وما خُفي أعظم.. مطالعة ثانية في ملفات المراجع العام

[JUSTIFY]يبدو أن العام 2012 سيسطر في تاريخ البلاد على أنّه عام الانهيار الاقتصادي، بما جنت أيدي المتلاعبين بالمال العام، وربما تكون الأزمة الاقتصادية العالمية التي يتحجج بها البعض براء من تلك التهمة.. الفساد والتعدي المقنن على المال العام والتلاعب والتجاوزات الواضحة وعدم التعامل بشفافية مع الغياب الواضح للمساءلة والمحاسبة إن جاز تمسيتها بأنّها (سرقة) بالمستندات الرسمية..
فداحة الأرقام التي تحدث عنها تقرير المراجع العام قد لا تقودك إلى تصديق ما بين يديك وأنت تقلب تقريره بصفحاته الثمانين أو تزيد.. يا للهول.. فساد؟ تعدّ على المال العام؟ جرائم بدورات مستندية من داخل مكاتب مؤسسات الدولة؟ أرصدة شاذة؟ مخالفات مجهولة؟ تجاوزات في العقود لدورة محاسبية؟ مبالغ تتحرك في وضح النهار بدون مستندات؟ تحصيل بدون إيصالات مالية؟.. أين ذهبت كلّ تلك الأموال؟ يا للفجيعة.. كل هذا يحدث في بلادي.. يا للفداحة..
ببساطة هي أزمة (انعدام ضمير)، أرقام الفساد والتجاوزات من الممسكين بزمام أمر المال بقصد أو دون قصد كفيلة بأن تحرر ليس صك اتهام يضع الكثير من المسؤولين في قفص الاتهام والمساءلة، كيف تم كل هذا؟ وإذا كان الأمر بكل هذا التجاوز المخيف، فكيف هو الحال في العام 2013، الذي انقضى مالياً وينتظر فيه المراجع العام إعمال ذات المهمة؛ (تقصي الحقائق)، والخروج من دائرة (فقه السترة) إلى العلن، حتى تقوم العدالة بإجراءتها؟.
مهمة تقصي الحقائق (المراجع العام)، انتهت لتبدأ الجهات المختصة بعد وضع (حزمة) من 36 ملفاً في منضدة المشير عمر البشير رئيس الجمهورية والفاتح عز الدين رئيس البرلمان عمليات البت.. وفي الانتظار وضع (مبضع) في جسد أفسدته علة الفساد..
(اليوم التالي) تحاول في كرّة ثانية اجترار ما هو عالق وكشف المزيد حول ما خفي من أمر التجاوزات المنثورة بين ثنايا تقرير المراجع العام.
(1)
شهادات المشاركة الحكومية شهامة، بلغ إجمالي الالتزامات المالية بالحساب الختامي (13.6) مليار جنيه وظهرت مديونية في الحسابات الختامية لوزارة المالية بفرق (61) مليون جنيه، تقرير المراجع العام تكشفت من خلاله الحقائق بأن وزارة المالية تتحمل أرباح حملة شهادات شهامة بالإضافة للرسوم الإدارية وذلك بالخصم على بند تكلفة التمويل وليس على أرباح أو استثمارات تنتج من الصكوك، وطالب المراجع العام وزارة المالية بوضع خطط مستقبلية للتخلص التدريجي من الشهادات لتقليل العبء الإضافي على الحكومة، وكشف المراجع العام في تقريره عن تجاوز شركة الخدمات المالية في أربعة عقود لمشاريع لم يتم تنفيذها في الفترة المقررة لها وبالمواصفات المطلوبة.
(2)
وعن الصرف على المشروعات التنموية التي لطالما تحدثت عنها الحكومة ووزارة المالية وأثارت حولها جدلاً كثيفاً، جاء تقرير المراجع العام ليكشف الحقائق ويعريها على حقيقتها، بأن سندات التنمية يتم خصمها على العجز المرحل والذي بلغ (684.6) مليون جنيه، ما أثر على عدم الإفصاح عن الصرف على المشروعات التنموية ما يظهر بند الأصول غير المالية بصورة غير عادلة وغير حقيقية.
