عبد الله مكاوي : الشهيد محمود.. وقفة تأمل..!

[JUSTIFY]عن الشهيد محمود:
عبر الشهيد محمود برزخ الرغبات الخاصة، والشهوات المفتوحة علي إمتلاك كل المُغريات، والغرور الذي ينتاب اصحاب المواهب والقدرات الفذة. ليصل الي بر التواضع والأمان، وتقديم العام علي الخاص، والأصح ذوبان الخاص في العام وإختلاطهما و سيادة العام وطغيانه. ومن ثم سيطرة المصلحة العامة علي إنشغالاته وتفكيره، معظم سني عمره الباذخ. لتسم إسهاماته، وتعلن عن حضوره الطاغي علي مدار التاريخ السوداني الحديث. و الشهيد محمود في إجتيازاته لمطبات الأنانية والإرتهان لطموحات النفس الصغيرة، إستطاع أن يستوعب الآخر ويمنحه قيمته (سأله احد الحاضرين: انت ياعم يونس” يونس الدسوقي صديق للأستاذ محمود” اكتر حاجة عجبتك في الاستاذ محمود شنو؟! صمت للحظة، وكأنه يفكر بعمق، ثم قال: الخلاني موله بحب محمود، مقدرته غير العادية على اشعار كل انسان بي قيمتو الانسانية.. بعاملك على أساس انك حر، ويحترمك، مهما اختلفت معاه!! من مقال للدكتور القراي، في ذكرى الاستاذ محمود: سلام على يونس الدسوقي في العالمين)، لدرجة تشعر فيها، أنه لا يوجد آخر في عرف ونفس الشهيد محمود! بمعني أن الجوهر لديه واحد، وهو إنتماء كل المخلوقات لخالقها، وبهذا المعني، تصبح الإختلافات مجرد تفاصيل صغيرة، لا تؤثر علي النظرة الكلية الحكيمة، والعقل المتفتح و الروح الشفافة الطاهرة، والمستوعبة ليس للآخر فقط! ولكن لكل الأشياء! أي إستطاع الشهيد محمود وعبر مجاهداته وصبره وحبه لسلك طريق الله، أن يعبر بنفسه الي مرحلة الإتزان الداخلي، أي التصالح مع النفس ومع الأشياء من حوله( حادثة الشخص الذي يتحدث عنه بالسوء وبلوغه خبره، ولكنه يتجاوز ذلك ويجزل له العطاء، “نفس المادة السابقة للدكتور القراي” وكذلك حادثة منعه قتل العقرب التي روتها إبنته أسماء). وانعكس ذلك، ليس علي السلوك الفردي، الذي إتسم بالتواضع والزهد والتسامح، والتسامي علي كل هواجس النفس وغرورها ونزواتها! ولكن تمظهر بصورة جلية في حبه، للحقيقة وللفقراء والمساكين، وتسامحه مع الخطاءين والهمازين والمشاءين بين الناس بنميم! وذلك ليس علي مستوي القول، ولكنه أردف ذلك بالعمل. فشرع من فوره في السعي بكل جد، وما أوتي من قوة المعرفة ومهارة التواصل وسلطة الأخلاق العالية، علي أتباعه وتلامذته ومريديه، في الدعوة والعمل علي تبسيط العادات الإجتماعية، كأكبر مصدر إرهاق وتعقيد للمجتمع السوداني الفقير! وذلك ليس عبر الدعوات الفطيرة التي ميزت بعض هذه الرغبات، والتي لم يرافقها الإخلاص والجدية والنفس الطويل، لتسقط أمام إختبارات الواقع!! ولكن عبر التعليم والتأصيل، أي عبر تخليص العقيدة التي يعتنقها معظم أفراد المجتمع، مما لحق بها من مُمارسات أضرت بها وأضعفت سلطتها المعنوية. وحولتها من عقيدة تهدف الي ترقية الروح وتهذيب الوجدان والسلوك ومعرفة الله عن علم ومحبة. الي قيود مادية وجسدية صلبة، تقهر الأنسان وتستعبده، بدلاً من أن تحرره وتمنحه الكرامة، وتدفع به الي مراقِ التطور والتقدم! وكنموذج لذلك رؤيته لمسألة الزواج، والعادات السلبية البذخية المُصاحبة له، والمُستفزة لوضع الفقراء وهم غالبية المجتمع! وكذلك الأضحية وغيرها من الإهتمامات التي قدم فيها الحزب الجمهوري، رؤية مُتحضرة ومستنيرة، وقبل ذلك رحيمة بالمجتمع وأحواله!! ولم يتوقف دوره عند ذلك الإسهام، ولكنه سعي بجد وإجتهاد وصدق، لتبصير المجتمع السوداني وتعليمه وتنويره، كخطوة أساسية وكمقدمة لابد منها، لتحريره