وكل أمر عن المدينة ليس بمستغرب فقد دعا لها النبي ﷺ بأن يحببها لخلقه …واللهِ إنها لمحبوبة حبا يملك على النفس جوانبها …وذكر ﷺ لها فضائل عديدة ؛ منها أنه محط الإيمان وملاذه الأخير” الإيمان يأزر إليها ” وأنها محفوظة من الطاعون والدجال لأن الملائكة تحرسها ….فطوبى لمن سكنها ، ومن مات فيها فقد ضمن شفاعة المصطفى ﷺ
طيبة الطيبة التي استقبلت خير من مشى على الأرض ….وضمت أطهر أناس لم يعرف التاريخ مثلهم ….وما من مدينة في هذا العالم الفاني تماثلها على الإطلاق ….لانتحدث عن جمال طبيعة ربانية فطرتها يد الخالق ولا عمرانية صنعت بيد البشر ، فما أكثر المدن التي تتمتع بذلك .سنغافورة …سدني…سان باولو….كوالالامبور…ريو دي جانيرو..يوكوهاما …كان …بحيرة كونسا….دبي…اسطنبول ….الطائف …أبها …ملكال التي قال عنها أحد الطيارين الأوربيين إنها أجمل مدينة رآها بالنهار!
لا ليس ذلك ! فالمدينة شيء آخر ، كل شيء فيها ؛ أهلها …جوها … سماؤها …ثراها الطاهر الذي يرقد تحته المصطفى “صلى الله عليه وسلم”….وشيء آخر لا يستطيع البيان له وصفا لكنه يحس متغلغلا في النفس …مضفيا عليها سكينة مفقودة في أي مكان آخر…وسعادة ربما هي شيء من جنة الآخرة!
تجد نفسك كأنما ترتفع عن الأرض وتحلق في أجواء نورانية …وتستنشق عبقا ربانيا ، وتتجاوز حاجزالزمن ، ويتداخل حاضرك بماضٍ بعيد تستدعي فيه سيرة أتقياء أنقياء مشوا على الأرض ، بينهم رجل انتقته الحكمة الإلهية وخلعت عليه صفات الجمال والكمال كما قال الشاعر : وأجملُ منك لم ترَ قطُّ عيني ….وأحسنُ منك لم تلدِ النساءُ !
أيام مضت كنا فيها ننام ونصحو ، نأكل ونشرب ونعيش حياتنا العادية ولكن كأنما ذلك كله وسط حلم زهري …وردي …تجتمع فيه كل ورود الدنيا وتمنحك أريجها العطر وألوانها الزاهية …تحيطك خضرة فريدة يتخللها ماءٌ عذبٌ يترقرق ينساب تحت أرجلك ، فلاتريد أن تصحو ….ولماذا تصحو وأنت في الجنة ؟!
بيد أن داعي الحياة يوقظك منه رغما عنك فتلبي على مضض ، وتفارق البقعة المقدسة وأنت لست أنت بل كائن نظيف خفيف يكاد يطير من فرط خفته …فوداعا يا أميز مدينة في كون الله ، ولا جعله الله آخر العهد بك .
غريب الدارين