الصدمة الكبرى ظهرت في تقرير المراجع العام وما اتبعت فيه المالية فقه (السترة) كشفه المراجع، حينما بيّن تقريره أن تصكيك سندات التنمية تم دون الوقوف على مراحل تنفيذها ميدانياً، والأخطر من ذلك هو عدم وجود تنسيق بين إدارة السندات وإدارة الحسابات وإدارة التنمية ما يشير إلى أن كل طرف يعمل بعيداً عن الآخر ما أظهر خللاً في حسابات الصكوك ولم تسدد في الحسابات الختامية.
(3)
حكومة الجنوب والولايات الجنوبية التي غادرت محطة سودان ما قبل الانفصال وفكت ارتباطها من خارطة البلاد الجغرافية ولحقتها التبعات الاقتصادية والسياسية، ثمة ما يربطها من محطة المغادرة بمحطة انتظار (الأرصدة المالية)، حيث فاجأ تقرير المراجع العام الجميع بإظهاره لأرصدة ثابتة تبلغ قيمتها (334.4) مليون جنيه بنسبة (80%) من إجمالي رصيد أمانات الإدارة العمومية خاصة بحكومة الجنوب والولايات الجنوبية وجنوب كردفان بالإضافة لمبلغ (8) ملايين جنيه تخص بند ودائع لأجل، ظلت ترحل عاماً بعد آخر دون اتخاذ أي إجراءات لتصفيتها، أوصت المراجعة الخاصة بديوان المراجع العام بإجراء المعالجات الحسابية اللازمة لتصفيتها.
(4)
لا يكاد يمر شهر، إلا ويخرج مسؤول حكومي، مروجاً لحصول السودان على قرض من دولة خارجية.. فرحة القروض تظن القيادات السياسية التي تضع عليها توقيعها أنها تجلب منفعة لتنفيذ مشروعات ولكن في المقابل، ربما لا ترى تلك القيادات في القروض ما يضع عبئاً ثقيلاً على كاهل الأجيال في تسديدها، الأمر لم يقتصر على سداد تلك القروض من عدمها، فتقرير المراجع أتى بالمذهل والمفزع حول حقيقة وطريقة التعامل مع القروض، شفافية غائبة، تلاعب بالأموال ولكن بالمستندات، فقد أظهر تقرير الطاهر عبد القيوم عدم تطابق بيانات إدارة القروض مع الحسابات المركزية، وعدم إعداد بيانات مالية توضح تفاصيل القروض والمنح المسدد منها والمتبقي وتواريخ استحقاق السداد، وعدم التطابق بين الحساب الختامي والأداء الفعلي لإدارة القروض، حيث لم يتم إثبات سداد لبعض بيوتات التمويل بمبلغ (371) مليون دولار.. (أرصدة شاذة) هكذا تخير لها المراجع العام المصطلح لبعض المشروعات تبين له من خلال تقصيه ومراجعته للمستندات أنها ما زالت مستمرة ولم تتم مراجعة تلك الأرصدة ما عدّه الرجل مخالفة للمادة (173) من لائحة الإجراءات المالية والمحاسبية للعام 2011، جملة المسحوبات من القروض بلغت (مليار) جنيه بينما السدادات الفعلية بلغت (214.07) مليون جنيه دون التزامات لتسويتها.
