بت أم كَرُو

[ALIGN=CENTER]بت أم كَرُو !![/ALIGN] تحكي قصة قديمة ان رجل ترك زوجته وأولاده، وسافر للقتال في صفوف جنود وطنه ضد الاعداء في معركة تدور رحاها على أطراف البلاد، وفي اثناء سفرهم على طريق العودة للبيت بعد انتهاء الحرب، علم الرجل من بعض المعارف أن زوجته قد مرضت بالجدري في غيابهِ فتشوه وجهها بشده جرّاء ذلك المرض ..تلقى الرجل الخبر بصمتٍ وحزنٍ عميق … وفي اليوم التالي شاهده رفاقه الجنود مغمض العينين فحسبوا أنه قد اصيب بالعمى بسبب الحزن على مرض زوجته فرافقوه إلى منزلهِ.
أكمل الرجل بعد ذلك حياته مع زوجته وأولاده بشكلٍ طبيعي .. وبعد عدة سنوات توفيت زوجته … وحينها تفاجأ كلّ من حوله بأنه قد عاد بصيراً .. لم تكن المفاجأة في انه كان أعمى واستعاد البصر، ولكن لاكتشافهم أنه أغمضَ عينيهِ طيلة تلك الفترة عن عمد كي لا يجرح مشاعر زوجته برؤيته لتشوه وجهها .. بالله شوف ؟!!
طبعا التعبير الاخير من عندي وهو دلالة على استنكاري لكبر (الدليبة)، التي ترمي بها الثقافة الذكورية على رؤوسنا نحن النساء، عشان (نآمن) باخلاص ونزاهة الازواج وتفانيهم في اسعاد زوجاتهم ومراعاة مشاعرهن.
ماعلينا .. فأنا لم اذكر تلك القصة (المقنبلة) للتدليل على تفاني الرجال، ولكن لتسليط الضوء على عبرة جميلة يمكن ان نستخلصها من تلك القصة، وهي حوجتنا جميعا لان نغض الطرف أو نغمض اعيننا عن عيوب من نحب، ونتعلم أن نقبلهم كما هم.
لحبوباتنا حكمة في صورة قصة مثل تتلاقى مع قصة الاسطورة في انها تحضنا على ان لا ننسى عيوبنا الشخصية وننشغل بعيوب الناس، وهي تشابه في مضمونها نصيحة الإمام الشافعي رحمه الله التي يقول فيها:
لسانك لا تذكر به عورة امرئ فكلك عورات وللناس ألسن
وعيناك إن أبدت إليك معايباً فدعها وقل يا عين للناس أعين
تحكي قصة المثل عن امرأة عاشت زمان .. في زمن غير الزمن ده مع انو الشبه بين الزمانين باين – ففي ذاك الزمان كان التنابز بالالقاب شي عادي .. وان كان لسه بيعتبر شيء عادي .. فقد كانت بطلة قصة مثلنا تكنى – من وراء ظهرها طبعا من جاراتها ونسوة الحي بـ (أم كَرُو)، ولعلها نالت استحقاقيتها لـ هذا اللقب بجدارة لكونها كانت لا مؤاخذة (مرة خملة) !!
فبينما كانت النسوان الهميمات يؤمن بحكمة (الماعون اللين غسيلو هين) والتي تحفزهن لغسل مواعين الطبخ والطعام المتسخة أول بـ أول، كانت (أم كرو) تترك العِدّة الوسخانة لتتراكم وتجف عليها الاوساخ والكدوب وتعلوها اللثلثة .. ليس هذا فحسب بل أن تراكم الاوساخ وتناثر المهملات والكرور في كل ارجاء البيت هي الصفة المميزة لبيت ناس (أم كرو).
شغلت نسوة الحي بـ (نبيشة) حال (أم كرو)، ولكن لان (الجمل ما بشوف عوجة رقبتو ) .. تناست اؤلئك الجارات ان بيوتهن ايضا لا تخلو بصورة أو بأخرى من (كرو) يضاهي (كرو) ست الاسم، ولكن الشقاوة هي ما رمتها في قيد المنابيز ونبش الحال ..
ولكن ما سهت عنه نسوة الحي البالغات الراشدات، انتبهت له صبية صغيرة وعالجته بذكاء طفولي .. فبينما كانت تلك الصبية تلعب بالقرب من البيت، رأت من بعيد ابنة (أم كَرُو) الصغيرة والتي تقاربها في السن قادمة من بعيد .. فكرت الصبية في مضايقتها ومعايرتها بـ كرو أمها، وتهيأت لذلك وهي تنتظر مرورها من امامها بفارغ الصبر، ولكن حانت منها فجأة التفاتة لـ (حوش) بيتهم، ومسحت عينيها بسرعة أكوام الكرور والكراكيب والاوساخ الممتدة عبر الحوش حتى مجلس والدتها داخل الراكوبة، والتي كانت منشغلة بـ عواسة الكسرة .. نقّلت الصبية بصرها ما بين تلك الاوساخ وبين اقتراب بت (أم كَرُو) من بعيد .. فصاحت تنادي على أمها بعجل:
يمة .. يمة .. قومي دِسّي كروك .. الننبز بت أم كَرُو هديك جات !!

حاشية:
(الكرو) عند حبوباتي هو ما تراكم من الاوساخ والكدوب، وإن كان هناك البعض من أهل الوسط وناس الجزيرة يطلقون مصطلح (الكرو) على الجروح والدمامل المتقيحة وبالتالي يمكن تفسير المثل ايضا من تلك الزاوية.

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

Exit mobile version