بكل هذا الزخم فى صناعة السكر والمعروف للدانى والقاصى كيف أمكن ادخال فكرة بيعه فى اذهان متخذى القرار؟!
واضح ان تمرير قرار مثل هذا يتطلب خطة تحضير واسعة ومن هنا بدأ نسج خيوط مؤامرة البيع..
للتنفيذ كان لابد ان يتقدم المحرّض والحريص على بيع هذه الصناعة الوطنية الرائدة الصفوف .. الطريق السـهل خـاصة إذ كنت فى موقع مسئولية هو تشويه صورة القطاع فى دوائر اتخاذ القرار وتبخيس انجازاته لقلب الصورة الحقيقية للصناعة؟! وهذا ما فعله عبد الحليم المتعافى إذ سخر كل جهده فى حملة مسمومة ضد كل قطاع السكر الوطنى واتخذ نفسه خصماً وحكماً…
ما قدم تقرير أداء لوزارة الصناعة أو اى موضوع يخص السكر او غير السكر إلا وكان النشاز الوحيد هو صوت عبد الحليم المتعافى مبخساً وحاثاً على فكرة البيع لادخال مستثمرين بدعوى تطوير الصناعة.
الهدف بالطبع سليم ولكن إن صفت النية فلماذا لا يتم ذلك بجهد وطنى ولماذا الاجنبى هو طوق النجاة؟!!
واذا كان القصد الاصلاح لماذا لا يقدم مقترحاته لوزارة الصناعة المعنية بقطاع السكر الوطنى ولماذا ظل فى موقعه يطارد فى قطاع السكر بحملته المسمومة بينما الزراعة فى عهده أصبح السودان يستورد الدخن من الهند ووصلت الزراعة لمرحلة كارثية؟! حملة مثل هذه تتطلب حلفاء وافواه تتحدث كذلك عن البيع وتكرير الادعاءات والتشويه للقطاع ودوره الرائد حتى يبدو ان هذا المطلب رأى عام لذلك دخل فى الجوقة مجلس الاستثمار وقتها ولجنة التصرف فى مرافق القطاع العام وغيرهم كثر؟!! ظل النقد الأجوف لقطاع السكر هوس لدى الرجل سواء كان فى مجلس عام أو خاص او اللقاءات المبرمجة مع دوائر يعرف تأثيراتها؟!
أيضاً لابد له من استصحاب الاعلام ولابأس من حملة لقاءات مع العديد من الكتاب حول مواضيع تبدأ بالزراعة وتنتهى بالسكر فى محاولة لتسويق افكاره … لكن ذلك لم يفوت على فطنة العديد من الكتاب واكتفوا بالسماع؟!
هذه الحملة لم تقتصر على مصانع السكر الحكومية بل كنانة ورغم انها شركة خاصة وانجازاتها بشهادة الشركاء الأجانب فيها انها من أعظم إستثماراتهم إلا أنها لم تسلم من حملات التشويه المستمر والذى دفع احد الكتاب المشهورين بعد لقائه مع المتعافى ان يصف موقفه ضد كنانة ان فيه «كثير من التحامل»؟!!
هذه الحملة كانت تصطدم فى معظم الاوقات خلال الاعوام الماضية بمن كان وزيراً للصناعة ومدى قوته فى وقف هذه الحملة؟!
للحق رجل مثل د. عوض الجاز عندما كان وزيرا للصناعة وقف موقفاً حازماً وتصدى بحزم ضد حملات تشويه القطاع بل وتحدى ان هذا القطاع قادرا على تطوير نفسه بنفسه فقط ان يرفع الأوصياء يدهم عنه؟!
شاءت الأقدار ان يذهب فى تعديل وزارى د. الجاز الى النفط فانفتح الباب أخيراً للمتعافى واصبح هو ووزير الصناعة ومعهم وزير المالية اللجنة الرسمية لبيع مصانع السكر الاربعة وكذلك بيع اسهم الحكومة فى كنانة؟!!
استمر خلال الفترة الطرق المستمر على أهمية بيع المصانع بهدف التحديث ورفع الطاقات وأهمية ادخال مستثمرين أجانب لأن الرأى العام بالطبع لن يسكت على بيع مصانع السكر لكن تزامن خلال تلك الفترة ان كانت كنانة تعد لإفتتاح مشروع سكر النيل الأبيض؟!!
