد الطلب على النقد الأجنبي، مع أن نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح لا تتجاوز الـ15% ونستورد 85%.. هذه هي الحكاية التي جاء الإعلام وصور أن الوزير رد الحل في الرجوع للكسرة وإن كانت الكسرة ليست عيباً.. ولو زرت أثيوبيا في وفد رسمي يقدمون لك أكلة شبيهة بالكسرة تسمي «الانجيره» والتي تقدم في العيد الوطني لأثيوبيا، و اتساءل لماذا يخجل الناس من الكسرة. الكسرة نفسها لم تعد رخيصة؟
– البعض يقول إنها غالية، وقطعاً هي رخيصة في ولايات كثيرة، مع أنه ليس من اليسير تغيير طبائع الناس في الأكل. لماذا لم يدعمك الحزب سياسياً وجعلك تقاتل في كثير من الأوقات لوحدك؟
– تسأل ناس الحزب، وصراحة لم أكن منشغلاً بدعم الحزب من عدمه وكنت أركز في عملي.. وهناك مستويات للدعم عندما أقدم برامج وسياسات، واعتقد أن كل السياسات التي قدمناها أجازها الحزب في مؤسساته وأجازتها مؤسسات الحكومة .
هل كنت ترجع في كل تفاصيل عملك للرئيس؟

– كنت أذهب للرئيس في الأمر الذي يحتاج موافقته ولطبيعة الدولة الرئاسية لازم ترد أليه الأمر لأنه منتخب، فمثلاً الميزانية تتطلب توقيعه، والعمل كان يتم بالتشاور معه.
لكن تصريحاتك كانت توحي بعدم استشارتك لأحد؟

– دي مشكلتكم في الصحافة ما مشكلتي أنا ! مثلا الميزانية في سنة منتهية تقدم بإجراءات طويلة ومعقدة وعقب الانتهاء من الإجراءات تطرح في عدة محاور، فعلى مستوى الحزب تجد الرئيس، وتطرح في القطاع الاقتصادي الوزاري والرئيس ليس بعيداً عنه، وعندما تصبح ميزانية شبه جاهزة تحتاج تنوّر الرئيس وتأخذ بموجهاته، ثم تستشير قطاعات وأصحاب العمل وجهات أخرى ثم مجلس الوزراء، وبعد ذلك تودعها البرلمان.. فكيف لا استشير أحداً وفي أمريكا لاتعرف وزير المالية، الناس تتحدث عن أوباما وبرنامجه لأنه منتخب.

هل لديك اعتقاد أن جهات ما أو مجموعات متكتلة داخل الحكومة أسهمت في إبعادك، خاصة أنك أعلنت حرباً على التجنيب؟
– لا أميل لهذا التفسير، ولا اعتقد أن الجهات التي تجنب المال تؤثر في الرئيس أو أن «لوبي» سعي جاهداً وأوصلني الوزارة، وبذات القدر لا اعتقد أن «لوبي» أخرجني من المالية وقد تركت ولاية جنوب دارفور وجئت وجلست في بيتي حتى سمعت اسمي وزيراً، وفي الحقيقية سمعه آخرون وأبلغوني.. وقرار الإعفاء والتعيين قرارت رئيس الجمهورية لاعتبارات يراها هو شخصياً، والله أعلم. ولكن قد تشوش تلك الجهات على القيادة والمكتب القيادي للوطني؟

– لو كان ذلك صحيحاً لكان ما كتب في الإعلام له أثر.. لكن هذه الجهات المتضررة قد تكون قادت الحملة الإعلامية التي كانت موجهة ضدي.

هل ترى أن الحملة الإعلامية التي كانت ضدك عملية منظمة؟

– جزء منها كان منظماً.. لأن هناك كتاباً ظلوا يكتبون بصورة راتبة ويومية ،ولكنني لم أكن اهتم بما يكتبون.

بصراحة هل لديك خصوم؟

– لا أعرف، لا أريد الدخول في التفاصيل، فمثلا إذا أردت أن تضع سياسات وخطة جديدة بالقطع يتضرر منها أناس.

اعطنا مثالاً؟

– أعطيك مثالاً، ولكن ليس بالضرورة أن يكون هذا سبباً، فور قدومي وضعنا برنامجاً لتخفيض الاستيراد بهدف تقليل الضغط على العملة الصعبة، إيقاف استيراد السيارات المستعملة، وقرار كهذا سيثير عليك أناساً يعملون في هذا القطاع، وبالطبع تضرروا..

ولذلك أي قرار له أثر مباشر على مجموعة من الناس أو مجموعة متنفذة في مؤسسات أو في السوق سيجابه بالرفض.. وكذلك وجدت ثلاث جهات تحتكر سلعة بعينها وفتحتها لكل الناس.
ما هي هذه السلعة؟

– دعها الآن.. لكن أعود بك للحملات الإعلامية والتي اعتقد أنها في أي حال من الأحوال لم يكن لها أثر في إقالة وزير أو بقائه، وليس وزير المالية حتى كل الوزراء و «مافي وزير قعدوا الإعلام ومافي وزير شالو الإعلام». الإعلام دعم وزراء من أجل إبقائهم في مناصبهم، ولكن تمت إقالتهم، وسعى لإبعاد وزراء وبعضهم غادر ولكن ليس بسبب الإعلام.

صحيفة آخر لحظة
حوار: أسامة عبد الماجد
ت.إ[/JUSTIFY]

Exit mobile version