وقال إن الأوضاع قد ساءت كثيراً في العام الماضي، وإن بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي التي تم نشرها في دارفور منذ العام 2007 كانت هدفاً لموجة من الهجمات المسلحة، بما في ذلك الهجمات علي عمال الإغاثة، وهو تقرير مهم ويتطلب مناقشته بنفس الحيوية.
ويحسب ما ذهب إليه السيد لادسو في تقريره لمجلس الأمن الجمعة الماضي حول جهود المنظمة في حفظ السلام بإقليم دارفور،فإن التوصيات تصب في خانة إبقاء هذه القوات الدولية هناك لفترة إضافية أخري مع مطالبات عاجلة بإرسال المزيد من مواد الإغاثة التي لم تعد تكفي لـ “400” ألف نازح إضافي في هذه المعسكرات، والأهم من كل ذلك هو “توصيته” الضمنية في مهارة إيجابية رائعة بالضغط علي الحكومة السودانية للسماح لمنظمات طوعية دولية جديدة أو عودة أخري تم “طرحها” للعمل في دارفور.
والشاهد أن عمليات حفظ السلام في دارفور ومنذ العام 2007 تشهد ركوداً في أدائها الميداني لأسباب تتصل بإختلالات منهجية في تركيبة فرق العمل “إداريا وفنياً” التي تقوم بأعمال تزدوج فيها المهام “الإنسانية” مع الأخرى ذات الطابع “العسكري”، ولا توجد في ملفات الأمم المتحدة منذ تأسيسها في أواخر العام 1948 بعثة دولية بهذا الحجم وكل هذا الازدواج المفضي للبس والتعقيد في إدارة مهامها، وحفظ السلام يأتي بعد توقيع “اتفاقيات سلام”، وعلي ما يبدو إن لادسو يشير إلي عدم كفاية “وثيقة الدوحة”.
ترتكز الأمم المتحدة في تكييف الأزمات والمشكلات الأمنية في أفريقيا تحديداً علي إفادات مبعوثين سابقين وأشخاص عملوا هناك في سفارات أو منظمات غير حكومية علي خلفية “رفض قاطع” لما يصدر عن الحكومات القائمة في هذه البلدان غير “الديمقراطية” من وجهة نظرهم، لذلك تأتي التقارير دون عناية بموقع المسؤول من كون أنه موظف دولي أو مندوب سام لدي الدولة التي يقوم بمراجعة أو تقويم عملية حفظ السلام فيها، وبطبيعة الحال يرمي باللوم علي الدولة المضيفة لهذه البعثة أولا بأول .
ومما يؤسف له أن تتعرض القوات الدولية في دارفور لهجمات من قبل المتفلتين وبعض منسوبي حركات التمرد في حوادث صارت متكررة وذات “قصة إخبارية” شبه يومية، وسبب هذا الاستهداف في الغالب الإجمالي هو جهل هؤلاء “المجندين الأجانب” بالطرق والمسافات التي تفصل بين مناطق “دورياتهم” ومواقع تحرك منسوبي حركات التمرد أو المتفلتين، مما يعني أن هنالك صعوبات في نظم المعلومات الأمنية وكيفيات إدارتها وتوظيفها بين مراكز التحكم لـ”اليوناميد” وهذه “الدوريات” المتحركة.
ولأن عمليات حفظ السلام تخطط وتتم إدارتها مركزياً داخل إقليم دارفور، فإن هذه الخطط لا يمكن أن تستمر بنفس المنهجية الإدارية التي وضعت في الثلاثة أعوام الأولي من وصول هذه البعثة إلي هناك، وهذه النقطة تكمن خطورتها في أن الأمم احتفظت بالمعسكرات في حالة تزايد مستمر من قبل النازحين بدلا من العمل علي تحويلهم إلي فئات منتجة في قراهم، والازدواج ما بين العمل العسكري والإنساني أنهك الموازنات المالية المرخص بها دولياً فلم تف بالمطلوبات في هذه الحالة.
يبقي تصريح السيد لادسو بأن الوضع في دارفور مرشح للفوضى قفزة “سياسية” إلي الأمام في اتجاه “تدبيج قرار أممي” جديد أكثر من كونه “يطرح معوقات إدارية وفنية” تواجه فرق تابعة لهم في إقليم دارفور، لأن الصحيح هو أن التصعيد الذي تقوم به حركات التمرد في دارفور يستهدف تعويق الحياة العامة بتعطيل عمليات تدفق الغذاءات والتموين والمواد البترولية للإقليم، ولم بطء عملية السلام أو تسريعها محكوم بهذا الموقف الأممي من هذه الحركات.
لا يتوقع الناس في مناطق النزاع أن ينزل المسؤول الأممي إلي قري العودة الطوعية لكي يقارن بينها وبين الحياة في داخل المعسكرات، وهذا غير مبرر لأنها قامت علي أساس تدخل هو أيضاً دولي وفي الأساس هو داعم لجهود الأمم المتحدة لتجفيف هذه المعسكرات التي يعرف “موظفو المنظمات الدولية” العاملة هناك بأنها تمثل “العمق الإستراتيجي” لهذه الحركات، لذلك فإن عمليات حفظ السلام في دارفور لا تبارح مكانها أبداً ما دام أنها تنظر فقط باتجاه الخرطوم ولا تشير إلي “شرق جبل مرة”.
كما لا يطالب المسؤولين الوطنيين في مناطق النزاع بأن يكون المسؤول الأممي ” مهنياً ” وليس سياسياً كما هو الحال في تقرير السيد لادسو، والسياسة في “النثارات اللفظية” التي تمت ترجمتها والتقاطها في الإعلام من هذا التقرير لا تجعل من المفيد لأحد هنا بالسودان أن يتفاءل بقرب نهاية النزاع في دارفور مادام الأمم المتحدة تبحث عن شئ آخر هو ليس “السلام”، وتزايد عدد النازحين هو مؤشر لأن ما تتبناه هذه المنظمة من حلول يحتاج إلي مؤتمر جولي حول دارفور لاستصحاب هذه المتغيرات.
والإيحاء بأن الشراكة بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي غير مجدية علي الأقل في هذا التقرير، تكرس لمفاهيم “عقيمة” عن عمليات حفظ السلام السابقة في مناطق عديدة من العالم “سربنتشا ، كيغالي ، حيث خلفت ذكريات لا يستطيع هؤلاء الموظفون الدوليون أنفسهم اجترارها ، وقديماً تعرفت الشعوب علي حقيقة أن المقاتل حينما لا يملك الدافع الداخلي للقتال فهو يفعل ذلك بحسب ما يصله من “دولارات” ، والقوات النظامية السودانية تعرف الطريق إلي صناعة السلام في دارفور ومن غير أن تكون واجهة سياسية لأي جهة.
صحيفة الصحافة
محمد المجمر
ع.ش