بغض النظر عن المشروع وحجمه إلا ان دلالة الانموذج خطيرة جداً لهزم فكرة بيع المصانع وذلك لأن أحد مصانع السكر المستهدفة بالبيع تمكنت من استقطاب شركاء وتمويل لبناء اكبر مصنع سكر فى العالم أى ان صناعة السكر قادرة على إحداث التوسع ذاتياً وهذا بالطبع يهزم خطة البيع؟
لذلك وعندما تأخر افتتاح المشروع بسبب برنامج تشغيل الطواحين بسبب المقاطعة الامريكية تم استغلال الفرصة وشن حملة شعواء على المشروع وبالطبع المستهدف كنانة «الشريك الأكبر ومهندس ومدير المشروع» وفى خلال يومين من اعلان التأجيل تم ادارة حملة منظمة ضد مشروع سكر النيل الابيض بهدف تشويه الانجاز وتبخيسه وتشويه صورة القائمين عليه!!
الكثير فاتهم ربط الأحداث ولماذا يهاجم مشروع تنموى بهذا الحجم وقبل ان يبدأ ودون ذنب جناه خاصة وان المساهمين فى المشروع على قناعة ورضى تام بما تم ولكن السؤال الذى كان مفترض ان يسأل من هم غير الراضين على قيام مشروع بايادى وخبرات سودانية؟!!
الموضوع للمتبصر واضح لأن مشروع سكر النيل الابيض يمثل انموذجاً يجب ان لا يبرز لان المطروح هو بيع القطاع لانه غير قادر ومتقادم ولا يحقق أرباح ويجب بيعه للأجنبى؟!
إن تداعيات الأحداث التى أعقبت تأجيل إفتتاح مشروع سكر النيل الابيض مخجلة وتكالب البعض على قتل المشروع بجهل انقياداً لحملة يجهلون مراميها وكانت عملاً محبطاً لكن يمكرون والله خير الماكرين!!
بعد التشويش على مشروع سكر النيل الابيض تواصل العمل بقوة لتنفيذ خطة البيع خاصة وان المشترى جاهز والجو مهيا؟!!
تنفيذ خطة البيع:
تزامناً مع تهيئة الأجواء على مستوى متخذى القرار لموضوع بيع مصانع السكر الحكومية ونصيب الحكومة فى كنانة برزت على مسرح الاحداث شركة سيفتال الجزائرية..
سيفتال شركة جزائرية تمتلكها عائلة ربراب ومؤسسها السيد أسعد ربراب وجل مجلس ادارتها من العائلة ومعظم عملها فى الحديد والزجاج ودخلت فى العام 2000 فى جانب الغذاء وعلاقتها بالسكر انها أنشأت مصفاة للسكر فى الجزائر حيث تستورد السكر الخام من البرازيل وتقوم بالتكرير فى الجزائر.
شركة سيفتال لا خبرة لها أو دراية بزراعة وانتاج القصب عماد صناعة السكر ولا اعتقد انهم شافوا قصبة من قبل وحتى تجربتها فى التكرير لا تتعدى أعوام ولذلك من ناحية التقييم فى جانب توفير قيمة مضافة للصناعة تقريباً معدوم وهى لا تمثل سوى تلميذ مقارنة مع خبرات صناعة السكر الوطنية (يعنى تكرار لمسرحية عارف مع سودانير)..؟!
أما اذا كانت قيمتهم المضافة فى المال والتمويل فسنرى ذلك لاحقاً فى عرضهم المقدم لشراء مصانع السكر الحكومية الأربعة؟!
شركة سيفتال ومنذ حضورها السودان قبل عامين تقريباً سلكت درب السياسيين بحسبانهم الاسرع لتحقيق أهدافها وفرصة ذهبية لها إذا كان مسئولى البلد راغبين فى بيع أصولهم بسعر بخس فلماذا لا تنتهز الفرصة وتحقق أرباح طائلة من قطاع مميز زراعة وصناعة وسوقاً رائجة داخلياً وخارجياً «سوق الاتحاد الاروبى تفضيلى للمنتجات السودانية المنشأ»؟!!
