الصادق المهدي :اعدام محمود محمد طه كان خطأ ولا توجد عقوبة دنيوية في الردة

تحت مظلة الآية الكريمة اعلاه ، نفتح باباً واسعاً للنقاش حول افكار ومباديء زعيم الحزب الجمهوري الراحل محمود محمد طه حتى لحظة اعدامه الذي يوافقه اليوم السبت 18 من الشهر الجاري، فمن كان لديه علم فليخرجه لنا، وإلا فليصمت، ولا مزايدة ولا التفاف حول الآية المقدسة إلا من كان يعلم ظاهراً من الحياة الدنيا، وذلك هو الضلال البعيد..
محرر الطرف الأغر وجها لوجه مع مصطفى حامد الأمين الذي ارتد عن الدين الإسلامي واعتنق البوذية !
مطلع سبعينات القرن الماضي كنت حديث عهد بالعمل بصحيفة الصحافة برئاسة الراحل محمد الحسن أحمد، والكائنة بشارع علي عبد اللطيف، قبالة (جامعة القاهرة، آنذاك) وكنت اقيم مؤقتاً بكلوندة النيل الابيض بشارع السيد عبد الرحمن.
على الجانب الآخر من مقر سكني، كنت الحظ كل مساء رجل هادئ الطبع، يؤدي طقوساً غريبة وهو جالس قد اطبق راحتي يده وطفق يؤمئ بهما الى اعلى في شكل افقي فيما اظن. فعلمت انه من قيل انه اعلن ردته عن الدين الاسلامي، واعتنق البوذية، اذن هكذا كان يؤدى (بوذا) طقوسه، الهنود يمارسون رياضة (اليوقا) ذات الصلة بالروح في اعتقادهم، لا اعتقد ان بوذا كان يفعل شيئا غير ذلك، ببراعة، فجعلوا منه الهاً مقدساً ، يعتقدونه.
حركة طالبان الافغانية هدت معابد وتماثيل البوذيين هذا البلد الاسلامي كيف كل الافغان على امتداد تاريخهم الاسلامي متسامحين مع الوضع المذكور الى هذا العهد مع تشددهم الديني المعلوم، حتى جاءت طالبان وفعلت ما فعلت.
المقيمون والزوار للوكندة النيل الابيض لم يعيروا طقوس الرجل كبير اهتمام ولم يجرحوه بكلمة وهو ذاته لم يكن يدخل مع اي شخص في جدل.
النميري لم يكن يهمه امر خروج المواطن السوداني المذكور من ملة المسلمين، فقط لأن المواطن المذكور لم يكن له نشاط سياسي يعكر صفو حكومته، المجموعة النافذة في القصر الجمهوري التي رتبت لمحاكمة واعدام محمود محمد طه ايام النميري لم تبد اي حمية دينية تجاه (المرتد) آنذاك، لأن الناس على دين ملوكهم، حيث مال الملك مالوا، ودين النميري بالتعريف الوضعي هو السياسة، وفي خدمتها الدين، الحمية الدينية التي هلت على هذه الكوكبة فجأة من السماء ودبرت محكمة الردة، ومهدت الطريق الى المقصلة، ألبست المحكمة السياسية، ثوب الدين! لأنها لم تبد حراكاً اصلاً تجاه البوذي
التسامح الذي جُبل عليه شعب السودان، كنت تلحظه في ستينات وسبعينات القرن الماضي والشوارع تعج بالسكارى، وحوانيت الخمر في كل شارع، لكنك لا ترى احداً منهم يعتدي على احد، بل ويدفعون اجرة التاكسي لمعارفهم اذا التقوا سوياً، انحسرت ظاهرة شرب الخمر في زماننا هذا ولكن الجرائم انتشرت، هناك من اصاب النسيج الاجتماعي السوداني اليوم في مقتل.

في السعودية والسيد الصادق المهدي يتهيأ لاستلام الحكم من حكومة سوار الذهب الانتقالية وقد كنت أعمل يومها بالصحف السعودية،قال لي (النميري خرمج الشريعة) وقوانين سبتمبر لا تساوي الحبر الذي كتبت به.

ومولانا محمد عثمان الميرغني قال لي إبان تطبيق قوانين الشريعة (امر الشريعة الاسلامية في غير يد اهله).

رئيس محاكم العدالة الناجزة المكاشفي طه الكباشي ، تحاشى في لقاء لي معهم (بالصورة والقلم) أي حديث حول أعدام محمود طه.

في القصر الجمهوري جلست على أريكة واحدة مع الرئيس النميري بصحبة صحفيين اجانب ايام الاحتفال بتطبيق الشريعة، اسأله على رؤوس الاشهاد عن معنى استمرار حظر الطوارئ بينما تتجه الاحوال كي تصبح محاكم المكاشفي قضاء معتاداً .

النميري رفع بعد ذلك الطوارئ خلال ايام لكنه تحرج عن الكلام حول ظاهرة التكفير .

ناولت النميري نسخة من الصحيفة السعودية التي كنت قد نشرت له فيها تصريحاً ادلي لي به شخصياً قي صدر الصفحة الاولي بايعاز من شيخ بابكر عبد الله مدير ديوان الزكاة الذي كان مرافقاً له .