من قيود الفقر والجهل والمرض والظلم والإستغلال! الذي ظل أسيرا لها طوال تاريخه، سواء من جانب المستعمر، او من جانب بعض النخب السياسية، والطُغم العسكرية المُشبعة بالجهالات والضلال والتهور!! بتعبير آخر، سعي الشهيد محمود لتخليص القدر، من مسؤولية هذا التراجع والتردي والفقر والإهانة! برد هذه النتائج والظواهر لأسبابها الأساسية، أي إساءة إدارة الدولة وقبل ذلك سوء من أدارها!! والخلاصة، إن الشهيد محمود كان إنسان صاحب رسالة، لتغيير المجتمع وتخليصه من مُعيقات تقدمه، والدفع به نحو التطور والإزدهار والحضارة. وذلك ليس كواجب ثقيل الوطأة، ولكن كإستعداد داخلي لا يكتمل بدره أي تماسكه وإستقراره، إلا بعد رؤية الشعب والعقيدة، وهما في مكانتهما التي يستحقانها، كمبرر للوجود علي الأرض، وتاليا الإستخلاف فيها وتعميرها وإدارتها بالحسني، حتي إنتهاء دورتها، من وجهة النظر الدينية، التي كان يعمل من خلالها، وأدي رسالتها علي أكمل وجه، ونحن من الشاهدين. وهذا الجهد الإنساني الخارق والأمين لم يذهب سدي، سواء من خلال الإرث الأخلاقي والقيمي والفكري الذي تركه، او من خلال طاقة القبول الهائلة، التي تمتع بها. فالشهيد محمود كان من طينة البشر، الذين يفرضون محبتهم وقبولهم وإحترامهم علي الآخرين، وبل ويشعر الآخر ليس بحبه فقط، ولكن بالتضاءل في حضرته و وحضرة تاريخه المُشرِّف والمُشبع بالتماسك المبدئي، وإيمانه بما يقول ويفعل، حتي توج ذلك بمقتله التراجيدي، الذي أعاد للذاكرة مأساة محاكم التفتيش وخيال الأساطير الغريبة، في الزمن الحديث!! بمعني أن حب الشهيد محمود أصبح مسألة قدرية وإجبارية، لكل من ألقَ السمع وهو شهيد، او لمن تمتع بأي قدر من الحس الإنساني او الحرية او النزاهة او الكرامة او الحكمة! أي أن الذين يكرهونه ويشككون فيه ويشهرون بسيرته ويتهمونه بما ليس فيه! مرد ذلك يعود إما لغشاوة في أبصارهم او مرض في قلوبهم او ضلال وإنحراف في فهمهم! او ربما لمصالح تدفعهم دفعا، لنكران ضوء الشمس في رابعة النهار! أي غمط الآخرين حقوقهم!! أي أن العيب فيهم وليس في الشهيد الإنسان محمود. بهذا المعني، يجوز أن يختلف أي شخص مع الشهيد محمود، سواء في أفكاره او في أداءه السياسي والوطني، ولكن ما لا يقبله الضمير السوي والخلق الكريم، هو التنكر لبساطته وصدقه وحبه للخير للإنسان مطلق إنسان وللأشياء، ورغبته الصادقه في تطوير البلاد وأهلها علي المستوي المادي والروحي. ولكن هذا بدوره لا يمنع الإختلاف في تقدير حجم ذاك الدور ومدي تلك الرغبة. ولكن المؤكد وفي كل الأحوال، أن أفعاله كانت علي مستوي أقواله، حتي ولو كان ثمن ذلك روحه الطاهرة، وتاليا لا مكان للمزايدة او التشكيك في مبدئيته وإتساقه، علي الأقل في آخر لحظة من عمره، وهو يموت علي حسن الخاتمة المبدئية، ويا لها من ميتة تحكي بلسان الحال والأفعال، عن العظمة التي جسدها هذا الإنسان النبيل. ومع التأكيد علي الدوام أن سلطته الأخلاقية العالية، وطاقته التأثيرية النفاذية الكاسحة، لا تلغي بأي حال من الأحوال، الإختلاف معه او توجيه النقد له ولأفكاره، بمعني يجب الفصل بين الرأي في مردود إنتاجه الفكري والسياسي وحتي الأخلاقي، وبين الإحترام المستحق الذي يجب أن يعطي له. وذلك لأن الخلط بينهما، هو ما جعل التعامل مع شخصيته ومنتوجه، أمر بالغ الحساسية، ويثير إنزعاج وأحيانا غضب الإخوان الجمهوريين، وهم بدورهم إمتازوا بالخلق القويم وسلامة الطوية والسلوك، مما جعل أمر تناول شخصية الشهيد وأفكاره يزداد صعوبة وتعقيد!
