أبو الدقيق

[ALIGN=CENTER]أبو الدقيق !![/ALIGN] للتعبير عن ضيق خلق وسرعة غضب أحدهم نقول (أخلاقو في راس نخرتو) ، ونقول عن الذي يكثر من استخدام يديه في الضرب العشوائي (يدو طرشة)، رغم براءة الطرش من فوران دم الزهجانين، و لكن عندما نصف سريع الانفعال والغضب بـ (أبو الدقيق)، نكون قد ظلمنا ذلك الكائن الرقيق الاطْقش، الحائر في هويته .. هل هو فراشة (مخُولقة) أم مجرد أبو الدُنّان (متِْْفورش .. عامل فيها فراشة)؟!
تزدحم عاميتنا باوصاف لطيفة تعبر عن الطباع، حيث نميل نحن النسوة بالذات – لتعريف الرجل السوداني بأنه (زول زهجي)، وان كنا نحاول تلطيف تلك الحقيقة بالباسها لباس الـ (شكر) فنقول أن الرجل السوداني (حمش) و(قلبو حار) و(ما برضى الحقارة) … وغيرها من المحسنات البديعية والاوصاف الكمالية التي نمن بها على حضرة جناب (الزول) ليس من باب الخوف منه، ولكن .. أهو بس نبلبص ليهو ساكت تعبّا للأجر!
استحق (شفيق) لقب (أبو الدقيق) عن جدارة بسبب طبعه الانفعالي الغضوب، فقد انطبقت عليه كل مواصفات الزهج بـ (حزافيرا) .. فهو من ذوي الطبع (الزعول) لدرجة قف تأمل .. قاعد على الهبشة، وعلى كامل الاستعداد لـ يتشاكل مع ضلّو في حالة عدم وجود من يشاكلو .. لذلك كان جميع معارفه يتحاشون التعرض لنوبات زعله الشديد ما استطاعوا لذلك سبيلا، فكم سدد بقبضته الصماء بونيه لفك كمساري مسكين لمجرد أنه قد ماطل شوية في رد الباقي، أما عندما اختلف مع (دفع الله الخضرجي) على حقه الدستوري في (العزّيل) ونسبة السالمة إلى المفجخة في كيلو الطمام الذي اشتراه منه .. تطايرت الطماطمايات حتى لحقت رؤوس نسوة الحي المتكأكات على طاولة الجزارة المجاورة.
رغم صفاته السابقة حاز (شفيق أبو الدقيق) على رضا نسابته الجداد عندما تقدم لخطبة ابنتهم (سماح)، لعلمهم بطيبة القلب وصفاء النية التي تختفي خلف انفعاليته، ومع اقترب موعد الزواج، اتفق مع عروسه على اصطحابها في الامسيات لشراء مستلزمات (الشيلة) من (سعد قشرة) .. ولكن بعد بضعة زيارات ذاع صيته وعمّ السوق، فقد اشتبك مع ثلاثة ارباع اصحاب الدكاكين واربعة اخماس اصحاب الطبالي .. فما أن ينادي عليهم أحد الباعة لمعاينة بضاعته، حتى يندفع إليه (شفيق) قائلا:
يعني أنحنا عمايا ما بنشوف؟ لو عايزين منك حاجة مش كنا جيناك عديل وللا دي حركات صلبطة؟
وسرعان ما تطير الشمطّة حتى يتدخل الحجّازون لفض الاشتباك، لذلك تجنبه أهل السوق بعدا عن شرّه بعقلانية لم تكن من صفات (عبدو الدرويش)، فقد كان مجرد شاب بسيط العقل أو مجذوب يمضى نهاره متنقلا بين دكاكين السوق، يقضى حوائج تجاره مقابل الفيها النصيب من لقمة أو نقود.
بعد غروب الشمس بقليل توقفت سيارة (شفيق) أمام السوق ونزلت منها (سماح) برفقة اثنين من صديقاتها .. تقدمت خطواتهن عبر الممر الرئيسي بينما تأخر (شفيق) لاحكام اغلاق نوافذ وابواب السيارة ثم أسرع ليلحق بهن، وحينها تقدم منهن (عبدو) آملا في نفحة بقشيش .. سار خلفهن وهو يلحف في السؤال دون أن يفهم السبب في تجاهلهن له واسراعهن في المشي حتى أحس بنفسه يطير في الفضاء عاليا ويضرب الدلجة .. في ثواني تجمع المارة وبعد جهد تمكنوا من تخليص عنق (عبدو) من بين يدي (شفيق) وترددت شفاعاتهم (يا زول صلي على النبي .. الزول ده زول الله ساي).
استقام (شفيق) واقفا ونفض يديه من التراب الذي علق بها جراء بركته على الأرض فوق صدر (عبدو)، وقبل أن يبتعد بصحبة رفيقاته المرعوبات التفت فجأة وعاد إلى حيث ترك (عبدو) ملقيا على الأرض .. انحنى عليه مرة أخرى فعاد الحجازون مسرعين ليفرقوا بينهما من جديد .. لكنه اكتفى بنزع طاقيته من بين يدي (عبدو) والذي كان قد تشبث بها قبل أن يسقط .. نفضها بقوة واحكم وضعها على رأسه ثم طقطق رقبته والتفت لرفيقاته وقال في حزم:
أمشن قدامي ما وراكن غير المشاكل !!

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

Exit mobile version