عبد الحليم المتعافى تكليفاً ام تبرعاً أصبح الراعى الرسمى لشركة سيفتال فى السودان ويتولى مكتبه تحديد المواعيد للسيد/ ربراب أو مديره المكلف بالملف «آدم» سواء كان فى الصناعة أو المالية أو الاستثمار أو لجنة التصرف فى مرافق القطاع العام أو هيئة الموانئ البحرية أو؟ أو؟ أو؟…
شركة سيفتال وقبل أن تسجل حتى اسم عمل فى السودان فتحت لها الأبواب ليس فقط لشراء مصانع السكر بل طلب منها مزاحمة لمشروعات كنانة فى البحر الأحمر والتقديم أيضاً لعمل مصفاة سكر ومجمع زيوت ومحطة صادرات؟
التوجيهات التى تسبق سيفتال فى كل مكان ان توجيهات وزارية قد صدرت بتخطى الروتين معها «طبعاً المقصود الإجراءات الصحيحة» وإعطاءها ما لم يعطى لمستثمر من قبل من الإمتيازات … لماذا؟
لا يوجد شئ واضح فقط تعليمات وتخويف؟
أيضاً لمعرفة أكبر لسيفتال وقوتها لابأس من زيارات مرتبة للجزائر شملت مسئولين فى هيئة الموانئ البحرية والشركة العربية للزيوت «موضوع الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعى دا قصة براها» ولازالت الزيارات تتوالى حتى اليوم؟!!
ليس هذا فحسب بل المتعافى وفى زيارة رسمية للبرازيل أضاف لوفد السودان مسئول سيفتال «آدم» كجزء من الوفد وذلك حتى تستفيد سيفتال الجزائرية من التمويل البرازيلى للسودان «يا للعجب»؟!
بالعودة لموضوع مصانع السكر الحكومية فتح الباب واسعاً لشركة سيفتال لأكثر من سبع أشهر بعمل تمحيص وتقييم للمصانع الأربعة فى زيارات مكوكية ووفود تطلع وتنزل وأصبح بالتأكيد لهم بعد هذا معلومات وافية عن هذه المصانع زراعة وصناعة وأصول وممتلكات ولعلهم كانوا يتهامسون ماذا دهى هؤلاء القوم لبيع هذه الأصول؟!!
الواضح من تداعيات الأحداث ان سيفتال دخلت فى تفاوض مباشر لشراء المصانع الأربعة وقدم عرض وصل مراحل متقدمة من الاتفاق وكانت شركة سيفتال غاية فى الاطمئنان انها ستكمل الشراء وفق رؤيتها مما حدا بمديرها التجارى سام دارويش ان يعلن فى مؤتمر كنجزمان الدولى التاسع للسكر فى دبى فى 2 ـ 5 فبراير 2013 ان سيفتال توصلت لاتفاق مع مسئولين سودانيين لشراء اسهم الحكومة فى كل مصانع السكر العاملة فى السودان؟!!
اعلان بهذه القوة فى سوق السكر العالمى ما كان ليصدر لولا ان سيفتال قد «كربّت» أمورها فى صفقة الشراء هذه؟!!
فشل خطة البيع وقصة العطاء:
تسرب خبر البيع داخلياً أثار موجة عارمة من الاحتجاجات من النقابات فى مصانع السكر وكذلك فى لجنة الصناعة فى المجلس الوطنى حيث طرأت اسئلة كثيرة هى طريقة البيع والاجراءات التى اتبعت وكيف تم اختيار سيفتال فقط؟؟؟..
أمام هذه التطورات الجديدة كان لابد من آلية مقنعة ويبدو ان توجيهات قد صدرت بطرح الموضوع فى عطاء عالمى وان الموضوع ليس بيع «سيفتال قالت بيع» بل مشاركة لشريك أجنبى بنسبة 70% و30% للحكومة؟!
على كل حال لإرساء مبدأ الشفافية تم «كلفتت» عطاء لاستخصاص عن طريق المشاركة لمصانع شركة السكر السودانية..
كراسة العطاء لا تحتوى على أية معلومات ذات قيمة كبيرة مما يتطلب من الراغب فى المشاركة عمل تمحيص خاص به للوصول للقيمة العادلة.
تاريخ صدور العطاء كان فى يوم 8 أبريل 2013 وحدد يوم 10 يونيو 2013 كآخر موعد لقفل العطاء..؟!
يعنى اللجنة الفنية للتصرف فى مرافق القطاع العام اعطت فترة شهرين فقط للجهات الراغبة لشراء مصانع السكر الحكومية الأربعة … لتقديم عروضها؟
نطاق العطاء شمل الاصول الثابتة والمنقولة والمتحركات والآليات والمعدات والأثاثات التابعة للمصانع الحكومية الاربعة وكذلك كل الأنشطة التى تمارسها شركة السكر السودانية.
فى يوم 22 مايو 2013 اى قبل نحو اسبوعين من تاريخ قفل العطاء تم اضافة اصول جديدة للبيع شملت مبنى رئاسة شركة السكر السودانية فى شارع الجامعة ومركز تدريب العاملين فى مصنع سنار والمسبك المركزى ومركز بحوث القصب فى مصنع الجنيد ووحدة تصدير المولاص فى بورتسودان..؟
بديهى لو كنت ترغب فى شراء اطارات مستعملة ففترة شهرين غير كافية ناهيك عن عدد أربعة مصانع سكر بحالها؟!
