خرج سوار من عزلة الصمت التي دخل فيها منذ عودته من طرابلس ومغادرته منصب السفير هناك إذ أعفي من منصبه عقب صدعه برأي جريء بشأن زيارة وزير الخارجية المصري للخرطوم.. ولعل الأمر لا تبدو فيه غرابه أن يجاهر سوار برأيه وهو الذي تتجسد فيه كلمات جبران خليل جبران الذي قال ( لا تختر نصف حل ، ولا تقف في منتصف الحقيقة ، لا تحلم نصف حلم ، ولا تتعلق بنصف أمل، إذا صمت فاصمت حتى النهاية، وإذا تكلمت فتكلم حتى النهاية ، لا تصمت كي تتكلم، ولا تتكلم كي تصمت ) .. وسوار عهدنا به!! (بمعزل عن عملنا الصحفي) لا يستطيع أي شخص مصادرة رأيه وقد قال هذة العبارة في هذا الحوار الذي تناولنا فيه معه كثيراً من القضايا المسكوت عنها!!
ما سبب غيابك عن الساحة منذ عودتك من بطرابلس؟
ـ عدت عقب قرار الوزارة بنقلي إلى رئاسة الوزارة، وذلك في نهاية سبتمبر ووصلت إلى الوزارة في أول أكتوبر، وعلمت من قيادة الوزارة بأنه علي أن أقابل السيد الرئيس أولاً ثم بعدها يكون هناك رأي في وضعي الذي هو مُعلق حتى الآن!!! حيث لا أدري هل مازلت سفيرًا في الخارجية أم غير ذلك.
لكنك غائب عن العمل والساحة كما أعلم، والوزارة خدمة مدنية ووظيفة تقتضي الحضور؟– بالفعل اعتبر نفسي موظفاً في الخدمة المدنية في وزارة الخارجية.. وظللت بعيداً عن الإعلام في الفترة الماضية واعتقد أن الظهور في الإعلام من غير مبرر لا تسنده حقيقة.. وقوانين الخدمة المدنية تمنع قيادات الخدمة المدنية في الدرجات العليا من ممارسة العمل السياسي، ولذلك لم أظهر في العمل السياسي إلا إذا انقضت مدتي مع الخارجية حينها سيكون لكل حدث حديث.
الموقف الدبلوماسي بشأنك فيه كثير من الضبابية؟
– هذا السؤال يوجه لقيادة وزارة الخارجية، هي صاحبة القرار.
المعادلة تدخل فيها القيادة السياسية فالرئيس هو الذي عينك سفيراً؟
– لكن الترتيبات مع وزارة الخارجية تتم مع رئاسة الجمهورية.
لكن من خلال متابعة الأحداث، ومنذ قرار إعفائك من منصبك بليبيا، وضح أن وزير الخارجية علي كرتي غير راغب فيك؟
– وهذا ما التمسته خلال الفترة الماضية أن وزير الخارجية غير راغب في خدماتي.
كيف توصلت لهذه القناعة؟– عدد من السفراء الذين عادوا من الخارج عقب انقضاء مهماتهم تم توزيعهم في إدارات مختلفة في الوزارة، عدا شخصي ، كما لم يُطلب مني حتى الحضور للوزارة!! وهذا يؤكد أن الوزارة باتت زاهدة في أن أكون جزءاً منها.
هل ما بينك وكرتي وأسامه عبد الله، وآخرين يأتي في سياق مايشاع حول وجود صراع (أنداد) داخل الوطني؟– بالعكس لا أرى أي بعد شخصي في هذه القضية، فقضيتي مع وزارة الخارجية معروفة.. صحيح لم تُذكر كلها وقد ذكر منها جزء قليل وهي أنني أبديت رأيي في قضية محددة مرتبطة بالسياسة الخارجية ولديها أبعاد متعددة، وهذا حق يعطيني له قانون السلك الدبلوماسي ويعطيني له انتمائي في المؤسسة في بلورة سياسة الخارجية، وقيادة الوزارة رأت غير موقفي وليس بيني والوزير قضية شخصية ولا بيني ومن ذكرتهم بل بالعكس هناك علاقات ممتدة والأخ أسامه أخ عزيز عملنا سوياً في الجامعة وخارجها وفي مؤسسات الطلاب والشباب وخلفته في أمانة الشباب وليس هنالك أي مسافات وما يثار ليس في مكانة وغير صحيح.