عن الحزب الجمهوري: ذكرت في مادة سابقة أن (الفكرة الجمهورية/ الحزب الجمهوري، هو حركة إصلاحية إجتماعية، أكثر من كونه حزب سياسي كامل القسمات، والدليل بعد الضربة التي تعرض له بمقتل الشهيد محمود، آل الحزب الي مجرد نشاطات موسمية، وإجتهادات فردية، تميل للجانب الفكري أكثر من ميلها للجانب السياسي التنظيمي!)، والسبب في ذلك الضعف الحزبي مركب، من ناحية يرجع لعلة العلل في أحزابنا السياسية الوطنية، التي عانت منها تاريخيا وبإختلاف إتجاهاتها ومسمياتها تقليدية أكانت أم حديثة!! وهي غياب النهج الديمقراطي في إدارتها وممارساتها الداخلية، كجزء من غيابه عن البيئة العامة! هذا من ناحية، ومن الناحية المُقابلة، السيطرة المُطلقة لل الزعيم/ الرئيس/الأمام، وأيضا كإمتداد للنظام الأبوي الذي يحكم الواقع السوداني! وكان المرجو أن يكونوا هم أحد أدوات التغيير، وليس التكريس لذلك الواقع المُجافي للديمقراطية والتداول السلمي للسُلطة! ولكن بما أنه واقع أوصلهم لتلك القيادة، لذا يصعُب عليهم تغييره او إمتلاك الرغبة الصادقة في تغييره! بمعني، هم والواقع وجهان لعملة واحدة، محصلتها الفشل في إحداث التغيير المنشود! ولو أن هذا الأمر لا ينطبق علي الأستاذ محمود تماما، إلا أنه للمُفارقة يمثل السبب الآخر فيما يعاني منه الحزب الجمهوري! وذلك ليس كرئيس لحزب سياسي محكوم بأدوات السياسة ولغتها وممارساتها، ولكن لكونه متعالٍ علي السياسة! بمعني أنه مُجدد او مُجتهد بشكل مُغاير في الدين. والأكثر تعقيدا في الأمر، أن إجتهادته تستند علي المنهج التأويِّلي، ذو الجذور الصوفية، وتاليا غير محكوم بضوابط لا سياسية و لا معرفية محددة، وذلك بسبب إعتماده علي قدرات الشخص صاحب التأويِّل، ومجاهداته ومرحلته في درب السالكين. وكل ذلك غائب عن لُغة السياسة اليومية، التي تتعامل مع ظواهر ووقائع مادية علي الأرض، ولذلك يصعُب علي المُنتج التأويِّلي، الإحتكام لأدواتها ومعارفها وخبراتها مهما بلغت درجة تطورها! بمعني، أن الأستاذ في طريقه للتجديد او إضافة إجتهادات غير مطروقة، إنطلق من داخل النص الديني الي الخارج(سياسي فكري إجتماعي…الخ) وهو إنطلاق يمتنع علي السياسة! بمعني إزاحة السياسة الي الهامش، ليشغل المتن، التجديد او السلطة الدينية بكل قداستها وتعاليها ولا نقديتها! وذلك بالعكس من مفكرين آخرين، حاولوا أن يستفيدوا من المعارف الحديثة بمناهجها المتعددة، في التعامل مع النص الديني، وتاليا التعامل معه علي أساس تاريخي، فيما يلي البشر ومصالحهم ودرجة تطورهم وطاقة تحملهم، أي بالتوافق مع المراحل التاريخة السابقة واللأحقة. وعلي أساس مطلق فيما يخص الذات الإلهية ومسائل الغيب والأنبياء كبشر مخصوصين بمقدرات خاصة وغيرها، ومنهم محمد أركون ونصر حامد ابوزيد وغيرهم، بإختلاف درجة وزاوية تناولهم او كجزء من مشروعهم الفكري. بمعني، أن إجتهادتهم او رؤيتهم خاضعة للمنطق والتقييم او التعامل معها من خلال المناهج الحديثة ذاتها، بمعني أوضح أنها أفكار، يمكن أن تنتقل الي حيز السياسة وبأدواتها ولغتها، وتاليا يمكن إخضاعها للإختبار، او الرفض و القبول بعين المصلحة المتحققة منها لأ غير! أي معيار الفشل والنجاح مرتبط بالإنجاز علي الأرض. مع أن الغاية في كلٍ واحدة، وهي السعي بجد لمواكبة العصر والإنطلاق الي الأمام، او علي الأقل عدم العيش خارج التاريخ، الذي يحكم الجميع رغم أنوفهم.

وعلي الرغم من مرونة المنهج التأويِّلي، وقابليته للتعايش مع ظروف أي عصر وفي كل مكان، وتقبله بسهولة لأي تغيرات محيطة، وبسرعة إستيعابها داخله. إلا أن ما يعيقه هو تفلته علي الإنضباط السياسي وإرتهانه للفرد صاحب التأويِّل! وتاليا يصبح الفرد هو الحزب والفكرة والضمير، وعندها يصبح الإنتماء للحزب، يمر عبر الإنجذاب والإستلاب بواسطة القائد الملهم المجدد المفكر! أي يحدث نوع من الإلتصاق بين الفرد والحزب لدرجة يصعب الفصل بينهما، او يصبحا حالة واحدة! وإذا ما صح ذلك علي الحزب الجمهوري! فهو يعني بالتحديد أن الحزب الجمهوري، هو حزب طائفي بإمتياز، يدور في فلك شخص واحد او أفكاره لا فرق! بمعني أن الأعضاء خاضعون لسلطة عليا، تؤثر في آراءهم وحرية إختياراتهم! بتعبير آخر، إن الطائفية هي المظهر السياسي للطريقة الصوفية، التي تستمد وجودها وإستمرارها وبقاءها وقوة دفعها، من رئيس الطريقة او منتجاته وآثاره، أي حتي لو مات يظل يحكم مسارها!! وهذا قد يُفسر بشكل او بآخر، غضب وحنق الأخوان الجمهوريين علي الطائفيات الأخري( أمة/ أنصار او اتحادي/ختمية)! علي أعتبار أنها صورة متخلفة عنهم، او نُسخة مُتأخرة مقارنة بالطائفة الجمهورية، الأكثر تأهيل علمي وثقافي ومادي! أي كأنها تمثل الجانب المظلم من شخصيتهم الحداثية، او كعقدة لا يستطيعون التخلص منها! وتظهر علامات الطائفية علي الجمهوريين، ليس في شدة تعلقهم بأستاذهم وتراثه فقط، ولكنها تفتضح أكثر في حالات التصاهُر الواسعة التي تربط بينهم، ولا يعني ذلك رفضهم التصاهر مع الآخرين، ولكن لتفشي الزواج بينهم بصورة تكاد تكون مُغلقة، وإحتمال ذلك يرجع للتقارب الفكري والوجدني بينهما. وأيضا من علامات الطائفية، متانة العلاقات الإجتماعية التي تربط بينهم، مقارنة ببقية أفراد الشعب او المجتمع، بمعني أن الآصرة الجمهورية أكثر متانة من الآصرة الوطنية او المجتمعية لو جاز التعبير(مؤكد أنها ملاحظات لا تعتمد علي إحصائيات). والخلاصة، إن الحزب الجمهوري بحالته الراهنة، وكما كان تاريخيا يعاني من طغيان الجانب الديني، بغض النظر عن تمظهراته(فكرية إجتماعية أخلاقية) او غيرها، علي الجانب السياسي! أي ممارسة السياسة بأدواتها المُتعارف عليها، وليس بالتعالي عليها، بتغليب الجانب الأخلاقي القيمي الإنعزالي!!
