لقد عبّرت جميع خطابات الترحيب التي تُليت عقب الإستقبال الحاشد للسيد الوالي بمطار الضعين وبالميدان العام بالمدينة, جميعها أكّدت علي أن الأولوية القصوي هي لقضية الأمن, وأشواق الناس لبناء مجتمع آمنٍ – يغلق فيه التاجر متجره بعد الساعة الثانية عشرة ليلاً ويسير إلي منزله دون خوف من أحد يعترضه أو كما عبّر بذلك السيد وكيل ناظر الرزيقات. وكذلك عبّر الناس عن أشواقهم للعيش المشترك الآمن بين مكونات الولاية الرئيسية (البيقو الرزيقات المعاليا – البرقد) وتلك التي تسكن معها عبر السنين في حواكير وأراضي قد تتبع تأريخياً لقبيلة معينة, فالناس كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلّم, شركاء في ثلاث: الماء والنار والكلأ, أو كما أشار إلي ذلك السيد اللواء معاش موسي جالس ناظر البرقد في كلمته أمام حفل إستقبال السيد الوالي.
علي الرغم من أن السيد وكيل ناظر الرزيقات قد خاطب حفل إستقبال السيد الوالي بوصفه ممثلاً للإدارات الاهلية بولاية شرق دارفور, إلّا أن السيد يوسف علي أبكر عمر البيقاوي, سلطان عموم البيقو بالسودان, قد عبّر للسيد العقيد ركن الطيب أحمد عبدالكريم لدي لقائهما بمنزل السيد الوالي وأثناء حفل الغداء في نفس اليوم, عبّر له عن ترحيبه الحار به وتهنئته علي نيل ثقة السيد رئيس الجمهورية وتولّيِه السلطة بالولاية, كما عبّر له عن شكره الحار لرئاسة الجمهورية لإهتمامها بأوضاع هذه الولاية وتعيين الحاكم الجديد المناسب وعلي وجه السرعة. وعلي صعيد آخر, إلتقي السيد سلطان عموم البيقو والفد المرافق له من العمد والأعيان بالسيد الدكتور عبدالحميد موسي كاشا الوالي السابق وعبّر له عن شكره وتقديره للمساهمات التي قدمّها بالولاية إبّان فترة حكمه القصيرة, وذلك أصالة عن نفسه وتمثيلاً لأبناء إدارة البيقو بشرق دارفور وبجميع ولايات السودان وخارج السودان.
لقد ضرب السيد الدكتور عبدالحميد موسي كاشاً مثلاً رائعاً في نكران الذات والصدق مع النفس وإراحة الضمير عندما قدّم إستقالته من منصب الوالي وهو المنتمي للقبيلة صاحبة الأكثرية العددية, ثم تحامل علي نفسه برغم الظروف المرضية التي تبدو آثارها في نبرة صوته فسافر ضمن وفد استقبال السيد الوالي الجديد وقدّم خطاباً ضافياً أكّد فيه صحة وعافية استقالته المبنية علي الرغبة الشخصية وليس الإملاء من أي أحد. بل أضاف إن تعيين السيد العقيد ركن الطيب أحمد عبدالكريم وهو من ابناء دنقلا إن دلّ فإنّما يدلّ علي قومية الإختيار وتجاوز المحاصصات القبلية ودعا لِأن تتم تولية الولاة في المستقبل علي غير أهلهم وفي غير مناطقهم – وبذلك ينجحون حسب تقديره.