هناك دبلوماسيون اعتبروا رأيك في زيارة وزير الخارجية المصري للخرطوم خروجاً عن العرف الدبلوماسي؟– احترم وجهة نظرهم واحترم الدبلوماسيين الذين سبقوني والذين زاملتهم في الخارجية، ولكن لا اعتقد أنني سفير عادي أنا سفير سياسي جئت إلى الخارجية من الحقل السياسي وذهبت إلى دولة طبيعة العمل فيها سياسي.. والدبلوماسية ليست مجرد علاقات وبروتوكولات و«استقبالات» وإنما هي خوض في غمار السياسة وبحث عميق في مجال المصالح وهنالك نقاش مستمر هل الدبلوماسية فقط هي مصالح، أم مبادئ ومصالح.. وأنا حاولت أن أجمع بين الاثنين، هنالك مبادئ، ويجب أن نراعي مصالحنا بما لا يتعارض مع مبادئنا في علاقاتنا الخارجية.. ولم أنشر رأيي في وسائل الإعلام ولا في الشبكة العنكبوتية بدليل أن الناس حتى الآن لا يعلمون فحوى الرسالة التي بعثتها، وهي رسالة كتبتها بصفتي الشخصية وبذات الصفة للوزير، والطبيعي أن تناقش ذلك الرأي وتقارع الحجة بالحجة، ومؤكد أنني ملتزم بالسياسة الخارجية للبلاد ولكن هذا لا يمنعني من إبداء الرأي في القضية أو غيرها. ماذا كتبت لكرتي بالضبط؟
– مازلت امتنع عن كشف فحوى الرسالة كونها خاصة ومرتبطة بسياسة البلاد، واعتقد ليست هذه السابقة الأولى حسب معلوماتي، وفي هذه القضية تحديداً لم أكن السفير الوحيد وأعرف أربعة سفراء أبدوا رأيهم في هذه القضية بعضهم شفاهة ولا أدري هل بعضهم كتبه.
أربعة سفراء احتجوا على زيارة الوزير المصري للخرطوم؟أنا لا أقول احتجاج، ولكن أبدوا رأيهم في هذا الموضوع.
ولماذا تم التصعيد معك شخصياً حتى وصل الأمر قمته باعفائك؟– تفاجأت بقرار نقلي من الصحف والذي نشر في ثماني صحف، وقرار النقل كتب في 4 سبتمبر ونشر يوم «8» ووصلتني برقية النقل مساء يوم «9»، والمتبع في هذا استدعاء السفير إلى رئاسة الوزارة أو يبلغ من الوزير وهذا لم يتبع، وحتى هذه اللحظة لم أبلغ لا من الوزير ولا من قيادة الوزارة. ألم تشعر أن المسألة انطوت على كيد سياسي؟
– لا اعتقد ذلك، ولكن فيها شيء من التعسف وربما محاولة إلحاق بعض الإهانة بشخصي بهذه الطريقة.
هل يمكن أن يكون وراء ذلك الموقف جهات خارج أسوار الوزارة؟
– المبادرة جاءت من قيادة الوزارة بأن يتم نقلي أو إعفائي أو كذا.
قد تعتبر محاصرة لك وكانت بداية ذلك السيناريو بإبعادك ليس من الساحة بل من السودان؟– لا يستطيع أي شخص أن يحاصر رأيي أو حريتي في إبداء الرأي، وفي كثير من القضايا والموضوعات ظللت اتمتع بالاستقلالية.. ولا اعتقد أن ذهابي لليبيا كان نفياً أو إبعاداً، ولكن كان تقديراً من قيادة الدولة أن هناك عملاً إستراتيجياً كان يجب أن يتم وقدرت إمكانية قيامي بذلك العمل ولذلك تم إبلاغي من الرئيس شخصياً وليس وزارة الخارجية.
لكن قبلها خرجت من الوزارة والحزب مما خلف ذلك علامات استفهام؟
– اعتقد أن أي شخص له فترة زمنية محددة وأنا لم أبحث عن التكليف في أي موقع من المواقع التي ذكرتها، و كان تكليفاً من قيادة الحزب والدولة، والتي ربما جاءت وقدرت أنني لا أصلح في الوزارة وقيادة الحزب.. وهذا لا ينقص في حقي شيئاً ولا يجعلني ابتعد عن الحزب وانتمائي له، وساظل وفياً له وحيث كلفت سأعمل.
