تزوجت في سن الخامسة عشرة رجلاً يكبرني بنحو 20 عاماً تحت ضغط أب عنيد وأم جاهلة ، كل همّها الثراء والمركز والمكانة التي تليق بإسم العائلة .. حاربت هذا الزواج بكل ما أوتيت من قوة صراخ وبكاء ، ولكني لم أُفلح ، وباعوني كلهم ، ودخلت وأنا ارتجف بيت رجل لا أحبه ، رجل قبيح الخلقة والخلق ، بخيل ، شاذ الطباع ، شديد المعاملة ، كل كلماته أوامر ، كان لا يعود إلى البيت قبل الثانية صباحاً تفوح منه رائحة الخمر، يترنح ويتكلم بفم مُعوج تمضي لحظات الفراش ثقيلة ، وأنا من ناحيتي أعاني الخجل والإشمئزاز والإحساس بالهوان ، وكان طوال علاقتنا ضعيفاً وكنت أشكو لأمي كرهي له وعزمي على النوم وحدي ، وكانت تنهرني وتقول لي كرهك وحبك لنفسك ضعيهما في قلبك ، أما جسدك فهو ملك له ، وسمعت كلامها ، وبدأت أترك نفسي له كخرقة بالية لا روح فيها، وأنجبت أربعة أولاد وأنا أتعذب ، وأكتم في نفسي ، حتى انهارت أعصابي ، وأصابني ضغط الدم والقلب ، وبدأت تتناوبني الأمراض .
وبدأت أبتعد عنه جسمانياً ، كان هذا منذ اثني عشر عاماً ، أصبحت لا أحتمل مجرد سماع صوته أو رؤيته وكنت حينما أراه يدق قلبي بشدة ويكاد يتوقف وتنتابني حالات عصبية .. منذ أربعة سنوات انقطعت عن الكلام معه ، وأصبح لي جناح وحدي في البيت ، وله جناح وحده ، وإلى الآن لم يطلقني وهو يقول ، إنه لن يتركني حتى أصبح غير صالحة له أو لغيره ،، ولكني لم أعد صالحة له ولا لغيره منذ الآن !
لقد أصبحت بعد عذاب 25 سنة امرأة محطمة ، أولادي كبروا وأصبحوا شباناً ، وأنا ذبلت وأصبحت مريضة ، والآن أريد أن أستريح ، أريد الخلاص منه بأي طريقة ، إنه لا يريد أن يطلقني ، وأنا لا أستطيع أن أطلب الطلاق من المحكمة لأن مركزي ومركز أولادي ومركز العائلة لا يسمح ، لا أريد فضائح .
أفكر في تغيير ديني لأصبح مُحرّمة عليه ، ولكني أخاف من الله ، كيف يكون خلاصي ؟ إني تعيسة .
***
العجيب في خطابك هو صبرك هذا العمر الطويل ، هذه السنوات الخمس والعشرين ، حتى انتهيت إلى هذه الحالة من ضغط الدم والقلب والإنهيارات العصبية والمقاطعة الجسدية ، ثم في النهاية إلى عدم تبادل الكلام ، وأخيراً وبعد خمس وعشرين سنة وبعد دفع كل هذه الضرائب الباهظة أحسست أن الحياة معه أصبحت لا تُحتمل ؟!، إنه لا بد من خلاص ، وأي خلاص ، خلاص يتم بمعجزة ، بدون أن يطلقك أو تطلقيه بالمحكمة حتى بعد الخمس والعشرين سنة ومازلت تخافين وتقولين أولادي ، عائلتي ، مركز العائلة لا يسمح .. ولكن أمك حينما زوجتك بالإكراه كانت تقول هذا أيضاً ، مركز العائلة لا يسمح ،إسم العائلة …إلخ إلخ .. كانت أمك أسيرة المظهر المحترم والسمعة فأختارت لك زوجاً ذا لقب وأملاك ، وتعذبتِ العمر كله لأنكِ عجزتِ عن البت في مصيرك ، كان البت يحتاج إلى اسقاط هذه الإعتبارات ، وأنتِ مثل أمك تخافين على هذه الإعتبارات ! ، واتخاذ أي قرار في الدنيا يحتاج إلى التضحية بشيء .
نحن نقامر بحريتنا واختيارنا في كل لحظة ، وأنتِ تطلبين الأمان ، وهذه نتيجة الأمان ،، أنا أعرف الشيء الذي يرهقك ، إنه ضعفك أمام اللحظة الفاصلة ، لحظة إختيار المصير ، ولكن ليس أمامك مفر ، إمّا الإستشهاد إلى النهاية ودفع الثمن ، أو الثورة ودفع الثمن – إختاري – حتى سكوتك اختياراً تدفعين ثمنه !
كانت تلك القصة الثالثة من قصص واقعية عالجها المفكر الدكتور مصطفى محمود في كتابه – خمسة وخمسون مشكلة حب – .
ولكن هل تستحق المظاهر والمكانة الإجتماعية أن نخسر في سبيلها عُمرنا وعافيتنا وشبابنا ؟ ومن هذا الذي يستطيع أن يدفع هذا الثمن الباهظ جدا*ً ؟
هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email][/JUSTIFY]