القصة التالية إحدى القصص الواقعية التي وصلت إلينا عبر كتاب – خمسة وخمسون مشكلة حب – للمفكر الدكتور مصطفى محمود ، والتي عالج فيها الكثير من القضايا الإنسانية من خلال ردوده على أصحاب التجارب الإنسانية المختلفة ، وقصة اليوم أطلق عليها الكاتب إسم : ( البحث عن مقياس ) بنا إلى القصة وتشخيصها :” أنا فتاة في العشرين ، أشتغل عاملة في شركة ، لي أسلوب في حياتي اخترته واقتنعت به ، ومشيت عليه طول حياتي ، وهو أن ألتزم في علاقاتي مع زملائي الأدب والإحترام ، فأكون صديقة للكل دون أن أكون حبيبة لأحد ، وأحتفظ بعواطفي لنفسي لا أبتذلها أوأعرّضها للهوان أمام اللي يسوى واللي ما يسوى ، كانت نظريّتي ألا أفتح قلبي إلا للرجل الذي يتزوجني ، وأبتعد عن اللف والجري ، وكان رأيي في غراميات البنات زميلاتي ، أنها ليست غراميات في الحقيقة ، وإنما هي مرمطة .. كان أسلوبي هذا يلقى السخرية من الجميع البنات والرجال على السواء ، البنات يقلن عنّي شيخة ، والرجال يقولون عني رجعية ، ريفية طالعة فيها ، وعلى إيه دا كله ؟
ولكنهم مع هذا كانوا يحترمونني ويحسبون لي ألف حساب ، وكان أخي يوافقني على رأيي ، ويعيش حياته الخاصة كما أعيش أنا في حياتي ، وكان هذا يعطيني القوة لأمضي في طريقي ،، ثم حدث شيء ! ،، أحب أخي جارتنا ، وهي فتاة معروفة بسوء السمعة ، وهو نفسه يعلم بسوء سمعتها وسوء أخلاقها ، وكان يحكي لي أنه رآها تمشي مع فلان على أنه خطيبها .. ثم تستبدل به اليوم التالي رجلاً آخر تقول أيضاً أنه خطيبها ، ثم يحكي لي أنه رآها تُهرّب عشيقها من النافذة لأن أخاها دق جرس الباب ، ويقول إنها فتاة سيئة الخلق ، وأن آخرتها حتكون زي الزفت ، وهذه الفتاة هي التي أحبّها ، ثم فعل ماهو أدهى وأمر ، تقدم للزواج منها ،، وحينما صرخت في وجهه وقلت له كيف تتزوج فتاة أنت نفسك تعلم أنها سيّئة وكان لها قبلك عشرة غيرك ، أجابني في برود ، أنه قد اكتشف أن البنت التي لها ماضٍ أفضل بكثير من التي ليس لها تجارب .. إنهارت مثالياتي كلها دفعة واحدة ، ماذا جرى لعقولكم يا رجال ؟ كيف تهون عندكم العفة إلى هذه الدرجة ؟ وماذا نفعل حينما نسمع مثل هذا الكلام ، حينما نرى أن الإبتذال هو الطريق الذي يوصل إلى الزواج والإحترام والعفة والأدب والأخلاق هي الطريق المسدود الذي لا يوصل إلى شيء ! شيء يحيّر ! هل كل الرجال يقولون هذا الكلام ؟ ماذا نفعل لنريح ونستريح ،، قولوا لنا لنعرف برّنا من بحرنا ؟
***
مشكلة هذا الجيل أن كُل واحد فيه يُفكر على طريقته ، المقياس الواحد العام المتفق عليه ذاب وتفتت إلى عدة مقاييس .. هناك الرجل الذي يبحث عن بنت زمان ست البيت التي لا تخرج إلى الشارع إلا للضرورة ولا تُعرّي صدرها ، ومقياس الصلاحية عنده أن تكون البنت ، وهناك الرجل الذي تعجبه البنت التي تحمل شهادة وتخرج وتعمل ، وهناك الرجل الذي تعجبه البنت المتحررة ولا يهمه إن كانت خسرانة أو مش خسرانة .
والخطر كل الخطر أن ينظر كل واحد إلى الآخر ويقلده في ذوقه ، أن تنظري أنت إلى أخيك ويسقط في يدك من الحيرة ، وتشكّي في نفسك وفي سلوكك ، وتنظري إلى البنت الخسرانة ، وتحاولي أن تقلديها في خسارتها لتتزوجي ، وأنت غير مقتنعة بأسلوبها ، وأنت تحتقرينها في نفسك ، وتكون النتيجة هي الفشل المؤكد في الزواج وغير الزواج لأنك عشتِ في لون غير لونك .
لا تقولي ماذا يريده الرجال منّا نحن النساء ، وإنما قولي لنفسك ، ماذا أُريد أنا ؟ ،، إن الرجال ألف لون ولون ، كل رجل له طلب ، وله حلم ، وله نموذج يحلم به غير النموذج الذي يحلم به الرجل الآخر ، الجيل مفكك ليست له راية مذهبية واحدة .
وإذا حاولت إرضاء كل الرجال ، فسوف تعيشين كالحرباء كل يوم بلون ، وتخسرين نفسك دون أن تكسبي رجلاً واحداً ،، حاولي أن تبحثي في نفسك أنتِ عمّا تريدين ..
أنت مقتنعة بالعفة والأدب ، عيشي عفيفة مؤدبة وستجدين رجلك الذي يتفانى في حبك ، ويجد فيك أنت نموذجه الذي يحلم به .. حذار أن تنظري حولك إلى ما تفعل البنات ، وإلى ما يقوله الرجال ، وإلا فسيكون سقوطك مُضاعفاً ، سقوط في نظر الناس ، وسقوط في نظر نفسك ، وهذه هي الكارثة .. إنّ أخاك واحد من الرجال ، والرجال ليسوا كلهم كأخيك أبداً ، إن كل واحد فيهم يقول كلاماً غير الآخر ، ولا داعي لليأس ، فمازالت العفة هي الحلم العزيز لأغلب الرجال ، ومازالت الدنيا بخير .
كوني أنتِ ، ولا تكوني كما يريد هو هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email][/JUSTIFY]