هنادي محمد عبد المجيد
ملاك الأمهات
ذات صباح مشع بالندى والضوء الفضي اللطيف ، هبطت ملائكة الرحمة بين يدي – ملاك الأمهات – أحست جميع الكائنات بمقدمه فيما عدا الإنسان ، فاستقبله بالفرحة ، العصافير راحت تشدو بصوت شجي رقيق ، والوردة الخجول أشرقت أوراقها الحمراء ، الفراشات شرعت تصعد وتهبط تستعرض جمالها الأنيق ، حتى القطة الكسولة التي لم تكد تستيقظ بعد هزّت ذيلها الصغير .
ابتسم ملاك الأمهات بسمة مِلؤها المودة تنزل في بيوت الأمهات اللواتي يكابدن آلام الوضع الممزوجة باللهفة ، وروعة الخلق، ودون أن تراه الأم شرع يقترب منها ، ثم يلمس أنفها لمسة رقيقة ، فيعرف الجنين أنه قد حان أوان النزول ، ولأن ملاك الأمهات مشغول جداً ، حيث أن النساء لا يكففن عن الإنجاب ، لذلك اندهش جداً حين طلب منه هذا الجنين تأجيل النزول ، قال له في توسُّل :” أخاف أن أنزل إلى الأرض وأنا غَضٌ غرير ، لم أتعلّم المشي ، ولا الجلوس بغير مساعدة كما أنني لا أتحكم في تصرفاتي ، لذلك أرجوك أن تتركني في رحم أمي عشر سنوات ” كان الطلب مُفاجئاً لملاك الأمهات ، ورغم غرابته فقد راح الجنين يتوسل ويلح في البكاء ، حتى استجاب الملاك طيب القلب لرغبة الجنين ، ومرّت عشر سنوات ، وعاد ملاك الأمهات ليخرج الجنين الذي قد صار طفلاً ، قال له :” لو نزلت وأخطأت ولا بد لي أن أخطئ سيضربني بابا والمعلم وباقي الأطفال ، أرجوك دعني عشر سنوات ” . . وبالفعل استجاب له ملاك الأمهات ، وعندما عاد بعد عشر سنوات أخرى وجده شاباً في العشرين ، قال له :” لو خرجت الآن سيطلبون مني دخول الجامعة وأنا لم أتعلم القراءة ، أرجوك أمهلني عشر سنوات أخرى ” ، وحينما عاد الملاك ليخرجه من رحم الماما ، وجده رجلاً في الثلاثين ، قال له :” سيطلبون مني أن أعمل وقد تعوّدت على الكسل ، اتركني عشر سنوات ” ، عاد الملاك فقال :” لو نزلت سأتزوج وأتحمل مسئولية أسرة أمهلني عشر سنوات أخرى ” .
عاد إليه فقال له :” يا سلام لو أنام عشر سنوات ، سأكون في منتهى الراحة ” كان الملاك قد ملّ هذا الجنين المزعج كثير الطلبات ، مرّت السنون ، سنة تلو سنة ، والملاك لا يأتي حتى شعر الجنين بالقلق ، وقرر النزول إلى الحياة أخيراً ، كان قد أصبح شيخاً عجوزاً دون أن يتذوق روعة الحياة ، شرع يمشي مذهولاً من بكارة الشروق وزهو الزهور ورقة الفراشات ، من بهجة الطبيعة حين تعلن حبها للخالق المجيد ، راح يسير كالسكران من فرط نشوته بالجمال ، ثم صعقته الدهشة حين شاهد صبية نضرة ندية تبدو من رقتها كالزهور ، اقترب منها حاملاً قلبه على يده ، لكنها قالت في دهشة :” لماذا تعطيني قلبك يا جدي العجوز ؟ ” ، أسرع إلى غدير الماء ليشاهد وجهاً عجوزاً أنهكه المشيب .. قال له الملاك في عتاب :” كانت الحياة أمامك لكنك نبذتها ، كم من بشر عاشوا وماتوا دون أن يتذوقوا نعمة الحياة ! ”
مقال لدكتور أيمن الجندي
هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email][/JUSTIFY]