عن الأفراد او التيارات المؤثرة علي الشهيد محمود: ذكرت سابقا أنه يجب الفصل بين الرأي والإحترام، الموجهان تجاه الأفراد والأفكار او الممارسات، وخير من يقوم بذلك هو الدكتور حيدر إبراهيم علي، وفي مقالته المعنونة ب(محمود محمّد طه والمثقفون: شرف الكتابة ونبل الوفاء) ذكر بالنص(الاستاذ محمود:”في الحقيقة لا يوجد مفكرون بالمعني الذي كان لهم أثر علي حياتي.ولكن هناك أصحاب مناهج هم الذين تأثرت بهم وهم النبي..والغزالي..فلقد اتبعت المنهاج ورأت شيئا قليلا..شذرات من هنا وهناك ولهذا لا أقول بتلمذتي علي مفكر معين”.(ص1037).فهو لا يذكر حتي إبن عربي،وهذا وضع غريب علي مجدد صاحب رسالة للإنسانية جمعاء. وهذا موقف طبيعي في التبرير،لأن الاقرار بأثر السابقين ينسف “فكرة الفهم الجديد للإسلام”محور الكتاب،بل مرتكز الاستاذ نفسه في اثبات تفرده وجدته.) وحقيقة مسألة الأثر والتأثر، والأصح عدم الإعتراف الصريح بأثر الآخرين عليه، كجزء من سلوكه المُعلن والواضح. يسبب أرق لضمير الإتساق والمبدأ اللذان عُرف بهما، ويُحدث قليل من التشويش علي الصرح الإتساقي المبدئ الذي شيده طوال حياته، ولن بالتأكيد لا يقدر علي المساس بهيكل ذاك الصرح. ولكن من شأن الوضوح في هذه المسألة، أنه يضيف مردود أكثر ألقا لمسيرته المبدئية الإتساقية الظافرة. وفي الحقيقة الأثر الذي تُرك علي الشهيد محمود، ليس من جانب الأقدمين فقط، ولكن حتي من جاتب المنجزات الحديثة والغرب بالتحديد، وما موضوع الإشتراكية والمساواة والحد الأدني والأعلي للإجور …الخ، إلا نماذج بسيطة لعُمق الأثر الذي طبع منتجاته، او إنغماسه في راهنه والمحيط الذي يحيط به سواء أكان خارجيا او داخليا! كما أن مفهوم التجديد نفسه يشير من طرفٍ خفي، الي أن هنالك قديم تم تجاوزه، وتاليا يعني الإطلاع عليه وهضمه ومن ثم تجاوزه، وإذا كان كل هذا لم يكن أثر؟ فما هو الأثر؟! وعموما عمليات التجاوز والإضافات والإجتهادات، ليست حكرا علي احد او زمان او مكان مححدين! او أن بابها قفل ببروز شخص مجتهدد او مجدد معين، مهما أوتي من قدرات اوإمكانات وحظوظ وتسهيلات. لأن ذلك جزء من حركة الحياة ومسيرة التاريخ، ولن يتوقف إلا بتوقفهما! والخلاصة هنالك عدم وضوح في هذه الناحية، ولكن تبرير دكتور حيدر بأن الإقرار بأثر الآخرين ينسف فكرة التجديد، أعتقد أنه غير صحيح، أولا لأنه جدد وإجتهد وأضاف لمكتبة الإجتهاد التاريخية إضافات هامة وغزيرة، بمعني أن ذكره او عدم ذكره لمن أثر فيه او تأثر به، لا ينفي قيامه بعملية التجديد، لأن تجديده أصبح أثر واقع علي الأرض. ولكن يُمكن القول أن ذكره الآخرين، يمكن أن يُشركهم في الفضل او الإنجاز، مما يُقلل دائرة التركيز عليه بصورة حصرية! وثانيا هنالك كُثر قرأوا لكبار المتصوفة وتتلمذوا علي أيدي بعضهم وهضموا آثارهم وعاشوها وطبقوها، سواء إعترفوا بذلك او لم يعترفوا، إلا أنهم لم يكونوا مجددين. بمعني أن للتجديد رجاله وأدواته والإستعداد المُسبق للقيام به، وكلها شروط تنطبق علي الشهيد محمود، والأهم أنه لم يكتفِ بذلك، ولكنه أداه بكل جدية وإجتهاد وصدق وتضحيات عظيمة. والمحصلة أن تجديده أصبح واقعا معاشا، ولا يمكن نفيه او إلغائه بذكر او عدم ذكر المؤثرات الأخري! ولكن يقع العبء في توضيح هذه المسألة، علي عاتق الإخوان الجمهوريين، الذين كانوا لصيقين به، وأدري بملابسات تلك الجزئية من حياته. وهذا إذا لم يكن من جهة إحقاق الحقائق وتوضيح المخفيات، فأنه يصبح ضروري وواجب مُلح، إذا ما ربطناه بلوم الجمهوريين للمثقفين والساسة السودانيين، بغمط الشهيد محمود حقه من الذكر والأثر، الذي تركه علي التاريخ السوداني المُعاصر. لأنك إذا طالبت الآخرين بذكر أفضالك، فمن باب أولي أن تذكر أفضال وآثار الآخرين عليك! وهذا الأمر يزداد إلحاحا إذا ما خص جانب الجمهوريين بالذات، بوصفهم أكثر الجماعات السودانية، تمسكا بالأخلاق، ورعاية لحقوق الآخرين، وتهذيبا في التعامل، سواء مع الشأن العام او مع المتعاملين داخله.
