الطاهر ساتي: لم تتراءَ لي أنها (مجرد قضية فساد)، بل تعمقت فيها لحد رؤية (إهانة بلد) و(تحقير شعب)

ومن الوقائع المؤلمة، قبل أشهر، استوردت شركة سعودية أدوية غير مطابقة للمواصفات إلى شعب بلدها، ولكن أعادت أجهزة الرقابة السعودية تلك الأدوية إلى مصنعها لعدم المواصفة، وهذا شيء طبيعي في الدول التي أجهزتها الرقابية تحرص على صحة شعبها و(سُمعة وطنها).. ولكن المؤلم، لم تعد تلك الأدوية غير المطابقة للمواصفة إلى مصنعها، بل أبادها أحد وكلاء الأدوية بالسودان.. كيف ولماذا؟- أبادها هذا الوكيل السوداني وهو غير المسؤول عنها؟! أو هكذا سؤال خاطرك.
:: للأسف، أبادها الوكيل السوداني باستيرادها وتوزيعها في صيدليات أهل السودان.. نعم، ذات الأدوية التي تم تحويلها بأمر السلطات السعودية إلى (مكب نفايات)، تم تحويلها بعلم الأجهزة السودانية إلى (مكب نفايات أخرى)، وهو شعبنا وبلدنا، هذا ما حدث بعلم وتواطؤ سلطات السودان الرقابية.. والمدهش للغاية، أن هذا الوكيل الذي يتقاسم معنا حق الانتماء إلى بلدنا وشعبنا لم يُرهق نفسه ولا المصنع حتى بإزالة (الديباجة السعودية) عن الأدوية غير المطابقة للمواصفة، بل وزعها إلى صيدليات بلادنا بـ(ذات الديباجة السعودية)، ولم ترصدها أو تمنع بيعها أية جهة رقابية بالسودان حتى باعها.. بعد البيع، تم تشكيل لجنة تحقيق (قتلت القضية)..!!
:: لو استورد وكيلنا تلك الأدوية غير المطابقة للمواصفة من المصنع مباشرة، ثم وزعها إلى صيدليات بلادنا، لكان الحزن بلا دموع.. ولكن ارتقى الحزن لحد الدموع في ذاك الضحى -وفي حضرة الدكتور ياسر ميرغني، الأمين العام لحماية المستهلك- عندما أشارت وقائع الوثائق إلى رفض السلطات السعودية لهذه الأدوية.. (دمعت) أمام ياسر ميرغني وأوراق القضية، فالقضية -بكل ما فيها من مخالفات قانونية- لم تتراءَ لي أنها (مجرد قضية فساد)، بل تعمقت فيها لحد رؤية (إهانة بلد) و(تحقير شعب).. ليس الوكيل السوداني فقط، بل حتى أجهزة الرقابة بالسودان لم تسأل نفسها: إن كانت سلطات السعودية رفضتها حرصاً على صحة شعبها و(سُمعة بلدها)، فلماذا نقبلها نحن ونلوث بها صحة شعبنا و(سُمعة بلدنا)؟!
:: ناهيكم عن الجانب الصحي وأسئلته، بل لم يطرحوا -وكيلاً كان أو مجلسا رقابياً- ذاك السؤال على أنفسهم.. ولم ينظروا للأمر بمنظار وطني فقط يرفض تحويل بلدنا وشعبنا إلى (آبار إبادة) أو كما فعلت الأجهزة السعودية، بل بكل بساطة ارتضوا أن يكون شعبنا وبلدنا (آبار إبادة)، وهنا كان مكن الوجع.. أما الوجع الأكبر فهو أن سادة السلطات المنوط بها المحاسبة -وزارة كانت أو مجلساً- علموا بتفاصيل الحدث ولم يعملوا عملاً يؤكد حرصهم على (صحة شعبهم) و(سُمعة بلدهم)، بل ما بين لجنة ولجنة أخرى تم وأد الحدث.. و(خلاص إتنسى)، رغم أنف الصحف التي وثقت والرأي العام الذي اصطلى بالقراءة..!!
:: والمهم، بعيداً عن تلك الأدوية وقريباً عن آثارها، (الصحية والوطنية)، ملاحظة أخرى.. صحياً، تقع بلادنا في محيط الإيدز والتهاب الكبد الوبائي وأمراض أخرى تكافحها الدول، وكذلك تحظر حامل فيروسها عن الدخول إليها.. والمواطن السوداني بالمطارات والموانئ الخليجية، قبل إبراز تأشيرة الدخول، مطالب بإبراز كروت (الإيدز و الحمى الصفراء).. والمواطن السوداني أيضاً، بمطار القاهرة وميناء أسوان، قبل إبراز تأشيرة الدخول إلى مصر، مطالب بإبراز كرت الحمى الصفراء.. وهذا ما لا يحدث في مطار الخرطوم، لماذا؟.. كما أهل بلادي يخضعون للكشف الطبي ويحملون شهادات خلوهم من بعض الأمراض في ترحالهم، يجب أن يكون الأجنبي القادم إلى بلادنا أيضاً قد خضع للكشف الطبي بحيث يأتي حاملاً شهادة خلوه من (الإيدز، الحمى الصفراء، التهاب الكبد الوبائي).. وإن كانت هناك أجهزة رقابية حولت بلادنا إلى (سلة أدوية فاسدة)، فليس من العدل أن تحول الأجهزة الأخرى بلادنا إلى (سلة أمراض معدية)..!!
الطاهر ساتي – السوداني
Exit mobile version