خالد حسن كسلا : مناظرة «للكمالين» بدل الإساءة والتهديد

[JUSTIFY]رجل في عُمر وأدب الأستاذ كمال الجزولي المحامي ـ بغض النظر عن انتمائه الفكري أو الحزبي ـ يمنعنا كريم الأعراف السودانية أن نسئ معه الأدب، ونتخير ضده ألفاظ لا تليق. ولتكن الإساءة إلى الأفكار والتوجهات لكن أن تكون للذات فهذا ما لا ينبغي، وإذا كان أحد منسوبي المؤتمر الشعبي الذي ظهر إلى جانب زعيمه حسن الترابي بعد سنوات مضت على قرارات الرابع من رمضان الشهيرة وهو المحامي كمال قد وجه إساءة تنم عن افتقاره لأدنى قدرات العمل السياسي ومواصفات رجل الدولة، فالرجل يسيء عمنا كمال الجزولي ويقول: «أنت لا تساوي جزمة الترابي». وذلك لمجرد أنه انتقد زعيمه انتقاداً سياسياً متجرداً. ويرى الجزولي على ما يبدو أن ارتباط المؤتمر الشعبي بحلف المعارضة يكلفه أكثر من إبعاده عنه، وأن مجموعة الترابي لا وزن سياسي لها لا على مستوى النهج السياسي للحزب باعتبار أن زعيمها مطرود من السلطة بموجب قرارات الرابع من رمضان ولا على مستوى قواعدها في الشارع السياسي. وكأنه يرى أن ضررها السياسي أكبر من نفعها، أو كأن تحالف المعارضة عبارة عن مكب نفايات سياسية.

ثم إن مثل كمال الجزولي ما زال أمامه الفرصة أمام خصومه من الإسلاميين وغيرهم الأمل العريض في أن يقتفي أثر أحمد سليمان المحامي الذي يعتبر من الذين أدخلوا الشيوعية الى السودان.

فقد احتفى بخروجه منها بكتاب ألّفه تحت عنوان «ومشيناها خطى». وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول عن كفار قريش «عسى الله أن يخرج من أصلابهم من يعبدون الله».. والعبرة بحسن وسوء الخاتمة لذلك لا يستحق أي إنسان أن توجه إليه مثل الإساءة التي وجهها منسوب المؤتمر الشعبي لشخص يفترض أن يناظره ليكسب ثمرة إقناعه، وليس سيئاته إذا كتبها الله عليه.

ولو كانت هذه الإساءة من شاب صغير أو طالب أو له صلة قرابة وهو صغير سن، لما توقف الناس في إساءته، لكن أن يكون المتحدِّث باسم الحزب موتوراً، ويصدر منه مثل هذه الإساءة فهذا يعني أن الحزب لا يشتغل بالسياسة. إن باقان أموم لم يسعه أن يوجه مثل هذه الإساءة لخصومه رغم قسوة قلبه التي تتجلى في طريقة تصريحاته. وإذا كان كمال الجزولي قد أقره بأن الترابي يحمل لقب دكتور من جامعة السربون الفرنسية، حينما قال في سياق نقده له إن «تخصص رسالة الدكتوراه التي حصل عليها من السربون في الطرق الديمقراطية لتعويق الديمقراطية نفسها كإعلان الطوارئ وما شابه ذلك».

فإن هناك ما نشر في إحدى الصحف الخرطومية قبل سنوات مقالاً استبعد فيه حصوله على درجة الدكتوراه وقال هي درجة ماجستير فقط وفي ندوة بمدينة «طابت» غرب ولاية الجزيرة كان يتحدّث فيها الترابي صدر منه حديث حول حقيقة الدكتوراه وألمح إلى إنه لم يحز عليها حسب بعض حضور الندوة. وليت حسن الترابي نشر صورة للدكتوراه في الصحف حتى يكون ذلك رداً عملياً. فلا يكفي لبعض الناس ما جاء في تصريح كمال الجزولي. والنقد السياسي والمناظرات السياسية يمارسها قيادات المؤتمر الوطني بدلاً من توجيه الإساءة بسبب غلو في البشير أو علي عثمان أو نافع أو أحمد إبراهيم الطاهر. وسبق أن ناظر الدكتور أمين حسن عمر شخص يقال له الباقر عفيفي من حزب حركة حق. وحاور كذلك الحاج وراق. والأستاذ سيد الخطيب ناظر في برنامج تلفزيوني المهندس الطيب مصطفى. والدكتور ربيع عبد العاطي يفعل نفس الشيء ولا أحد من هؤلاء القيادات الإسلامية في المؤتمر الوطني تسمح له نفسه بأن يوجه إلى الآخرين الإساءة بدلاً من الحجة. لكن لماذا يكون الترابي في نظر «كمال المحامي» مثل الكجور نون دينق في نظر قبيلة النوير الجنوبية؟!. ولماذا يكون نظرته إلى حزبه مثل نظرة النوير إلى عصا الكجور التي يقول النوير إنها ستحمل رياك مشار إلى حكم قبائل الجنوب؟!

إن توجيه الإساءات لا يعجز عنه أحد، وهو ليس عنصر الحكمة السياسية في تطويع معطيات الواقع لتحقيق المكاسب السياسية. وإذا كان تعاطي العمل العام بهذه الصورة المسيئة للآخر لما خصصت الجامعات في بعض كلياتها أقسام لدراسة العلوم السياسية والعلاقات الدولية. وكانت المجتمعات المتحضرة والمتمدنة اكتفت بالعصبية والطائفية والقبلية. وكان من الممكن الرد على تصريحات الجزولي بالمنطق والموضوعية فهما الاثنان محاميان، ولكننا في السودان نأخذ المنطق القانوني من أفواه السياسيين غير القانونيين. وهذا مؤسف. المهم نريد مناظرة بين كمال الجزولي وكمال المحامي، وكاتب هذه السطور يتبرع بإدارتها. لتكون مناسبة صلح وفرصة إجابات موضوعية، حتى نسهم في ترسيخ القدوة الحسنة للأجيال الجديدة.

صحيفة الإنتباهة
ع.ش

[/JUSTIFY]
Exit mobile version