إسحق أحمد فضل الله : لا شيء يخرج الأشياء عن طبيعتها مثلما يفعل الفساد

[JUSTIFY]فصيح الأربعينيات في مصر كان هو الشاعر (بيرم التونسي).. بلغته المسعورة.
> والقصيدة الأشهر عنده كانت هي
: «الأولى آهـ.. والثانية آهـ .. والثالثة آهـ»..
> والناس الموجوعة يستمعون لأنهم موجوعون يبحثون عمن يقول .. آهـ
> والقصيدة الأشهر عنده كانت عن أحد أثرياء الفساد.. وفي القصيدة يقول (بيرم)
: «أبدأ كلامي بالصلاة على النبي ..
.. نبي عربي
يلعن أبوك يا بخيت»..
>.. وبخيت هو اسم الثري المفسد.. والألم عند الناس يبلغ يومئذٍ درجة تجعل لغة مخاطبة الفساد هي هذه.. فقط.
> والقصيدة الأشهر عند بيرم التونسي أيام المواجع كان اسمها (المجلس البلدي).
>.. والفساد (القانوني) الذي كان يعضه هو أن المجلس يبيع الضرائب (مقاولة) لإحدى الشركات.. والشركة تفعل بالناس الأفاعيل للحصول على الأرباح
> وبيرم يكتب
: «يا بائع الفجل بالمليم واحدة..
كم للعيال.. وكم للمجلس البلدي؟
> ويقول فيها
: حتى الرغيف إذا ما جئت آكله
> فالنصف لي ونصفه للمجلس البلدي
> .. كأن أمي = بلَّ الله تربتها = أوصت فقالت.. أخوك المجلس البلدي
>..
> أخشى الزواج لخوفي أن يسابقني
«إلى عروس المجلس البلدي
> وأخاف أن وهب الرحمن لي ولداً
> أن يدعيه المجلس البلدي».
>..

(2)

> وأخبار أمس تقول إن أزمة الخبز والبنزين مصنوعة.
> والناس يرخون آذانهم ليسمعوا أن الدولة قرشت حلقوم واحد من المفسدين.
>.. ولا يسمعون
> والناس عندها لا يبقى لهم إلا أن يبدأوا حديثهم بالصلاة على النبي.. نبي عربي..

(3)

> وفي مصر يستعيد الناس الآن قصيدة بيرم هذه.. ومذيعة تلفزيون الشهر الأسبق تستضيف شيخاً أزهرياً.. وتسأله عن خبر تحمله صحيفة في يدها
> وفي الخبر.. الأزهر يفتي بأنه = وللخروج من حرمة الخلوة بالأجنبي.. يفتي زوجات أثرياء المجتمع ممن يستخدمن أجانب في البيوت.. بأن (يرضعن) الأجانب هؤلاء.
> والشيخ الأزهري الذي يكاد يرقص يفتي المذيعة بصحة الفتوى هذه.
>.. والمشاهدون يعرفون من أين تنبت رشاشات المجاهدين.
> الأمر يتخطى قصائد بيرم إلى شيء آخر.
> وشُح البنزين والرغيف.. ثم لا أصبع يخنق حلقوم الفساد .. أمر يرسمه خبر صغير.
> وكسلا الشهر الأسبق توقف ما يقارب ألفي عربة تعمل لصالح أبناء دولة مجاورة.
> وتوقف تهريب النفط والدقيق و..
> وبعضهم يتجارى.. والحظر يطلق.
> بعدها بقليل كانت الصفوف تمتد.
> ثم لا أحد يقول شيئاً.
> والناس يبدأون حديثهم مع بيرم بالصلاة على النبي.. نبي عربي.

(4)

> وهدم الدولة والمجتمع شيء من يصنعه ليس هو التمرد المسلح.
> هدم الدولة ما يصنعه هو حكايات مثل
>.. امرأة .. مديرة مؤسسة ناجحة جداً.. وشديدة الثراء .. ولامعة.. وشهيرة.. و..
> المديرة أخيراً وبعد سكوت طويل تلقي بالأوراق في الهواء.. والأوراق تتقلب على أمواج صرختها
: خذوا كل شيء النجاح والثروة .. والشهرة.. واعطوني زوجاً .. وطفلاً يبول في حجري
> وثري يوقف سيارته لينظر إلى عمال يتناولون الإفطار تحت عمارة.
> ويقول
: خذوا ثروتي.. واعطوني شهية.. ومعدة مثل هذه
> ونازح في سوريا يقول
: اقطعوا يدي ورجلىَّ واعطوني بيتي القذر وجيراني السيئين.
> هدم المجتمع الذي لا تعرفه الدولة هو خروج الأشياء عن طبيعتها (لا زواج .. لا أرض.. لا استقرار.. لا عافية).
> ولا شيء يخرج الأشياء عن طبيعتها مثلما يفعل الفساد
> خصوصاً.. فساد المال من هنا.. وفساد القضاء من هنا.
>.. الناس مازالوا ينتظرون أن تعلن الدولة حزمة من المحاكمات.
> والبديل إن لم تقم المحاكمات .. هو.. بداية الكلام بالصلاة على النبي .. نبي عربي.

صحيفة الإنتباهة
ع.ش

[/JUSTIFY]
Exit mobile version