عن مقتل الشهيد محمود: المُلابسات والأجواء المُحيطة بتلك الفترة، والموقف الشجاع والواضح للشهيد محمود، وتحديه لتلك الأجواء المُكفهرة، وغضبة عسكري مغرور يفيض جهالة وتجرد من المروءة والوطنية، ومنافسة تنظيم أقل قامة ومبدئية ومقدرة، من سطوة الشهيد محمود المعرفية والأخلاقية. كل ذلك يدلل علي أن إعدام الشهيد محمود كان مُجرد تصفية حسابات سياسية! وحسم لمُنافسة غير شرعية وغير متكافئة، بين مُصلح إجتماعي وديني، يرتكز علي حس إنساني وأخلاقي عالٍ، وتدلل كل المؤشرات وتاريخه النضالي الطويل، علي رغبتة الصادقة ومساعيه الإصلاحية الفاقع لونها والسارة للناظرين، للدفع بمجتمعه الي عليين. وبين عسكري مُغيب سياسيا ومعرفيا وأخلاقيا! ومن خلفه جماعة، تستمد وجودها وحضورها، ليس من قدرتها علي تقديم برامج او مشاريع تفيد الشعب والوطن! ولكن من الإفتئات علي حقوق المواطنين والتغول علي الدولة والسلطة! أي من قبل جماعة تميزت طوال تاريخها، بالإلتواء الشرعي والإقتصادي والأخلاقي، وبالأخص زعيمها وموجهها وشيخها الروحي الدكتور الترابي!! الذي يعتنق عقيدة المراوغة، وينتهج مبدأ الغاية تُبرر الوسيلة! ويتطلع الي الرئاسة والقيادة، كحق حصري يُكافئ ذكائه المزعوم، وإجتهاداته السياسية والدينية والفكرية التي تنسب له! وهو يعاني سلفا من الفصام الديني والسياسي، بمعني إزدواجية المعايير والجمع بين المتناقضات، داخل وعيه وسلوكه ومنتوجه العام! والمؤسف أنه لا يكترث لهذا المسلك الكارثي، لمن يتبني مشروع ديني، لحمته وسداته، الإتساق الأخلاقي والمبدئي والتطابق او علي الأقل التقارب بين القول والعمل! والمؤسف أكثر أن يجد من يبرر له ذلك المسلك، المتجاوز لأي أعراف وطنية او مبادئ سياسية او قوانين تحكم المسار الديمقراطي والشرعي!! ولكن الأهم من ذلك أن مقتل الشهيد محمود بهذه الكيفية الجبانة؟ ودونما إعتراضات جدية تكافئ بشاعة الجرم، وإنحدار المجرمين لهذا الدرك السحيق من التجرد الإنساني والعدلي! دشن لسلوك القتل كجزء من آليات العمل السياسي (السلمي!!)، وتاليا مهد الطريق أمام أي سلوك مُعادٍ للقوانين والشرعية، لأنه لا يوجد جُرم أعظم من قتل النفس البشرية بغير وجه حق. بمعني أن من يسعي لقتل خصمه السياسي ماديا، بالتأكيد فأنه لأ يتورع عن إرتكاب أي منقصة سياسية او جريمة إقتصادية او دمار يطال البلاد والعباد ومستقبل الأجيال!

