بعد عودتي من لندن بعد نحر أو انتحار تلفزيون بي بي سي العربي، صرت صاحب بالين، لأنني كنت أعمل «رسميا» في شركة اتصالات قطر – كيوتل، ورسميا أيضا في قناة الجزيرة الفضائية، وكان ذلك قبل بدء إرسالها بأكثر من أربعة أشهر، وبالتأكيد فإن قوانين العمل لا تسمح بشغل وظيفة إضافية، إلا بإذن مكتوب من صاحب العمل الأصلي (وكان في حالتي هو كيوتل)، ولكن تلك القوانين لا تدرج العمل الإعلامي والصحفي في خانة الوظائف «الإضافية المحظورة»، وعلى كل حال فقد مارست الجمع بين وظيفتين على مدى نحو عشرين سنة في أبوظبي والدوحة، ولكن دائما في مجال الصحافة (والترجمة التي كنت أمارسها في البيت ووزارات العمل لا تحشر أنوفها في البيوت)، ورغم أنني كنت صاحب بالين إلا أنني لم أكن «كذّاباً»، بل أخلصت للجهتين (كيوتل والجزيرة) وكان معظم عملنا في الجزيرة في تلك الفترة يتركز في ترجمة محتوى الأفلام التسجيلية، وضع أسس إدارية تصلح لانطلاقة قناة دولية، وأقنعت إدارة القناة بالاستفادة من كوادر كيوتل في هذا المجال، وهكذا جاء أصدقائي سلطان المفتاح وخالد حزام والهندي سام ذوو الخبرة الطويلة في إدارة الموارد البشرية.
ثم تقاطر على الدوحة زملائي في بي بي سي للعمل في القناة، وصرت مستشارا لمعظمهم في شؤون السكن وتعليم العيال، وسعدت لأنهم سعدوا بالقدوم الى قطر عملا بنصيحتي لهم، لأن ذلك كان دليلا على أنني كنت صادقا في كل ما قلته لهم عن قطر والعيش فيها، وكان أسعدهم بالانتقال الى قطر من عاشوا في لندن سنوات طويلة قبل إنشاء قناة بي بي سي الموؤودة، فقد أحسوا براحة البال، ونعموا بالهدوء والسكينة!! فلندن مدينة لا تعرف ما هو الهدوء ولا ما هي السكينة، فلا يمكن ان تمر خمس دقائق من دون ان تسمع ولولة سيارة شرطة او عويل سيارة اسعاف أو صرخات سكارى في حالة شجار مع بعضهم البعض أو سكران وحيد يصرخ بعبارات من شاكلة: ملعون أبوكي بلد (هذه العبارة اسم لرواية للشاعر والدبلوماسي السوداني الراحل سيد أحمد الحردلو)، وقل ما تشاء عن مستشفى حمد العام في الدوحة، وبه بالتأكيد أوجه قصور كثيرة، وأعتبرني شاطحا اذا قلت إنني أدخل مستشفى حمد مريضا وأنا مطمئن إلى أنني سألقى الرعاية الصحيحة في زمن قياسي، مقارنة بحالي وأنا ذاهب الى عيادة في لندن.. فكي تجد فرصة الخضوع للتصوير بجهاز الرنين المغناطيسي لأن حالتك الصحية تستوجب ذلك فإن عليك ان تنتظر ما بين ٦ و٨ أشهر، (أتكلم هنا عن المقيم هناك بصفة قانونية ومن حقه ان يستفيد مما تقدمه الهيئة الوطنية للخدمات الصحية إن أتش إس، وطبعا بفلوسك تنتظر ما بين نصف ساعة وساعة إلا ربع)، أما إذا كنت بحاجة الى جراحة في القلب، فعد الى البيت واكتب وصيتك وكن منصفا في توزيع التركة كي يذكر الورثة محاسنك ولا يجرجروا بعضهم البعض في المحاكم.
ذات مرة نصح الطبيب في مستشفى لندني زوجتي بتصوير عمودها الفقري بالرنين المغناطيسي، وقالوا لنا تعالوا بعد كذا شهر، فصاحت: يا حليل الدوحة.. لما يقولوا لنا تعالوا للرنين بعد اسبوعين نصرخ فيهم: هذا استهتار.. وما كان واردا ان تصبر كل تلك الشهور وهي تعاني من ألم مبرح فذهبنا الى مركز خاص للتصوير بـ«الرنين» وخلال ساعات كان قد تم تصويرها، وعندما جاءت لحظة الدفع أصيب صاحبكم بجلطة دماغية: ١٤٠٠ استرليني (قرابة ١٠,٠٠٠ ريال قطري)، ويبدو ان الجلطة كانت كاذبة لأنني أفقت منها ودفعت المبلغ وأنا أقول بالمصري: حار ونار في جتتكم.
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]