أمّا أهم ما جاء في خطاب السيد الوالي العقيد ركن الطيب أحمد عبدالكريم حسب تقديري هو محاربة الإقصاء ومنع الإستقطاب الحاد بين كيانات ومكوّنات الولاية. فبينما تحاول الكثير من الجهات الإشارة إلي إثنين أو ثلاث من مكونات الولاية بسبب الكثرة العددية أو بروز الاحداث الجسيمة إلي السطح, فيذكرون الرزيقات والمعاليا أو الرزيقات والمعاليا والبرقد ولا يكاد متحدّثهم أو كاتبهم يذكر اسم قبيلة البيقو صاحبة ما يقرب من 85 حاكورة تتمدد تاريخياً بين ولايات شرق دارفور وجنوب دارفور والتي تعاقب علي حكمها ما يربو عن 10 سلاطين آخرهم الحفيد السلطان الحالي الأستاذ يوسف علي أبكر عمر البيقاوي. لقد رحّب السيد الوالي بالسلطان يوسف علي أبكر زعيم البيقو بالسودان مثلما رحّب ببقية زعماء الإدارة الاهلية من مستقبليه. وقد ازال بذلك غبناً كبيراً وظلماً عظيماً ظلّت تمارسه بعض الجهات علي قبيلة البيقو من حيث تدري أو لا تدري من حيث تقصد أو لا تقصد. وبالمناسبة سبق لمجموعة البيقو القبلية أن بسطت نفوذها في المنطقة الممتدة من نيالا بدارفور حتي تخوم كردفان وجنوب السودان وحكمت منطقة ابيي قبل أهلنا المسيرية ودينكا نقوك وبالتالي فإن قبيلة البيقو بشرق دارفور هي شاهد آخر علي أن أبيي سودانية. قبيلة البيقو هي التي ينتمي إليها الأمير المهدوي إبراهيم الخِلَيِّل المعروف الذي قرظ استراتيجيته العسكرية المؤرخ عصمت حسن زلفو في كتابه “كرري” ولا يزال احفاده متواجدون بولاية الخرطوم، وكذلك السلطان أبكر (ناقة) عمر البيقاوي جد السلطان الحالي والذي شهد معركة كرري وعمل مستشاراً للسلطان علي دينار. ومن البيقو الميرم أمبوسة البيقاوية والدة السلطان محمد الفضل (الملقّب بقمر السلاطين وبالعادل) وهو جد السلطان علي دينار ولد زكريا محمد الفضل.
وهو كذلك جد يمّة مقبولة (بنت نورين أو بكر ) بن محمد الفضل وهذه السيدة هي التي تزوج منها الإمام المهدي وانجب منها السيد الإمام عبدالرحمن المهدي والد السيد الصدّيق والد السيّد الصادق الصدّيق عبدالرحمن محمد أحمد المهدي (من جزيرة لبب بدنقلا). وبالتالي فإن علي دينار ويمة مقبولة أبناء عمومة جدهم السلطان محمد الفضل الفوراوي وجدتهم أمّه الميرم اميوسة البيقاوية.
لقد أكّد السيد الوالي أنّ أهدافه محدّدة بفرض هيبة الدولة وبسط الامن في ربوع الولاية ومنع التلاعب بأمن المواطن وإبتدار المصالحات بين الفرقاء ورتق النسيج الإجتماعي وبسط العدل ورفع قيم التسامح والإلتفات إلي التنمية والتعمير لتحقيق الإستقرار وإستدامة السلام. وفي ذات السياق أكّد السيد الوالي أنّ أمن المواطن بالنسبة له ” خط احمر” ولا يهمه في شأن حفظ الأمن لمواطنه – أي جهة ولو كانت مثل الجبل مما يعني أنّه سيراعي حقوق الناس بغض النظر عن أوزان وأحجام قبائلهم وإثنياتهم وهذا هو جوهر العدل في الدين الإسلامي. فعندما سعي الرسول صلي الله عليه وسلّم لدعوة وجهاء وكبراء قريش ولم يهتم لشأن ذلك الكفيف نزلت سورة “عَبَسَ” منبّهة لضرورة الإهتمام بهذا الاعمي الذي ربّما يزكّي او يتذكر فتنفعه الذكري. وكذلك يتسق مع معني قول الرسول صلي الله عليه وسلّم بشأن منع السرقة والنهب والسلب والذي يمارس في بعض طرقات ودروب الولاية قال الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلّم ما معناه ” أن قوماً ظالمين إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ولكنه صلي الله عليه وسلّم (والله لو سرقت فاطمةُ بنتُ محمدٍ لقطع محمدٌ يَدَهَا).
أخيراً المطلوب من رئاسة الجمهورية المهتمّة بملف دارفور وكافة اجهزة الدولة المتابعة له والمطلوب من الصحافة المسئولة التي شكّلت في السنة الفائتة جماعة متطوعة مناصرة لقضايا دارفور والملطوب من المعارضة المسئولة التي تعارض من أجل الوطن والمواطن والمطلوب كذلك من مواطني الولاية بجميع سحناتهم وقبائلهم وإثنياتهم واحزابهم وكياناتهم وتكويناتهم وقطاعاتهم والمطلوب من المجتمع السوداني والمجتمع الإقليمي والعالمي المساعدة من الكل – حسب ادوارهم المنوطة بهم في فرض هيبة الدولة وبسط الأمن وتحقيق التصالحات بين الفرقاء ورتق النسيج الإجتماعي وإسناد التنمية الإقتصادية والإجتماعية والثقافية بولاية شرق دارفور الوليدة.
إعداد: المهندس/ إبراهيم عيسي البيقاوي
[/JUSTIFY]