(5)
المراجع العام كشف في تقريره عن ارتفاع في إجمالي العجز المرحل بنهاية العام 2012 لمبلغ (24) مليار جنيه بإضافة (4.7) مليار جنيه للرصيد السابق ويمثل صافي التسويات خلال العام 2012 جاءت من قيمة خطابات الضمان واعتمادات وسندات وميدونيات لم تكن مثبتة أصلاً في السجلات ولم توضع في الحسبان عند إعداد الموازنة، بلغ إجمال المبالغ المضافة للعجز المرحل (11.5) مليار جنيه خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
وزارة المالية التي يقع على عاتقها حماية المال العام ومتابعة إجراءات التعاقد والشراء لمؤسسات الحكومة المختلفة، رمى تقرير المراجع العام باللائمة المحاسبية على عاتقها واتهم التقرير المالية بمخالفة لائحة الشراء والتعاقد وتجاوزها النصوص بأن لا تصدر التصديقات اللازمة إلا بعد وقوف إدارة الشراء والتعاقد بوزارة المالية على إجراءات فرز العطاء كما تبين لديوان المراجعة عدم إشراك الوحدات الحكومية المختلفة لإدارة الشراء والتعاقد في عطاءاتها كما أن بعض عقود الشراء للسلع والخدمات لا تتم عبر صياغة وليس عبر جهات قانونية مما لا يضمن حقوق الدولة، وفرض رسم إضافي بدون سند قانوني وغير مقنن مخالفاً لائحة الإجراءات المالية والمحاسبية لسنة 2011، وكشف تقرير المراجع عن مخالفات للشروط الواردة بإيصال تأمين دخول المزاد والتي تنص على مصادرة التأمين في حالة فشل المشتري في سداد القيمة، وعدم مواكبة سقوفات المناقصة العامة والمحدودة للشراء ووجود ظاهرة تجزئة عمليات الشراء لتكون في حدود السقوفات.
وفوق هذا وذاك كشف التقرير عن توريد عائد البيع لحساب الإمانات وليس الإيرادات ما يعد مخالفاً للائحة الإجراءات المالية والمحاسبية لسنة 2011.
(6)
الجامعات الحكومية تقع في مخالفات مالية، حتى قلاع العلم انتاشتها هي الأخرى أيادي الفساد والتعدي على مال العلم، أرصدة شاذة، شراء بعض السلع والخدمات بفواتير مبدئية، سداد مبالغ بدون مستندات، أرصدة وحسابات مجهولة، ياللهول، قطعاً لن يصدق أحد أن تتحول منابر العلم والجامعات إلى مرتع فساد وفق (دورة مستندية كاملة)، هذا ليس من نسج الخيال أو تجنيا على الجامعات وإنما تلك الحقائق ورحلة التقصي للحقائق المستورة التي أخرجتها من دائرة الظلام إلى خيوط الضوء لتمسك بها الجهات العدلية تقصياً ومساءلة لإكمال دورة المحاسبة، فقد كشف المراجع العام في تقريره عن إخضاع (43) وحدة حسابية في قطاع الجامعات للحسابات والمراجعة تبين من خلالها عدم إحكام الرقابة الإدارية والمحاسبية في بنود المقبوضات والمدفوعات وعدم وجود موزانات مجازة من الأساس وأنه لا يوجد هيكل تنظيمي ووظيفي بالجامعات والوحدات التابعة لها ما يجعل تحصيل الرسوم من الطلاب مشوبا بشيء من عدم الشفافاية لعدم ربط الإدارات المالية ومكاتب المراجعة الداخلية بنظام التحصيل الإلكتروني، ضياع بعض النماذج المالية، وجود (أرصدة شاذة) -هكذا سماها تقرير المراجع- ضمن أرصدة حسابات بند النقدية، ولا توجد دفاتر محاسبية إجمالية وفرعية، ولا يتم إعداد وحفظ سجلات رقابية للمخزونات والمشروعات تحت التنفيذ والتبرعات وأرصدة حسابات مجهولة ضمن بند الأمانات والعهد (المدينون والدائنون).
(7)
تقرير المراجع العام كشف عن إهدار مبلغ (28) ألف يورو في عملية إعادة تأهيل مصانع النسيج وما صاحب العملية من سلبيات، الأمر مرده من خلال تقرير الطاهر عبد القيوم إلى عدم حرص وزارة المالية ومراقبتها ومتابعتها للعملية بجانب وحدة النسيج والإدارة القانونية بالمالية، مما أدى لتحمل تكاليف مالية إضافية، (جياد) كانت هي الأخرى من بين المؤسسات التي تقع تحت طائلة مسؤوليات المراجع حيث كشف الرجل في تقريره وجود عمالة ومهندسين يتبعون لشركة جياد دون مبرر

سلمى معروف: صحيفة اليوم التالي

[/JUSTIFY]
Exit mobile version