صحيح ربما كان التدخل اليوغندي الصريح قائم على دعوة وقبول جنوبي حيث رحبت الحكومة الجنوبية بوجود القوات اليوغندية فى عمق الصراع، وصحيح أيضاً أن يوغندا تقاتل إلى جانب الشرعية -إذا صحَّ التعبير- باعتبار أن الرئيس الجنوبي سلفا كير رئيس منتخب شعبياً فى الانتخابات العامة التى جرت فى العام 2010م، وباعتبار الطرف الآخر فى الصراع قد تمرد على سلطة الدولة، ولكن ومع كل ذلك فإن الموقف اليوغندي هذا لا يخلو من تعقيدات من المحتمل أن تلقي بظلالها السالبة على الوضع فى المنطقة وعلاقة جوبا والخرطوم.
فمن جهة أولى فإن نظام الرئيس موسيفيني مبني بالكامل على المبالغة فى إدارة شئون الدول الغربية والولايات المتحدة فى المنطقة بحيث أصبح النظام الوحيد فى المنطقة الذي لا يتردد فى تنفيذ أية مهام توكل إليه دون مناقشة، وهذا معناه أن الرئيس موسيفيني بموقفه هذا يحقق أهدافاً دولية من جهة، ويعزز قبضته على حكومة دولة الجنوب من جهة أخرى.
بمعنى أوضح فإن الرئيس موسيفيني -بمكر وخبث شديدين- واتته فرصة نادرة لترسيخ أقدام دولة الجنوب بصفة نهائية وقاطعة فى ذات الفلك والمدار الذي تدور فيه كمبالا، ومن ثم لن تستطيع جوبا -مهما فعلت- أن تمتنع فى السير فى ذات طريق كمبالا طالما أن الرئيس موسيفيني -عند الضيق- قدم لها كل هذا الدعم الكبير!
من جهة ثانية وتأسيساً على الفرضية السابقة فإن احتمال تطور العلاقات السودانية الجنوبية -عقب انجلاء غبار الصراع- ربما يظل رهيناً بقوة العلاقات الجنوبية اليوغندية. وطالما أن العلاقات السودانية اليوغندية ليست على ما يرام، أو أنها متأرجحة بدرجة ما، فإن من المحتمل أن يكون التدخل اليوغندي الماثل قائم على فرضية الحيلولة دون تطبيع العلاقات السودانية الجنوبية بطريقة أقوى وأفضل مما كانت عليه.
التدخل اليوغندي الذي لن يكون بالطبع بلا ثمن هو فى الحقيقة بمثابة (كوابح) لجوبا من أن تنخرط مستقبلاً فى تقوية علاقاتها بالخرطوم. صحيح أن جوبا ربما تظل (فى حاجة ماسة جداً) للخرطوم، ولكن ستحرص كمبالا على أن يكون ذلك فى أضيق نطاق.
من جهة ثالثة فإن حماس كمبالا فى القتال الى جانب الحكومة الجنوبية هدفه فى المقام الأول والأخير إرسال رسالة لدول المنطقة -وقطعاً في مقدمتها السودان- أن مصالح كمبالا والدول الغربية الكبرى ستظل تسيطر على المنطقة بل ربما مضت الرسالة أكثر من ذلك لتؤكد أن كمبالا كانت وستظل الداعم الأوحد الكبير لقيام دولة الجنوب، وأن غياب زعيم الحركة الشعبية الراحل قرنق فى ظروف مأساوية غامضة قبل سنوات كان دون أدنى شك بفعل فاعل!
صحيفة ألوان