وهو عين ما حدث بعد ذلك، عبر الإنقلاب علي السلطة الديمقراطية الشرعية، بدعم من الجبهة الإسلامية القومية، وبتدبير مباشر من قائدها الإسلامي(الوصي علي المواثيق والعهود!) الدكتور الترابي، فيما أصبح يتعارف عليه، بنهج إذهب الي القصر رئيسا( لحين إنتهاء المخاطر وإستتباب الأمن) وسأذهب الي السجن!! كجزء من التمويه والحرص علي سلامة الروح، إذا ما حدث مكروه، كفشل المحاولة الإنقلابية مثلا (وهي مفارقة تُبين معادن الرجال والقادة، أي بين من يمشون الي المشانق بخطي ثابته وجنان هادئ ويبتسمون أمام الموت، وبين من يختبئون في السجون، لحين إنتهاء الخطر وزوال الهواجس والظنون!!!). والمقصود من كل ذلك، أن مقتل الشهيد محمود بهذه الكيفية اللأأخلاقية، دق ناقوس الخطر، لمجموعة الأخطار التي تحيط بالبلاد ووعودها الديمقراطية، ومن المصير الذي ينتظرها علي أيدي هذه الجماعة، المُتفلتة من عقال، أي إحساس بالمسؤولية الوطنية او المواطنية! وبكلام آخر، هذه الحادثة كان من المُفترض أن تنبه الطبقة السياسية، لخطورة الهوس الديني ولا مبدئيته، وأنه سلاح ذو عدة حدود لمن يلعبون به او معه! وتاليا عدم الأمان له، والركون لشعاراته ووعوده الجوفاء! ورهن مستقبل البلاد أمام طوفانه دون حماية، سواء بكشف زيفه او توعية الجماهير وبكل وسيلة لمخاطره، وتحصين المؤسسة العسكرية ضد فيروساته وإختراقاته! ولكن الأسوأ من ذلك، أن يكون هنالك تواطؤ، من طرف جزء كبير من الطبقة السياسية، بغرض التخلص من مُنافس، قد يسبب لها إزعاج كبير، وتحدٍ لطروحاتها، وإحتمال سحب التأييد الشعبي من تحت أرجلها، خاصة وهو يكتسب قُدرة عالية علي الإبتكار والصمود والتأثير، والأهم والأخطر من ذلك، هو رغبته الحقيقية والغير مُصطنعة او مختلطة بأهواء شخصية، للإرتقاء بالمواطنين وتوفير ما يليق بآدميتم ماديا وروحيا، أي توفير أسباب المعايش من جانب، والحرية وإحترام الذات من الجانب الآخر. بمعني أن الأستاذ محمود يحمل رسالة او مشروع لتغيير المجتمع او الشعب، وليس مشروع لإمتلاك السلطة، والذي يبرر من ثم، إستغلال الجماهير بدلا عن خدمتها! وبتعبير آخر، إن سلوك الأستاذ محمود، بتواضعه ومعرفته العميقة وحبه للخير كفطرة وإستعداد نفسي، يمثل جسم غريب او خطر، علي بيئه سياسية مُشبعة بحب السلطة، وعمل المستحيل من أجل الحصول عليها، والبقاء علي قمة هرمها الي أبد الآبدين! وبكلام آخر، أنه يمثل رد عملي، لمطلوبات من يتصدي للعمل العام. أي أن يبدأ التغيير بنفسه، وبمن حوله، ثم يطالب الآخرين بسلوك نفس المنهج، وقد أوفي الشهيد محمود بهذا الجانب كأحسن ما يكون. وذلك بالعكس من الطبقة السياسية السودانية، المُشبعة بالنخبوية، وبمختلف تشكيلاتها ودرجاتها المتباينة، من الإهتمام بالشعب وقضاياه ومشاكله!! في هذا الإتجاه وبإستثناءات بسيطة تعد علي أصابع اليد الواحدة! نجد أن قادة وكبار رجالات أحزابنا السياسية، لم يسعوا لتغيير المجتمع كهدف أولي، أي كان دائما كجزء ثانوي ومؤجل مقارنة بهموم السلطة، التي إستنزفت كل قواهم وطاقتهم وقدراتهم السياسية، أي لم يقدموا هموم تغيير المجتمع للأفضل، علي همومهم السياسية والتنظيمية والإجتماعية! أي عانوا من طغيان هم السلطة علي هم التغيير، وبكلمة واحدة، الطبقة السياسية السودانية، هي طبقة سلطوية وليست طبقة تغيير مجتمعية او إصلاحية! وهذه أكبر أعراض الأصابة بمرض النخبوية، الذي أدمنته هذه الطبقة، وهو مرض نفسي، تعتقد الطبقة السياسية المصابة به، أنها الأجدر والأفهم والأصلح، للقيادة والحكم وحيازة الإمتيازات والجدارة الأجتماعية، وتاليا بقية الشعب مجرد أدوات او وسائل لتحقيق هذه الرغبات القدرية!!
وكمثال بسيط، مناسباتهم الإجتماعية، هل راعوا فيها ظروف واحوال مجتمعهم البائس الفقير، وأحترموا مشاعره وتقصيرهم في حقه! هل سكنوا في بيوت متواضعة، وتناولوا طعام متواضع(علي الأقل في العلن!) وركبوا مركبات متواضعة، لتجسير الفوارق او لرفع العبء النفسي عنهم، وهم محكمون سلفا بقوانين التقليد والمحاكاة المجتمعية!! أي هل حاولوا أن يقتربوا من تفاصيل حياة شعبهم الفقير أو الممكون وصابر(بتعبير حميد رحمه الله)، الذي يحاولوا أن يغيروه او يدفعوا به الي الأمام، كما ظلوا طوال تاريخهم السياسي، الصياح بإسمه، وتوظيفه داخل مشاريعهم السلطوية الضيقة! وبكلام محدد، إذا لم تتواضع هذه الطبقة السياسية، وتعيش واقع أبناء بلادها الفقراء والأصح المفقرين، وتعلم أسباب فقرهم بالمعايشة والإلتصاق، فستعيد إنتاج خطابها الإستعلائي السلطوي الإستاتيكي البارد، ولن تنجح في تغيير واقع فقرهم، او تدفع بهم الي الأمام، مهما كانت جمالية ومنطقية ويوتوبية، ما تحمله من برامج او شعارات! والسبب في ذلك بسيط، وهو أنها تتحدث عن واقع وأفراد غائبين حقيقة عنها، أي هي تتعامل مع مظاهر فقرهم بعين العطف، وتعتقد أنها كافية، وتستحق ما تبذله من جهد ومواقف سياسية وإعتقالات وغيرها من مشاريع النضال الفوقي النخبوي المتعالي. وفي الحقيقة هذه المسألة لا تخص النخبة السياسية وحدها، ولكنها تطال، الصحفيين والكتاب والفنانين والأكاديمين وغيرهم من نجوم المجتمع، أي هل يعيشون حياتهم بصورة متواضعة وبسيطة، تراعي ظروف مجتمعهم الضاغطة، أم يستمتعون بمتع الحياة وترفها، وبعد ذلك يتحدثون عن الفقراء والكادحين، في أوقات فراغهم و من أجل تسويد وتحبير صحفهم او مجالات عملهم وإبداعهم، ولأ باس عندها من (سب) الحكومة أم الكوراث ومنتجتها ومصدرتها، ولعن الحال والحنين لأيام زمان. وهذا بالضبط ما عاشه الشهيد محمود، أي إختلاطه ومعايشته وإحتكاكه المباشر بالبيئة التي يعيش وسطها، ومَعنِّي بتغييرها، ويسعي جاهدا لتعديل واقعها وتخليصها من معيقات تقدمها. وقبل ذلك يكشف زييف مبررات فقرها وقهرها!