العطاء عند طرحه أثار اهتمام شركات عالمية مثل شركة ايلوفو أكبر شركة فى جنوب أفريقيا (تمتلك 50% منها شركة السكر البريطانية) ولها باع كبير فى زراعة القصب وتصنيع المعدات ولها مصانع للسكر فى جنوب أفريقيا وتنزانيا وزامبيا وموزمبيق.
شركة ايلوفو ارسلت وفداً فنياً من خبراء فى الزراعة والمصنع والأبحاث والمالية ونفذوا برنامج زاروا فيه مصانع السكر الأربعة واعدوا تقريراً أولياً لكنهم أوضحوا ان فترة شهرين غير كافية على الاطلاق لعمل تمحيص وتقييم متكامل لكل مصانع السكر الاربعة والاصول الجديدة التى تم اضافتها لاحقاً؟!
ان عمل مثل هذا لا يمكن اتمامه بالشكل الصحيح الا فى فترة خمس أشهر وانهم على استعداد لبذل جهد اضافى للفراغ منه فى ثلاث أشهر؟!!
تم مخاطبة اللجنة الفنية للتصرف فى مرافق القطاع العام بمد فترة قفل العطاء لتكون فى 10 يوليو 2013.
ماذا كان رد اللجنة وامامها مشترى بمثل هذا الحجم؟!! رفضت مد فترة العطاء وتمسكت بموعدها المحدد فى 10 يونيو وبالتالى وجدت ايلوفو نفسها غير قادرة على اكمال العمل فى الفترة المقررة ولم تشارك فى العطاء.
الأمر لا يحتاج لعبقرية لمعرفة ان هذا العطاء مصادفة تهندس ليناسب سيفتال فقط لانها ولفترة تسع اشهر قامت بعمل التقييم والتمحيص اللازم فى المصانع الأربعة ولذلك فترة الشهرين المعلنة لا تمثل مشكلة لهم بل مشكلة لمن يأتى لمنافستهم وبالتالى لهم الافضلية..
بالفعل عند فتح العطاء فى التاريخ المضروب وجد عرض واحد مقدم من شركة سيفتال؟!!
قانوناً واجراءاً يكون العطاء ملغى وينبغى اعادته مرة ثانية لان عرض واحد غير كافٍ للتقييم..
اللجنة الفنية للتصرف فى مرافق القطاع العام لم تلتزم بالاجراء بل طلبت من لجنة فتح العطاء للدخول فى تفاوض مع سيفتال؟!!
بعض أعضاء اللجنة رفضوا واستقالوا لأن الإجراء غير صحيح ولهم كل الحق اذا عرفتم عرض سيفتال؟
شركة السكر السودانية عملت تقييم للمصانع الأربعة بواسطة لجنة خبراء من جامعة الخرطوم وتوصلت ان القيمة العادلة للمصانع الأربعة وبقية الاصول تبلغ 1.2 بليون دولار.
ماذا كان عرض سيفتال؟
سيفتال قدمت عرض غير مكتمل ومهين للغاية وحتى فى التفاوض بدوا وكأنهم فى موقف القوة؟!
سيفتال سادتى قدمت لشراء مصانع السكر الاربعة وأصولها المذكورة ان تدفع نقداً مرة واحدة فقط عشرة مليون دولار وانها ستقوم بسداد مستقبلى من أرباح شركة السكر السودانية .. «يعنى من دقنو فتّلو».
سيفتال هذه لا خبرة ولا دارية لها بانتاج القصب وتلميذ فى تكرير السكر وليس صناعته وقلنا خير امكن عندها قروش وتمويل لكن الواضح انها أدركت انها عثرت على كنز لان هذه المصانع قادرة على توليد أرباح وبما انها تتمتع برعاية سياسية يمكنها عبره رمى أية مبلغ والاستحواذ على هذه المصانع.
بالطبع ما كان لأحد أن يقبل هذا العرض المهين ووقف رجال فى شركة السكر السودانية مواقف مشرفة رغم سيل الضغوط الذى لم يتوقف..
الى هنا إنتهى الفصل الاول من قصة البيع وفى الحلقة القادمة نستعرض قصة الايجار ودور اللجنة الفنية للتصرف فى مرافق القطاع العام غير المفهوم ونطاق عملها…
يوسف سيد أحمد خليفة: صحيفة الوطن
[/JUSTIFY]