جوبا والخرطوم.. دقّت ساعة القلق

[JUSTIFY]دخل الذهب الأسود مطبّ الصراع بين الفرقاء الجنوبيين، إذ أصبحت مناطق إنتاج النفط في مرمى الرصاص، والأوضاع في الجنوب ظلت على رمال متحركة تموج بين مدن “بانتيو وبور وملكال”؛ فمنذ أن اندلعت الأحداث في جنوب السودان في منتصف الشهر الماضي، وطوال تلك المدة، سيطرت أصوات الرصاص على معظم المدن الجنوبية، وتواصلت حالة فرٍّ وكرٍّ بين قوات الجيش الشعبي وقوات المتمردين بقيادة رياك مشار؛ فما إن يعلن المتمردون تقدمهم وسيطرتهم على مدينة، إلا ويأتي النفي وتسترد قوات الجيش الشعبي تلك المدينة، هكذا الحال في مدينتي بور وبانتيو، إلا أن إعلان المتمردين يوم أمس الأول، عن دخولهم مناطق النفط، بعد أن سيطروا على عاصمة ولاية أعالي النيل (ملكال)، التي تنتج أكثر من 200 ألف برميل من النفط، انتقل بعده الصراع إلى محطة أخرى، ووفقاً للمتحدث باسم المتمردين يوهانس موسيس فوك فإن “قواتهم تسيطر على أغلب مناطق أعالي النيل بما فيها (ملكال)، ودخلت منطقة (عدراييل) التي بها بعض حقول النفط، وتتجه نحو مواقع الحقول الأخرى في (ملوط)، إلى جانب مدينة (الرنك) الاستراتيجية، التي تقع على الحدود مع السودان”. وفي ذات السياق؛ يقول الناطق الرسمي باسم الجيش الحكومي، فيليب أقوير، إن “الاتصال مع القوات الحكومية الموجودة بمدينة (ملكال)، لا يزال مستعصياً منذ أمس الأول”، معرباً عن ثقته بقدره قواته على دحر هجوم المتمردين، الذين يريدون الاستيلاء على المدينة مرة أخرى. وما بين تمنيات أقوير بقدرة قواته على السيطرة وتوق المتمردين إلى التوسع والتقدم ميدانياً؛ تكمن الخطورة التي تكتنف الذهب الأسود بل تهدد بتوقفه. ولعل ما ورد في صحف الأمس من أن جوبا لا تستبعد طلب قوة من السودان لحماية النفط يعضد فرضية وجود مخاطر محتملة من دخول النفط إلى حلبة الصراع، والتهديد بتوقف إنتاجه حال احتدام الحرب في مناطق الإنتاج، خاصةً في ظل تعسر اتفاق الأطراف على إيقاف إطلاق النار، وتباعد الشقة بين الطرفيْن، وقد سبق للجيش الشعبي أن استعاد مدينة بانتيو النفطية التي تنتج حوالي 50 ألف برميل، والتي يسعى المتمردون الآن للاستيلاء عليها مرة أخرى، لكن بالتأمل في الصراع الدائر في مدن (ملكال) عاصمة أعالي النيل و(بانتيو) عاصمة الوحدة، بالإضافة إلى مدينة بور التي أعلن الجيش الشعبي أمس عن استردادها من قبل المتمردين؛ يتضح أن كل طرف يسعى لبسط سيطرته على حقول الإنتاج، ويلعب الذهب الأسود كرت ضغط مهم لكافة الأطراف ويعزز الموقف التفاوضي. فبالنسبة لسلفاكير فإن المحافظة على تدفقه تعد ذات أولوية قصوى، لأنه المصدر الوحيد للموازنة في الدولة الوليدة، وإن توقفه يقود إلى تعطيل تروس الآلة الحربية لدى جيشه، بجانب المعاناة الاقتصادية. أما المتمردون فالسيطرة على مناطق الإنتاج تعزز موقفهم التفاوضي، ويستخدمون ذلك كمساومة ومناورة في إحراز أفضل نقاط لإضعاف خصمهم، ولعل أحد أبرز العوامل التي أفقدت حكومة الجنوب السيطرة على مناطق النفط تركيز الجيش الشعبي على تعزيز نفوذه وفرض سيطرته على العاصمة جوبا ومدينة بور الاستراتيجية، ذلك