الخلاصة: لقد عاش الأستاذ الشهيد محمود محمد طه، حياة حافلة بالعطاء والمواقف الإنسانية والبطولية، وحاول جاهدا أن يوظف عمره وفكره ومجاهداته، من أجل تبسيط الدين، وإتاحته بين الناس، بكل صفائه وقيمه الخيرة ومبادئه الكبري في الحرية والعدالة والكرامة..الخ، وذلك بعد تخليصه من براثن التعصب والتشدد والإستغلال، التي لأزمته طويلا، بسبب بعض الأدعياء، واصحاب المطامع والمصالح الدنيوية الزائلة. والشهيد خلال هذه المسيرة سعي للإستفادة من قدرات السياسة، وإرتباطها بالواقع والحكم وإدارة شؤون ومصالح المواطنين، وذلك بروح أكثر مبدئية وإتساقية، ولو أن سعيه لم يخلُ من تعطيل أحيانا لأهم مفاعيلها الديمقراطية الإنتخابية، وإنفتاحها علي كل التجارب الإنسانية و التنظيمية الأخري، بما فيها تجارب الأحزاب المحلية وخاصة الحديثة منها! أما مسألة تقييم شخصيته وأداءه، فبقدر ما هو متروك للتاريخ وأحكامه، إلا أنه أيضا محكوم بزاوية الرؤية لكل منجزاته وأداءه. ولكن يظل الثابت وفي كل الأحوال، هو طاقته الأخلاقية العالية وتواضعه وحب الخير ليس للبشر فقط! ولكن لكل الأشياء كما ذكرنا سابقا. وهو كذلك ترك تأثير إنساني ضخم، ليس في أتباعه او من عاشره وزامله فقط! ولكن حتي إرثه وما تركه من مواقف وأقوال، فهما كفيلان بإحداث أكبر أثر فيمن يطلع عليهما عن كسب. خاصة إذا كان خالِ الذهن من الأحكام المُسبقة، والتي للأسف معظمها جائرة، ومصدرها منافسون حاقدون عليه! لكل ذلك فإن محبة الشهيد محمود، ليست حكرا علي الجمهوريين، ولكنها حق مُشاع، ليس للسودانيين فقط، ولكنها تتجاوز الحدود والأعراق والديانات، لتُلامس حواف المشاعر الإنسانية علي إطلاقها! لتسكن مرافئ التقدير والتبجيل والإحترام، والفخار بالإنتماء للجنس البشري الذي أنتج أمثال الشهيد محمود. فميلاده وحياته مثَّلا رد إعتبار للإنسانية والقيم الفاضلة، وبكلمة مستحقة، مثَّل الشهيد محمود بتاريخه الناصع البياض، بقعة ضوء في مسيرة بشرية طويلة، لطالما حاصرها الظلام وأفسد بهجتها الإستبداد والفساد!
