في هذه اللحظة بالتحديد يطفئ الحزب الحاكم ثرياته الكرستالية وينام قرير العين .
التحالف الذي يضم (17) حزباً ويقوده المحامي الشرس فاروق أبوعيسى ظل يعمل منذ سبتمبر (2009) على هدف واحد وهو إسقاط النظام، لا تراجع، لا استسلام، بعد كل هذه السنوات الهاربة بدأ التحالف نفسه يعاني من نزيف داخلي، ويشتكي من مضاعفات صراع الإخوة الأعداء، أزمة تجر خطامها أزمة أخرى ويتصاعد الدخان.
خبر ونفي
فجأة تتصدر الصحف أخبار عن لقاء سري بين الدكتور فاروق أبوعيسى وشباب وكوادر حزب الأمة ينتهي اللقاء بدعوة أبوعيسى الشباب لإنهاء ديكتاتورية الصادق المهدي، القصة لا تنتهى هنا، تأخذ بعداً درامياً، الإعلامي خالد عويس والكادر الصلب محمد فول يخرجان بتصريح ينفي ما حدثة جملة وتفصيلاً ويسخران منه، عويس قطع بعدم صحة اتصالات يجريها تحالف المعارضة، مع عدد من قيادات شباب حزب الأمة، ويمضي أكثر من ذلك إلى أن شؤون حزب الأمة الداخلية تظل من حق أعضاء حزب الأمة فقط، ولا يسمح بمناقشة أي ترتيبات تخص العمل التنظيمي داخل الحزب مع أطراف من خارجه، عويس اعترف بأن جهده الماثل يتصل لإصلاح الحزب بشكل شامل، ولإنهاء هيمنة القداسة فيه، بل وتجديد القيادة كلها..
المؤتمر الوطني يبدو هو الأكثر سعادة بما يجرى، لربما تمثلاً بالعبارة أشغل أعدائي بأنفسهم، التحالف الذي يدرك قوة تيار شباب حزب الأمة وصلابته، دفع الكرة بعيداً عن ملعبه وألقاها في مرمى الخصم _ المؤتمر الوطني _ واتهم السلطات بفبركة الخبر وشدد على أنه سيتخذ إجراءً قانونياً لدفع التهمة عن نفسه، خيوط الرؤية بدأت تتكشف شيئاً فشيئاً رغم الضباب المنتشر بكثافة..
الشاعر والسياسي
ثمة واقعة أخرى تجسد تفاقم الصراع، أمس الأول شارك الأستاذ كمال الجزولي في ندوة حول ذكرى الاستقلال بدار الحزب الشيوعي ورمى في الندوة بنيران ثقيلة ناحية الدكتور الترابي وحمله النصيب الأوفر من المسؤولية في حل الحزب الشيوعي قبل ما يربو على النصف قرن، لم ينته الأمر على ذلك النحو ولكن جرت مكالمة هاتفية بين الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي كمال عمر والجزولي أخذت في الأول طابع العتاب واللوم، ولكنها تطورت إلى شتائم وتهديد، دافع الاتصال بتقديرات كمال عمر هو عدم تصويب الرصاص في الوجهة الخاطئة، خط الهاتف أُغلق على عبارة “إنت ولد قليل أدب وأعلى مافي خيلك اركبه” المواجهة بالطبع انتقلت من ذبذبات الأثير إلى أوراق الصحف.
المثير في الأمر هو صدور بيان نسب للحزب الشيوعي يدين فيه ما قام به كمال عمر تجاه عضو الحزب الشيوعي كمال الجزولي ويطالبه بالاعتذار، الأمين السياسي للشعبي يرفض الاعتذار، البيان لم يتأكد هل صدر بالفعل من اللجنة المركزية للحزب العتيق وبصم عليه صديق يوسف صاحب الصوت العالي، أم هو محاولة للصيد في المياه العكرة من جهة صاحبة أجندة غير معلومة؟
منصة الأضواء
كمال الجزولي المثقف والشاعر يعود لمنصة الأضواء السياسية وتتقاطع الآراء حوله، ثمة من يرى أن كمال يعبر عن تيار حقيقي يرفض المصالحة مع الإسلاميين بشكل مبدئي ويعضد رفضه لجهة الأخطاء الكبرى التي ارتكبوها ولم يعتذروا عنها، من بينها بالطبع المشاركة في حل الحزب الشيوعي وصرخة (ما ما سعاد) “وا إسلاماه”، بجانب انقلاب الإنقاذ الذي أجهض الديمقراطية..
فريق آخر استبشع الواقعة واعتبر أن كمال الجزولي صنع من (الحبة قُبة)، فالشتيمة عبر الهاتف لا تعالج ببيان صحفي معمم أو يكون الغرض تسويق فكرة الملاك الضحية بين يدي حالة من الزخم الإعلامي، وربما دون قصد خدم أجندة المؤتمر الوطني.
المفتاح الضائع
تحيلنا تلك التراجيديا المكثفة إلى زوبعة من المشاهد، رجال يبحثون عن المفتاح الضائع، تتعدد المسارات والتصورات، يتجادلون بشدة، أي طريق يسلكون ومن الذي يصلح لقيادتهم، الإمام الصادق المهدي يبدو هو الأكثر رغبة في صناعة وجوده المغاير وبتاريخ اليوم والأيام الهاربة من العام المنصرم تتجلّى مواقف الرجل بوضوح من تحالف القوى المعارضة الداعي لإسقاط النظام، لم يكن قلبه مضخة صدئة وإنما برز في موكب المتطهّرين من إراقة الدماء ورفع السلاح في وجه الحكومة منذ مغادرته لصف المعارضة التجمّعية في العام (2000) إثر توقيعه لما عرف يومها بنداء الوطن في (جيبوتي) وحتى غضباته الأخيرة على قوى المعارضة ومنهجها، التحالف يعتبر أن الأمة الذي يمسك العصا من المنتصف لا يستطيع أن يقود عملا معارضا ضد ابنه وفي نفس الوقت لا يمكن أن يقذف فلذة كبده في أتون حارق..
المؤتمر الشعبي الذي انبجس كالدمل في خاصرة الثورة المنتظرة هو رأس الرمح في مناهضة زعامة الإمام ومواقفه الرمادية.!!
باب شرقي
في النهاية يكاد ينتصر سيناريو فيلم “باب شرقي” للمخرج المصري أحمد عاطف، والذي يجسد الأحداث الدامية التي تجري في سوريا منذ ما يقارب السنتين، وذلك عبر تصوير صراع داخل أسرة واحدة ينقسم فيها الإخوة إلى طرفي الصراع، وقد جاء مشهد النهاية في الفيلم الذي يصور مقتل رئيس النظام السوري بشار الأسد من أحد حراسه عبر الباب الشرقي وسقوطه غارقاً في دمائه بمثابة “أمنية” لكثير من مشاهدي العرض الأول للفيلم الذين أخذوا في التصفيق والهتاف انفعالاً مع ذلك المشهد السينمائي، ثمة من احتوى الشعبي ليقوم بمهة اطلاق الرصاص على الوطني، بينما ينتظر الوطني أن يطلق حزب الأمة الرصاص على تحالف القوى المعارضة من الباب الشرقي فيرديه قتيلاً، في النهاية لا أحد يعلم ما الذي ستنتهي إليه الأزمة
عزمي عبد الرازق: صحيفة اليوم التالي
[/JUSTIFY]