وما من شك أن استرداد مدينة بور الإستراتيجية يمكن اعتباره نصراً للحكومة الجنوبية سواء لأهميتها بالنسبة للطرفين، أو لرمزيتها التاريخية المعروفة، ولكن يصعب هنا فهم (النصر اليوغندي) الذي عبر عنه الناطق باسم الجيش اليوغندي.
غير أن هذا التطور الذي من المؤكد ستكون له أبعاده الأخرى فى الراهن القريب والمستقبل يشي بأن كمبالا قد ركنت تماماً الى التكتيك الذي اتبعته، فقد دفعت ثمناً سياسياً وعسكرياً غالياً دخل بالفعل الحساب المصرفي السياسي للحكومة الجنوبية وتحولت كمبالا بهذا الحساب المستحدث من مجرد جارة صديقة الى طرف (دائن) وشريك مساهم فى الدولة الجنوبية بصرف النظر عن طبيعة النظام في أي من البلدين حاضراً أو مستقبلاً.
وعلى ذلك يمكن قراءة هذا المشهد فى تجلياته المستقبلية على النحو مثير للمخاوف؛ فمن جانب أول فإن يوغندا صارت لديها (يد عليا) على الدولة الجنوبية لأنها كما بدا واضحاً نجحت فى تحقيق ما عجز عنه الجيش الحكومي الجنوبي فى تحقيقه وقد كان هذا واضحاً فى العبارات المنتقاة بعناية من جانب المتحدث باسم الجيش اليوغندي حين أكد أولاً على (المقاومة الكبيرة التى واجهوها) للتدليل على صعوبة وضخامة المعركة والانجاز الكبير الذي حققوه لصالح الحكومة الجنوبية.
وثانياً حين أكد أيضاً بإصرار واضح على أنهم (وحدهم كقوات يوغندية) ودون غيرهم من استطاع أن يفعل ذلك. الأمر هنا فيه إشهار وإشهاد واضحين من جانب كمبالا على التضحيات الكبيرة التى قدمتها للجيش الحكومي الجنوبي. وبطبيعة الحال فى ذلك شيء من التسويق المبكر للمهارة اليوغندية والآلة العسكرية القادرة على الفعل ما يفوق قدرات الجيش الجنوبي.
ومن جانب ثاني فإن كمبالا ترفع يديها ملوحة للعالم الغربي عموماً والفضاء الإقليمي على وجه الخصوص أنها باتت عملياً (الوصي الشرعي) للدولة الجنوبية والراعية لشئون جوبا وهو أمر فيه ما فيه من المزايا التى تمنح كمبالا وضعاً إقليمياً متميزاً، كونها الدولة الوحيدة فى المنطقة التى حافظت على الشرعية فى الدولة الوليدة، وشكلت قوات حفظ سلام دون الحاجة الى ميزانية أو قرار دولي!
وهذه نقطة على وجه الخصوص هي الشفرة التى تكفلت أحداث الدولة الجنوبية الدامية هذه بالكشف عنها، ففي النهاية سيبدو الأمر وكأن كمبالا قد كسبت مساحة جغرافية إضافية لمساحتها الجغرافية.
وأخيراً فإن التجربة برمتها ربما كان لها أثرها السالب والبالغ السلبية على المستقبل الديمقراطي للدولة الجنوبية من جهة والمستقبل العسكري للجيش الجنوبي، ففيما يلي المستقبل الديمقراطي فإن من الصعب إخراج العامل اليوغندي -بعد اليوم- من المعادلة السياسية الجنوبية وسيظل هذا العامل حاضراً لمدة طويلة أياً كان الحزب الحاكم فى جوبا.
وأما فيما يلي المستقبل العسكري للجيش الشعبي الجنوبي فيكفي أنه استلف شرفاً عسكرياً آخر لارتدائه داخل بلاده للقيام بمهمة هي من صميم مهامه الوطنية.
سودان سفاري
ع.ش