وهل لم يكن يعلم حفيد غردون هذا الدكتور كريستوفر أن جده كان قد جاء إلى السودان عبر مصر قادماً من الصين مصاباً في عينه من أحد الصينيين المناضلين وقتها ضد محاولات الاحتلال البريطاني لبلادهم؟! هل لم يكن يعلم بهذا التاريخ حتى تفاجأ في متحف القصر بما يرتبط بجده الذي قتله في القصر الأمير محمد ودنوباوي كما يحدثنا التاريخ؟!. ودعك من كل هذا، فإن الغرابة كانت في حديث السيد الصادق المهدي حول الجهاد في غردون باشا حينما التقى من زعم بأنه حفيده، وقال إمام الأنصار «إمام حفدة امراء وقادة ومجاهدي المهدية»، قال: «انتهزنا هذه الفرصة لعمل قراءة جديد
ويريد السيد الصادق هنا أن يقول إن غردون قُتل بدون وجه حق لأنه جاء لعمل إنساني، وهذا معناه ليس لاسترداد سيطرة البلاد من قادة الثورة المهدية. ومثلما جاء حفيده لعمل إنساني هو جراحة الشفة الأرنبية.
إن غردون لم يأتِ عام 1885م إلى السودان من أجل الإشراف على علاج جرحى السودانيين، وإنما جاء لمحاربة وصد جهاد الإمام محمد أحمد المهدي والخليفة عبد الله التعايشي والخليفة الثاني علي ود حلو، والأمراء النجومي ودقنة ومنعم أبو زمام ومحمد ود مضوي، والقائمة تطول وتطول. ويريد الصادق أن يقول إن الإمام المهدي لم يكن يريد تصفية غردون. وربما كان هذا صحيحاً لأن هناك حديثاً كان يدور حول صفقة لتسليمه مقابل إطلاق سراح الزعيم الثوري المصري أحمد عرابي. وكان هذا أفضل، لكن كان ذاك قدر مجرم الحرب غردون الذي يكرر نسخته فيما بعد المجرم كتشنر. وقد كاد أن يقتل غردون في الصين لكن أُصيب في عينه اليسرى، أم أيام سيئة الذكر فقد انتهت في السودان وهو يقف مخموراً على درجات سلم القصر الجمهوري ويصيح قبيل مقتله في وجه الأنصار قائلاً: «أين سيدكم المهدي؟!». لكن سيدهم المهدي عليه السلام يرسل الجنود المجاهدين ولا يأتي هو بنفسه ليستنشق رائحة الخمر. فهو قائد الثورة ومُلهمها. وهو صاحب اللبنة الأولى لدولة إسلامية قوية في السودان طبقت الشريعة بشكل كامل، ومحت كل آثار احتلال أسرة محمد علي باشا المنتنة.
لكن السؤال: ما هو التاريخ الصحيح في جعبة السيد الصادق المهدي حول قصة مقتل غردون؟! وهل تصريحاته هذي في حضور حفيد غردون وأثناء ضيافته له أطلقها ضمن طقوس الكرم السوداني حتى يخفف على ضيفه «أثر الصدمة من مقتل جده»؟!
لكن بالمقابل هل ذكر السيد الصادق المهدي نجاح حملة كتشنر واستباحته لأم درمان وقتله لثلاثة آلاف مجاهد من قبيلة واحدة في منطقة جبل كرري، وقتله لأجداده بطريقة بشعة في الشكابة وهم الفاضل المهدي والبشرى المهدي ومحمد شريف حامد؟!. أم أن السيد الصادق المهدي في انتظار حفيد كتشنر ليقول له إن الإمام المهدي مات قبل تكوين مؤسسات الدولة المهدية بشكل نهائي؟! كان واجب السيد الصادق الوطني هو أن يحتج بطريقة ناعمة ومهذبة أمام حفيد غردون على عدم اعتذار بريطانيا للسودان مثلما اعتذرت واشنطن من خلال الرئيس الأمريكي الأسبق بل كلنتون للأفارقة وبالأخص السنغال أثناء زيارته لها عام 1997م، ووقوفه في متحف العبيد في جزيرة غوري السنغالية؟!
كنا نريد من المستر كريستوفر حفيد غردون أن يقف في متحف القصر الجمهوري قرب آثار الاحتلال البريطاني ويقول: «ها أنذا أعتذر عن وصول البريطانيين بما فيهم جدي إلى بلاد آمنة، وأعتذر عن استباحة الخرطوم ومذبحة الشكابة الجبانة». أو يقول: «أطالب لندن بهذا الاعتذار كما اعتذرت واشنطن للأفارقة».
إن اعتذار واشنطن كان قولياً وفعلياً، فبعد كلمات كلنتون جاء تعيين كندليزا رايس وزيرة للخارجية وجاء ترشيح أوباما الذي تعود أصوله إلى جبال النوبة لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.
لكن تجيير الأحداث التاريخية لصالح العلاقات العامة من زعماء الأحزاب فهذا لا يؤهلهم لقيادة الدولة من الناحية الوطنية والأدبية؟ فلا داعي للي رقبة حقائق التاريخ أمام حفدة غردون وكتشنر وإسماعيل باشا وهرتزل وسلاطين رودلف وهكس باشا. وهذا منا للتحريض الوطني على الأقل إذا اختلفنا في نوع آخر من التحريض.
صحيفة الإنتباهة
ع.ش