كأنك تغازل حزبك؟– في الوقت الراهن أحبذ أن أكون بعيداً عن المواقع، وقررت أن اعتذر عن أي تكليف وأن أكون موجوداً ونشطاً في كل الساحات إن شاء الله وهذا ربما يعطيني مساحة أكثر في إبداء الرأي وفي تقديم ما يفيد وما يصلح. كثيرون يتهامسون أنه كانت لك مواقف في مواجهة د.نافع مما اعتبرها البعض بداية النهاية لمستقبلك السياسي؟
– لا اعتقد أن د.نافع أو غيره في القيادة يضيقون بالرأي كما يثار.
لكن كانت هناك حادثة شهيرة..
– مقاطعاً .. وهذة آراء شخصية قديمة طرحتها في المؤتمر العام السابق وكانت في قضية محددة في الرؤية السياسية للواقع، ولا اعتقد انها سبب فيما أشرت إليه.. واعتقد أن الأصل أن أي شخص يسهم في الشأن العام بما يتيح له الموقع الذي يشغله.. وأنا أقدم رأيي وأدافع عنه وأسانده بكل الحجج المنطقية في كل قضية اقتنع بها.
كسبك في الحركة الإسلامية والوطني وطوافك كل الولايات إبان الانتخابات وفي نهاية المطاف سفارة وأعفيت منها؟– في التاريخ الإسلامي خالد بن الوليد رضي الله عنه خاض معارك كثيره ولكنه عزل وهو على أعتاب معركة، وذلك لم ينقص من قدره واعتقد ماتحقق ليس كسباً شخصياً وإنما كسب مؤسسة أعمل فيها – قيادة الحزب – ونشاطي الذي قمت به إبان الانتخابات لم أكن أانتظر من ورائه مقابلاً.
هل حدثتك نفسك أن آراءك وحديثك المبكر عن الإصلاح جر عليك مشاكل؟– المؤتمر الوطني منذ نشأته يبحث عن الإصلاح وهو ليس وظيفة مؤقته أو برنامج يطرح في مرحلة ويترك. الإصلاح وظيفة مستمرة وهو وظيفة الأنبياء الذين نزلت الآيات على لسانهم «إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت»، والحركات الإسلامية هي امتداد لرسالة المصلحين وإذا كان المؤتمر الوطني يتبني فكراً ومنهجاً إسلامياً فهو من هذا الباب يدعو للإصلاح، وهذا ما رأيناه في مراحل كثيرة وأنا لم أكن أسوق حديثاً بعيداً من الحزب وأطروحاته وبرامجه في جانب الإصلاح وغيره، وفخور بأنني كنت من دعاة التغيير وإتاحة الفرصة للشباب ليتسنموا مواقع قيادية على مستوى مؤسسات الدولة والحزب حتى أنني خشيت في مرحلة من المراحل أن يفهم أنني أعني نفسي بهذا، ولذلك أنا الآن سعيد جداً، أرى مجموعة من الشباب زاملتهم في عدد من المؤسسات أو عملوا معي تحت إمرتي على مستوى قيادة مؤسسات الدولة والحزب.
ربما كان ذلك رسالة موجهة لك بتقديم من عملوا تحت إمرتك وعرقلة تقدمك؟
– القضية عندي ليست قضية تقديم أو تأخير، بالعكس كل الذين يعرفون قناعاتي يعلمون أن لدي نظرية خاصة اعتقد عندما يتجاوز المرء سن الشباب- وأنا تجاوزتها- ونظريتي أثبتها علم الإدارة الحديثة، أن الشخص عندما يتجاوز الأربعين يصبح أكثر ميلاً إلى المحافظة ولذلك وجود الشباب من هم دون الأربعين يمكن أن يصنعوا تغييراً جذرياً نحو الأفضل وأنا على قناعة بأنني يمكن أن أكون مفيداً في فضاء الحرية بعيداً عن المواقع.
صحيفة آخر لحظة
حوار : أسامة عبد الماجد
ت.إ[/JUSTIFY]