وإذا فسرنا هذا، فإنما نفسره بأزمة أخلاق وأزمة ضمير، وأزمة الأخلاق وأزمة الضمير ليست قاصرة على اليهود والنصارى إنما المسلمون أنفسهم يعانون منها، لأنهم مسلمون بالوراثة، ولم يبلغوا درجة الإيمان ودرجة الإيمان هي درجة عالية في العقيدة أن تخشى الله في أقوالك وأفعالك، وأن تعامل الناس بخلق حسن واعتقادك جازم بأنه يراقبك في كل مكان وكل زمان والمسلم المؤمن الحق يتذوق مرارة في الأكل الطيب لأنه يستشعر بأن هنالك إخوة له في الإسلام جوعى ومشردون بلا مأوى وإذا لبس الناعم الفاخر أحس حرارة في جسده، لأن هنالك إخوة له في الله حفاة عراة يفترشون الأرض ويلتحفون السماء إنه الإيمان الحق أن تكون في قلبك الرحمة، فلا رحمة بلا إيمان، ولا رحمة بلا أخلاق حسنة، ولهذا مسلمو اليوم هم أولياء الشيطان الذي زين لهم الحياة الدنيا وزخرفها ونعيمها الزائل، فعاشوا الغفلة مثلما يعيشها اليهود والنصارى الذين رموا بالانجيل والتوراة خلف ظهورهم والانجيل والتوراة من كتب الله إلى خلقه لا تقل رسالتها عن القرآن تدعوا للفضيلة وحسن الأخلاق والتعامل الحسن مع الناس، وتدعو للرحمة وليس إلى الهمجية التي يعيشونها اليوم يسفكون الدماء ويقتلون الأبرياء من أجل الحصول على مغانم الدنيا الفانية!!
إنَّه عالم الغفلة والضلالة
ما جرني لهذه المقدمة هو الحرب الدائرة في جنوب السودان الذي يدين معظمه بالمسيحية، المسيحيون يقتلون المسيحيين في حرب قبلية طاحنة تسحق الأبرياء الذين لا ناقة لهم ولا جمل في الأطماع الشخصية للذين يريدون مقاعد الحكم والسلطة والجاه كأنما هم خالدون فيها، وما أعجب له أن أمريكا وحليفاتها يكتفون بالبيانات- يستنكرون تارة وتارة يدعون الوسطاء لإجراءات الصلح والتفاوض وتارة يهددن بمعاقبة من لا يرضخ للصلح والسلام، ومن جهة أخرى يعلنون وقوفهم ومساندتهم لجانب من الجوانب المتحاربة، وكل هذا جعجعة فارغة لأنهم لو أرادوا إسكات المدافع في الجنوب في يوم واحد لفعلوا، ولكنهم يعلمون أن السيد مشار لو انتصر فهو حليفهم، وإسرائيل أيضاً تعلم أن أي قائد جنوبي يقاتل في المعارك الجارية اليوم لو كتب له النصر فإنه حليفهم، ولهذا لزموا الحياد وجلسوا في شرفة المتفرجين ليشهدوا نتجية الصراع، وليس ببعيد أن يمدوا كل الأطراف المتناطحة بالسلاح على طريقة (الحشاش يملأ شبكتو) فإذا خسرت أطراف المعركة فلن تلوم أمريكا ولا حليفاتها وإذا كسبت فنعم أمريكا، ونعم صداقتنا لها!!
هكذا أمريكا وحليفاتها أهل المصالح الضعيفة جداً، فلقد ادعت من قبل أنها دخلت حرب العراق لإبادة اسلحة الدمار الشامل وتحقيق الديمقراطية للشعب العراقي، والحقيقة تقول إنها دخلت العراق لتدمير القوة العسكرية المهددة لدولة إسرائيل، وقد كان لها ما أرادت، اما شعب العراق اليوم فإنه يبحث عن السلام وعن الهدوء والاستقرار وليس الديمقراطية!!
ومن المصالح الضيقة لأمريكا وحليفاتها ولبعض الدول العربية (للاسف) أن يستمر القتال في سوريا التي تعددت فيها الأطراف المتحاربة، فهنالك أنصار العراق والشام وأنصار القاعدة وأنصار حزب الله والجيش الحر والجيش النظامي للأسد كلهم يتقاتلون للوصول للسلطة وأمريكا التي تدعي أنها راعية الأمن والسلام والحكم الديمقراطي في العالم تتفرج وتتفرج من أجل مصلحتها ومصلحتها أن ينقرض أكبر عدد من أعدائها المسلمين إن كان من حزب الله أو القاعدة أو إسلامي دولة الشام والعراق كل ذلك يخفف الثقل على إسرائيل التي لا تريد قوة للعرب لا في القوة البشرية ولا في العتاد الحربي وحرب سوريا هو محرقة المسلمين التي تسر إسرائيل.
وما أسوأ أخلاق عالم اليوم يا ربي!!
إنهم أولياء الشيطان بحق!
صحيفة اليوم التالي
ابو بكر عبد الصادق
ع.ش