خالد حسن كسلا : فضيحة فكرية في حوار ” أسماء “

[JUSTIFY]وتحدّثنا ابنة محمود محمد طه الأخت «أسماء» عن رؤية حزب أبيها الجريح بإعدامه في الثامن عشر من يناير عام 1985م، وفي هذه الأيام التي تمر فيها ذكرى إقامة الحد عليه التاسعة والعشرون، وتقول ليس مطلقاً أن الرجال أفضل من النساء.. لكنها ـ للأمانة ـ لم تقل «ليس مطلقاً أن الرجال قوامون على النساء». وإن كانت تترجم كلمة القوامة إلى كلمة الأفضلية التي يمكن أن تكون في التقوى والرزق والذكاء والحكمة، فإن الترجمة هنا خاطئة، لكن إذا كانت أفضلية تجعلنا نقول بأن النساء الصحابيات أفضل من المشركات فهذا أمر لا يقوم عليه خلاف، ولذلك لا داع أصلاً للتطرق إليه. ومجرد الإشارة إليه يعني استغلاله في عملية الكسب السياسي والجماهيري. أي أنه أسلوب تضليلي. والمرأة المسلمة باختصار لها ما للرجل وعليها ما عليه، وفي نفس الوقت لها ما ليس له وعليها ما ليس عليه. والأمثلة كثيرة وواضحة في حياة الناس اليومية. وإذا كانت بطريقة غير إسلامية تتحدّث عن مساواة المرأة بالرجل فهذا يعني أن يرفض الرجل دفع المهر لها حينما يريد الزواج منها ويمتنع عن تجهيز «الشيلة» والانفاق عليها وتوفير المسكن. إن ما يفوت على فطنة «أسماء» هو أن هناك عدالة بين الرجل والمرأة في الإسلام لكن المساواة المطلقة تستحيل، ولنرى في أي جانب لا يساوي الإسلام بينهما. أو أن الرجال يرفضون المساواة فيه. هل تستطيع أن تقدم لنا نموذجاً؟!

أما إذا كانت تشير إلى مجتمعات وبيئات بعينها دون أن تسميها تمارس التمييز ضد المرأة بما يخالف الإسلام وتحرمها ما أباحه لها دينها الخاتم، فأولئك لا يمكن أن يحاكم وينتقد أي نظام حاكم أو دين من خلالهم، وإنما المطلوب هو ارشاد اولياء أمورهم، كما كان يفعل «الأخوان المسلمون» في مصر، وهو مما أهلهم لاكتساح الانتخابات هناك بعد شهور من سقوط حكم مبارك الذي كان يدافع عن المرأة العارية. ونفس الشيء هو الذي مما أهل الجبهة الإسلامية القومية عام 1986م لكسب ثلاثة وخمسين مقعداً في البرلمان. ومما أهل الإسلاميين للفوز في تركيا وفلسطين والجزائر وتونس والمغرب، ولو كان إسلاميو السودان تحلوا بالصبر لوصلوا إلى الحكم دون الحاجة لانقلاب 30 يونيو 1989م الذي يصوره الكثير على أنه وصمة عار سياسي في جبين حزب الاسلاميين «الحركة الإسلامية السودانية»، لكنهم تخوفوا من انقلاب آخر، وإذا كان للجمهوريين الذين تحاول أن تتزعمهم الآن ابنة محمود محمد طه «الأخت» أسماء ـ وليتها تفعل حتى تنتقل القيادة من رجل إلى امرأة ـ إذا كان لهم اهتمام حقيقي بالمرأة لفعلوا مثلما فعل الاسلاميون في الدول الإسلامية. وحتى الانظمة الحاكمة لا تستطيع بالقوانين تغيير عادات وتقاليد المجتمعات، بل إن هذا يكون خصماً على استقرارها ووجودها فالأمر يحتاج إلى حكمة وإرشاد، وليس لتسييس.. أو استغلالية.

ويجدر ذكره هنا أن محمود محمد طه الذي أشارت ابنته أسماء إلى إنه أول سجين سياسي وتقصد سجنه أيام الاحتلال البريطاني عام 1946م في رفاعة، فإنه كان قد سجن بسبب تظاهرة قادها على خلفية سجن امرأة تدعى المنين حاكم بسبب قيامها بممارسة الختان الفرعوني الذي كان يمنعه قانون سلطة الاحتلال. وإذا كان ذاك القانون هو الحسنة الوحيدة للبريطانيين، فلماذا الوقوف ضده دون الوقوف ضد قانون المناطق المقفولة الذي قسم السودان إلى مستعمرات صغيرة محتلة رغم أن أبناءه تركتهم المهدية شعباً واحداً من حلفا إلى جنوب السودان ومن كسلا إلى الجنينة؟!

إذن هو أول سجين «شغب»، وليس سجيناً سياسياً. إن السجناء والشهداء السياسيين الحقيقيين الأوائل قبل وبعد الاستقلال أمثال الأمير عثمان دقنة وعلي عبد اللطيف والرشيد الطاهر بكر.

إن الحزب الجمهوري يحمل في أحشائه بذور فنائه المتمثلة في وضع الاعتقاد وطقوس ومفاهيم موازية لاحكام الاسلام. وتقول «أسماء» في الحوار الصحفي بأن «الأمريكيين يفهمون أطروحات أبيها تماماً وعلموا أنها متسامحة عكس «طالبان» والسلفيين والإخوان المسلمين».. انتهى. والسؤال ألا ترى من هذا التفضيل الأمريكي شبهات معينة؟! وهل لو وصل الحزب الجمهوري إلى الحكم سينال رضا واشنطن وتل أبيب لأن اطروحاته هي الأفضل؟!

ولماذا إذن لا يرضى الامريكان واليهود عن اطروحات الخميني وهي اكثر تسامحاً من أطروحات محمود محمد طه؟! ألم يروا ما تتمتع به المرأة الايرانية من قدر من الحريات السياسية والاجتماعية؟!

إن أمريكا تدعم الاحتلال اليهودي ويؤيدها شعبها الذي يدفع الضرائب لدعمه، فما قيمة تمجيدها لأطروحات الحزب الجمهوري؟! هذا هو السؤال. وتقول «أسماء» إن كتب أبيها ممنوع عرضها في المعرض بقرار رسمي، لكن أليس هذا أفضل لسمعة الحزب الجمهوري وسمعة مركزها ـ أي أسماء ـ الجديد الذي يحمل اسم أبيها؟! الناس أصبحت واعية أكثر ليس كما كانوا قبل ثلاثين عاماً. والسترة الفكرية واجبة الآن.

صحيفة الإنتباهة

[/JUSTIFY]
Exit mobile version