فقه الخلاف بين المسلمين 3

فقه الخلاف بين المسلمين 3
ذكرنا في المقال السابق أنّ الخلاف بين المسلمين ينقسم إلى نوعين من الخلاف : إختلاف التنوّع وهو الخلاف المرغوب والمحمود لما فيه من سعة ورحمة بخلق الله ومراعاة للفروق الفردية التي خلق الله البشر عليها .. والنوع الثاني هو إختلاف التضاد ، وهو أن يكون كل قول من أقوال المختلفين يضاد الآخر ويحكم بخطئه أو بطلانه ، وهو أن يكون في الشيء الواحد قول للبعض بحرمته وللبعض بحِلّه ،، وهذا النوع من الخلاف – إختلاف التضاد – ينقسم إلى : إختلاف سائغ مقبول غير مذموم .. وإختلاف غير سائغ مذموم .
* ًالإختلاف السائغ المقبول غير المذموم : هو الإختلاف في الفروع أي في الأمور العلمية لا الإعتقادية ، وهو ما لا يُخالف نصاً من كتاب أو سنة صحيحة أو إجماعا قديماً أو قياساً جلياً ، وهذا سواء أكان في الأمور العملية الإعتقادية أم في الأحكام بين الفقهاء ، ولأجل كثرة المسائل التي ليس عليها دليل قطعي في المسائل العملية ، أطلق الكثير من العلماء أن الخلاف في الفروع هو خلاف سائغ ولا يأثم المخالف فيه ، وهذا مرجعه إلى وجود النص والإجماع والتمكن من معرفته ، فمن كان متمكناً من معرفة الحق فقصّر في ذلك فهو آثم ، سواء أكانت المسألة أصلية أم فرعية ، إعتقادية أم عملية ، وهذا غالب على مسائل الأصول الكبرى ، كالإيمان بالله وأسمائه وصفاته ، وربوبيته ، وإلاهيته ، وملائكته ، ورسله ، والقضاء والقدر ، والوعد والوعيد ، والإيمان والكفر .
وهذا الإختلاف السائغ هو ما لا يخالف النص من الكتاب والسنة أو الإجماع القديم أو القياس الجلي ، ومعنى النص هنا : ما لا يحتمل إلا معنى واحداً لا اجتهاد في فهمه على وجوه متعددة ، وليس مجرد وجود حديث أو أحاديث في الباب ، فقد توجد لكن تكون دلالتها مُحتملة ووجوه الجمع مختلفة ، والتصحيح والتضعيف محل نظر ، فلا يكون في المسألة نص .
أسباب هذا الخلاف السائغ الغير مذموم : – أن الشرع لم يُنصّب دليلاً قاطعاً على كل المسائل ، بل جعل دليل بعضها دليلاً ظنياً يحتاج لبحث واجتهاد ونظر ، يقوم به من حصّل مقومات الإجتهاد والنظر ، وهذا معلوم بالإستقراء لأدلة الشريعة واختلاف العلماء ابتداءاً من عصر الصحابة فمن بعدهم .
– أفهام العباد مختلفة ومتفاوتة ، وهذا ما نطلق عليه في علم النفس – الفروق الفردية – فما يدركه هذا لا يفهمه هذا ، وما يراه الواحد قد يغيب عن الآخرين ، وقد أشار القرآن إلى ذلك بقوله تعالى :[ فَفَهّمْنَاهَا سُلَيْمَانْ ] الأنبياء 79 فخصّ الله سليمان بالفهم وبيّن سبحانه أنه هو الذي فهمه .
– أن قدرة العباد على البحث والإجتهاد مختلفة أيضاً ، فما يقدر عليه البعض يعجز عنه البعض ، وكل مكلف بما يقدر عليه [ لَا يُكَلّفُ اللّهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَهَا ] البقرة 286
اختلاف طريقة العلم والتعليم بين علماء المسلمين في بلادهم المختلفة ، وقد فطر الله العباد على التأثّر بما تعلّموه أولاً ،، ومعرفة هذه الأسباب ضرورية في إدراك – التعامل الصحيح مع هذا الإختلاف .. فإذا علمنا أنّ هذه الأسباب لا يمكن إزالتها ، عرفنا أن الإجتهاد في معرفة الصحيح من مسائل الإختلاف وما يرجحه البعض من أهل العلم فيها بما وصل إلى فهمه من أدلة وبحسب قدرته على النظر والبحث والإجتهاد لن يلغي اجتهاد غيره ، ولن يُخرج المسألة عن كونها من مسائل الإجتهاد ، وبالتالي لا تضيق الصدور بوجود هذا بين أهل العلم خاصة بين أهل السنة وأتباع السلف ، كما يحدث لدى كثير ممن تعوّد السؤال دائماً عن الراجح من الأقوال ، وظن أن كل مسألة فيها قول راجح مُطلقاً ، ولم يتفطن أنه راجح عند فلان ، ومرجوح عند غيره .
ليس معنى أن الخلاف في المسألة خلاف سائغ أنه يجوز لكل واحد أن ينتقي بالتشهي أياً من القولين دون اجتهاد ، فهذا سبيل إلى ااتباع الهوى ومن ثمّ الإنحلال .
عن الإختلاف الغير سائغ والمذموم نتحدث غداً بإذن الله تعالى .
هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email]
Exit mobile version