أما بخصوص الحزب الجمهوري، فهو يحتاج للإنخراط في الشأن السياسي وبأدوات السياسة، بصورة أكبر، وذلك بموازة مع المجهودات الفكرية والثقافية والاخلاقية والأجتماعية، التي تميز بها معظم أعضاءه، أي السياسة ليست رجسا من عمل الشيطان، ولكنها تعتمد علي نوعية اللأعبين السياسيين! وبكلمة وأحدة، لابد من تغبيِّر صورة الحزب الجمهوري اللأمعة، بتراب الواقع السياسي السوداني، وأن يغوص في أوحاله، ويقاوم مفارقاته لقيم الديمقراطية واللأمبدئية التي تسم معظم تاريخه، والصمود أما إنكساراته وهزائمه المتلاحقة، وخذلانه لجماهير الشعب الصابرة، والضحية رقم واحد لهذا الواقع السياسي المتردي. لأن هذه المُخالطة والمُشاركة، هي ما تكسبه خبرة التعامل مع الواقع، ومن ثم بناء المشاريع التي تستوعبه وتعالج إشكالته بالتدرج، حتي يصل المواطن لبر التغيير والتقدم، بأمان وباقل الخسائر وكسبا للزمن. بمعني أن لأ ينتظر الحزب الجمهوري علي الشاطئ، حتي تتحسن أحوال السياسة، ومن ثم ينزل الي الماء للسباحة، لأن نزوله في هذه الحالة يصبح غير ذي جدوي! ولكن عليه أن يعمل علي تغيير أوضاعها (التي تعجبه)، وتحسين شروط عملها والإرتقاء بها، لتؤدي وظيفتها، في تنظيم الحياة وإدارة مصالح المواطنين وصراعاتهم سلميا وبكفاءة، ودعم السلم الأهلي والإستقرار الداخلي والأقليمي..الخ. كما علي الجمهوريين الخروج من عباءة الشهيد محمود، وضغط سيطرة أفكاره وطاقته الأخلاقية العالية، و ذلك بتحمل المسؤولية الراهنة، و بالإنفتاح أكثر علي قيم الديمقراطية والدولة المدنية، والمشاركة بفاعلية أكثر في الحياة السياسية، وتقبل النقد حتي من داخل الحزب الجمهوري، أي عدم التحسس من النقد، الخارجي بصفة عامة او الداخلي بصفة خاصة، او معاملة أي جهد داخلي، يمتلك حس نقدي او أفكار مغايرة، وكأنه تجني علي الفكرة الجمهورية او الشهيد محمود نفسه، ولسان حالهم يقول(هل ترك الشهيد محمود فرصة لمستزيد؟ او هل فكرته ناقصة حتي تحتاج من يكملها؟!) او غيرها من القيود، التي أكثر ما تضر بالجمهوريين والفكرة الجمهورية نفسها، أي تصيبهم بحالة من الجمود والتحنيط بينما العالم كله يتحرك، والسبب لأنه أدرج النقد كاحد آليات الإستمرار والتجدد علي الدوام! بمعني آخر، أن لا يتحول جزء من الإخوان الجمهوريين، الي سدنة او حراس او محاربين قدامي أمام معبد تراث الشهيد محمود، يمنعون الآخرين من الإقتراب او التصوير! لأنهم بموقفهم هذا، يُناقضون مفهوم التجديد نفسه، الذي إنخرط فيه الشهيد محمود، وهو ما أكسبه ميزته وتفرده، وإلتفافهم هم أنفسهم حوله! كما أنهم بموقفهم هذا يبررون لكل الإعتراضات، التي وأجهت مشروع الشهيد محمود التجديدي، من الذين يتمسكون بالتقليد ويعشقون الماضي، بمظهره البراق الكاذب او كعلاج لحالة تأخُر مستحكمة، لأ يقدرون علي الخلاص منها إلا بإرجاع عقارب الساعة للوراء، ولكن هيهات!! بمعني أنه لأ يمكن للمجتمع أن يتحرر من أسر الفقهاء التقليدين أرباب السلاطين، ليقع في أسر الإخوان الجمهوريين!! ولسان حاله يُردد، كأنك يا أبوزيد ما غزيت! او كأنك يأ أستاذ محمود ما جددت!!

أما بخصوص الأحزاب السياسية الأخري، فعليها إضفاء مسحة جمهورية علي أقوالها وأفعالها، لوجاز التعبير، بمعني إدخال المزيد من المبدئية الديمقراطية والمؤسسية علي مفاعيل الممارسة السياسية. والتي إكتسبت من شدة مفارقتها لتلك القيم، لفظ اللعُبة القذرة، او ينظر إليها من قبل الجماهير، وكأنها عملية عبثية، لا مصلحة لهم فيها، حتي ولو تحدثت بإسمهم، وتبنت شعارتيا قضاياهم. وأن القصد من تلك العملية السياسية، إقتسام الإمتيازات والمصالح، بين أفراد الطبقة السياسية، أي بإعتبارها أقصر الطرق وأقلها تكلفة، لحيازة الثراء المادي، والإعتبارية الإجتماعية، والعروض الإعلامية المجانية. وأن أفضل وسائلها وأكثرها فاعلية، هي الخطابة وبذل الوعود المجانية، والتلون حسب المرحلة، والقفز كالفراشات من زهرة نظام شمولي، الي بستان نظام شمولي آخر. ومن حضن دكتاتور الي دفء حزب سلطوي آخر. والضحية علي الدوام، هو الشعب المسكين، الذي يتاجرون بقضاياه، ويغيب حضوره علي مستوي، الأداء والإهتمامات. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وأخيرا، أضم صوتي لإقتراح تقدم به الإستاذ الحاج وراق، في ذكري ماضية قبل فترة طويلة، ولكن مع تعديل بسيط، متروك لفطنة القارئ الكريم! ومقترح الأستاذ الحاج وراق مفاده (وفي سبيل ذلك، وحتي يأخذ 18 يناير قيمته الإنسانية والتربوية فإنني أقترح أن تتضافر جهود جميع منظمات حقوق الإنسان محلياً وإقليمياً ودولياً لتأسيس جائزة دولية سنوية باسم : (جائزة الأستاذ/ محمود محمد طه لحرية الضمير) تمنح سنوياً للاشخاص والموسسات التي تقدم لمبدأ حرية الإعتقاد.أتمنى وأعشم في تبني المجموعة السودانية لحقوق الإنسان ورئيسها الاستاذ/ غازي سليمان لذلك.). ودمتم في رعاية الله.

عبد الله مكاوي

[/JUSTIFY]
Exit mobile version