الأمر انعكس على إضعاف وجوده في مناطق أخرى، مما أصبح خصماً على وجودهم في مناطق النفط تحديداً، بالإضافة إلى أن اتساع دائرة الصراع جعل القوات الحكومية تركز في أكثر من مكان، وقد تسبب ذلك في تشتيت جهودها، لا سيما في ظل عدم تماسك المؤسسة العسكرية في جنوب السودان، وفي ظل تلك الأحوال لا يستبعد المراقبون أن تسند الدول الإفريقية حكومة جنوب السودان بقوات عسكرية لحماية بعض المدن ومناطق النفط من هجمات المتمردين.
تحقيق المجازر
بعد أن أعلنت الوساطة الإفريقية (إيقاد) عن تسلم الطرفين لوثيقة نهائية لإيقاف إطلاق النار وأعطتهم المهلة ليومين لتوضيح موقفهم من القضايا المطروحة قيد التفاوض، في خضم ذلك قرّر مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، تشكيل لجنة تحقيق حول مزاعم الانتهاكات الإنسانية في دولة جنوب السودان، وتعهد بتقديم كل من يثبت تورطه في انتهاكات للمحاكمة والعقوبات، وأقر عقد قمة طارئة في 29 يناير الجاري حول الجنوب. وبحسب بيان أصدره المجلس فإن حكومة الرئيس سلفاكير ميارديت، والمتمردين بزعامة نائبه السابق رياك مشار، يتحملان مسؤولية حماية السكان المدنيين، وفي ذات السياق يأتي إعلان الأمم المتحدة عن تشكيل لجنة تحقيق في مجازر جماعية تمت في جنوب السودان، بجانب أن الاتهام بتجنيد الأطفال للقتال الدائر يفتح الباب أمام سيناريوهات جديدة تحيط بالموقف. وبحسب مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، إيفان سيمونوفيتش، في ختام زيارة لجنوب السودان، فإن “فظائع جماعية ارتكبت من قبل الطرفين”، وأضاف أنه تلقى خلال زيارته لجنوب السودان تقارير عن مجازر جماعية وإعدامات ميدانية واعتقالات عشوائية وإخفاء قسري وعنف جنسي وتدمير واسع للممتلكات واستخدام للأطفال في النزاعات. وعلق سيمونوفيتش على الأوضاع في البلاد قائلا إن شهراً من النزاع أعاد جنوب السودان -الذي انفصل عن السودان قبل ثلاثة أعوام- عقداً إلى الوراء، مضيفاً أن الأزمة التي بدأت سياسية أخذت بعداً عرقياً داخلياً، ويرى مراقبون أن دور الأمم المتحدة التي تعتزم القيام به رغم أهميته يصطدم بعقبة تخوف الأطراف من سيناريو المحكمة الجنائية الدولية، التي تعرض القادة لتساؤلات، وهي أزمة قد تعوق إحراز التقدم في التفاوض، كما أن المشهد النهائي للأزمة يعوق إمكانية التوصل لتسوية سلمية.
معارك النفط
على الأرض لا زالت المدفعية هي العامل الحاسم في مآلات الصراع في جنوب السودان، ولم تنجح الإيقاد في ضغط الأطراف للتوصل إلى إيقاف إطلاق النار على الأقل، رغم مرور أكثر من شهر على اندلاع الحرب، فقد نجحت قوات الجيش الشعبي في استعادة السيطرة على بور وبانتيو من قوات مشار، لكن حقق مشار تقدماً من نوع آخر، عندما سيطر على مدينة (ملكال) عاصمة أعالي النيل، التي تعتبر أكبر منتج للنفط بحوالي 200 ألف متر. ويقول فيليب أقوير إن الجيش الشعبي دخل مدينة بور التي تبعد حوالي 200 كلم شمال العاصمة جوبا، مشيراً إلى أن “قوات جيش جنوب السودان هزمت أكثر من 15 ألفاً من رجال رياك مشار”.

تقرير: محمد حمدان

صحيفة السوداني

[/JUSTIFY]
Exit mobile version