ده القطر

[ALIGN=CENTER]ده القطر ..؟!![/ALIGN] يستهويني سفر الليل، كلما دعتنا الضرورة أحيانا لقطع شارع مدني الخرطوم ليلا .. حيث يتيح الليل فرصة للمسافر للاستمتاع بالهدوء والسكينة، مع فرصة ذهبية للاستغراق في الرومانسية وتأمل جمال السماء وضوء النجوم والاستمتاع بالهواء ونسائم الليل الباردة .. كما تبهرني دنيا ليل السائقين، وادبيات التعامل بينهم على الطريق، فكم استمتعنا بمراقبة لغة الاشارة التي يتفاهم بها سائقي السيارات عن طريق اضواء الكشافات .. تبادل التحايا .. استكشاف سائقي الشاحنات الطريق لمن يسير خلفه ثم اعطائه اشارة التمام للتخطي بأمان عند خلو الاتجاة المعاكس من السيارات، والكثير من الرموز والاشارات التي تكفل بشرحها لنا (سيد الاسم) أثناء سفرياتنا في الليل .. حيث تعتبر تلك الأدبيات أعرافا لا يجوز التجاوز عنها رغم عدم وجود سابق عرفة تجمع بين أولئك السائقين.
تلك الاريحية والمثالية في التعامل تنتفي تماما من قاموس التعامل بين السائقين داخل العاصمة، ولعل الازدحام وسرعة التسابق في طرقاتها على الوقوع في الحفر والمطبات، لم يترك فرصة للتعامل بتلك الرومانسية التي يتيحها الخلا والصي لرواد الطرق السفرية.
كما ان السخانة والزهج تتضامن مع الفلس كي تجود على قريحة مستعملي الطريق، ببديع السباب ومسجوع النبذ كـ (غبي) و(حمار بليد) و(عليك الله شيلو معاك)، وقد يتفاقم الابداع في صواني الحركة فيدفعهم للنزول من السيارات للتدافع بالمناكب على حق العبور، متناسين دعوة (نصرة) للتسامح والتعازم على أولوية حق المرور:
لف الصينية وما عندي قضية .. بالكتوف ورينا شوف وبالجنبات عليك ربي!!
كنت قد تساءلت بالامس عن المدى العمري الذي يمتلك فيه السائق حق السير بعربته على شوارع الاسفلت .. فكما نعلم فان الانسان الراشد المكلف يمتلك هذا الحق عند بلوغه سن التمنطاشر، ولكن هل يحق له الاستمتاع بتلك الرخصة مدى الحياة؟
سؤالي هذا سوف ادعمه بقصة حقيقية للتدليل على أهمية سن قانون يحدد سقف التقاعد عن قيادة السيارات.
0 ساقتني الصدفة البحتة لتجربة الاحساس بجمال (أيه سبب لي الكدر غير عجلاتك يا القطر)، قبل زواجي عندما لبيت واحدى صديقاتي دعوة على الغداء اقامتها لنا صديقة مشتركة والتي كانت تقييم في جهة (اللاماب)، حيث اضطرتنا عند العودة ظروف خلو الطريق من ريحة بنزين العربات، للاسراع برفع ايدينا وتوقيف أول عربة تاكسي لاحت لاعيننا، ورغم سلحفائية حركة العربة وموديلها الـ من سنة صفر، فقد اطمأنينا لشكل السائق العجوز بنظاراته (قعر القزازة)، جلست في المقعد الخلفي مع رفيقتي دون أن نسمح لمشاعر (البطر) لان تخدعنا وتدفعنا لاستهجان الحالة المزرية التي كانت عليها العربة من الداخل .. فآسينا انفسنا برائعة وردي وغنينا للتاكسي المهكع:
(وين لقيتك لامن آباك؟)
سارت بنا العربة عبر طرقات اللاماب حتى وصلنا لشريط السكة حديد .. تقدمت العربة بسلحفائيتها من الشريط بينما علا صوت القطار قادما من بعيد .. ولكن فجأة أوقف السائق عربة التاكسي على حافة الشريط، ولدهشتنا العظيمة إلتفت (سواقنا الزينة) للخلف وصاح بصوت عالي ينبئ بأن حاسة السمع عنده تضاهي حاسة الشوف .. فالاثنين مش ولابد .. صاح فينا بسؤال عجيب:
يا بنات!! … ده القطر ؟!!
في اشارة لصوت الدوي الذي يصم الاذان والارتجاج الذي اصاب (بودي) العربية المتهالك بسبب اقتراب القطار .. تحير شاويشنا وصحنا نحن الاثنتان بصوت واحد:
ياهو القطر يا عمو !!
فصعقنا بسؤال ثاني كان وقعه على قلوبنا، أحر من (تانية) ايفياني في شباك المريخ يوم داك:
أفوتو .. وللا قرّب مننا شديد ؟!!
كان يستفتينا عن المفاضلة (من واقع قدرتنا على شوفة القطر)، بين أن يقيف في محله حتى يعبر القطار .. أم يفوته؟ ولكن الوقت كان اضيق من أن نفتيه بالرجوع لـ (الخلف) أو مناصحته بـ (نهر) سلحفائه للأمام ….
متشوقيين تعرفوا الحصل؟
طبعا دي ما عايزة ليها درس عصر .. يعني لو ما كان الله مرقنا منها .. هسي أكون قاعدة أكتب ليكم من الجنة ولا شنو ؟!! شوف ديل بالله !!

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

Exit mobile version