العناوين كانت كالاتي(النميري : السعودية هي الدولة الاسلامية الاولي ) اما العنوان الثاني فيقول (لو كنت مكان دول الخليج لارسلت طائرات لتأديب ايران خلال اربع وعشرين ساعة ) طبعاً اي قارئ فطن يدرك ان السودان هو الدولة الاسلامية الثانية بعد السعودية وليس ايران وان النميري هو امام المسلمين في بلده وان من حقه كامام للمسلمين ان ينصح زعماء دول الخليج بضرب ايران خلال 24 ساعة. المبرر السياسي للنميري في ذلك سؤال فحواه، لماذا تعادي ايران دول الخليج المسلمة، بينما ايران ليست دولة مسلمة بالمعنى الذي رسخ عند الامام جعفر نميري. هل هناك هوس ديني اكثر من ذلك؟.

رئيس المكتب الفني بهذه الصحيفة (أخبار اليوم) زميلنا أحمد رمضان ذكر لي ان لديه تسجيل صوتي للنميري يقول فيه رأى نفسه يطير في الهواء.

الصادق المهدي :

اعدام محمود محمد طه كان خطأ ولا توجد عقوبة دنيوية في الردة

في نوفمبر من عام 1968 علق السيد الصادق المهدي على آراء الأستاذ محمود ومحكمة الردة الأولى بقوله : ان افكار رئيس الحزب الجمهوري خارجه عن نطاق الدين والشريعة الاسلامية وان التفكك والانحراف الذي تعيشه بلادنا هو الذي سهل من قبل لدعاوي الكفر والالحاد ان تتفشى واذا اردنا حقاً القضاء على الردة والالحاد فيجب ان نسعى جميعاً لإقامة دولة الاسلام الصحيحة (صحيفة أنباء السودان العدد 931 الأحد 24 نوفمبر 1968 الخرطوم) واضاف السيد الصادق وهو يعلق على آراء الأستاذ محمود بقوله : أن الوضع الحالي كله خارج الشريعة الاسلامية وهذا ما مهد قبلاً لاعلان مثل هذه الأفكار والدعاوي الغربية دون ان تجد من يردعها.

هذا ما كان عليه الصادق المهدي في نوفمبر 1968م لنرى رأيه الآن في العقد الاول من هذا القرن الحادي والعشرين ففي حوار أجراه طارق الجزولي رئيس تحرير صحيفة سودانايل الالكترونية ومحمد عبد الحميد طرح السؤال التالي على السيد الصادق، ماهو رأيك في مسألة اعدام الأستاذ محمود من حيث المحكمة في مرحلة الاستئناف قد اصدرت حكماً على تهمة غير موجودة في القانون الجنائي وقتها (قوانين سبتمبر) ثم ان المحكمة العليا قد ابطلت ذلك الحكم ولم نسمع لك برأى في مسألة الردة عموماً وردة الأستاذ محمود المزعومة على وجه خاص وماهو موفقك النهائي حول هذا الأمر، وهل تعتقد ان القوانين في السودان ينبغي ان تشتمل على عقوبة لحد الردّة المختلف عليه؟

الصادق المهدي خلص في اجاباته قائلاً : على كل حال اقول أن اعدام محمود محمد طه خطأ، وقد قمنا بإدانته في وقته، وانا أقول لا توجد عقوبة دنيوية في الردّة، وهذا الكلام مكتوب في كتابي بعنوان العقوبات الشرعية وموقعها من النظام الاجتماعي الاسلامي، وقلت فيه بوضوح لا اعدام في الردّة فربنا سبحانه وتعالى تكلم كثيراً عن الردّة ولكنه لم يربط بينها وبين أي عقوبة دنيوية، فأنا ضد الاجراء، وجعفر نميري نفسه كان ندمان في آخر أيامه لأنه شعر بخطئه في اعدام محمود محمد طه لأنه كان يقصدني أنا بهذا الشرك، وكان نميري في آخر أيامه مصاب بجنون العظمة، وللأسف تنابلة السلطان كانوا مهوسين وهيأوا له بأنه أصبح يطير وأن الملائكة اصبحت تحفه وتجلس بجانبه، ووصل به الأمر ان جمع قادة القوات المسلحة وقال لهم بأنه بعد تطبيق الشريعة اصبح إماماً طاعته من طاعة الله وعصيانه من عصيان الله، وهذا حديث تحدث به علينا، وكان على استعداد لسحق أي شخص يعارضه.

نص وثيقة تاريخية : خطاب من النيل ابو قرون للرئيس نميري

نص خطاب من النيل عبد القادر ابو قرون الى الرئيس القائد (جعفر محمد نميري) 29/12/1984 وهي على ورقة رسمية لرئاسة الجمهورية ونصها :

الأخ الرئيس القائد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته المنشور المرفق وزعه الجمهوريون وقد قبض على ستة منهم وتم التحقيق معهم وسوف يقدمون للمحاكمة وبهذا فقد أتاحوا لنا فرصة تاريخية لمحاكمتهم وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ولا شك أنها بداية لمسيرة ظافرة بإذن الله يتساقط دون هدفها كل مندس بأسم الدين وكل خوان كتوم ولله الامر من قبل ومن بعد.

وفقكم الله لقيادة المسيرة الظافرة ونهج على آثار المصطفى صلى الله عليه وسلم واصحابه ومن سار لسيرهم ونهجهم انه سميع مجيب.

النيل عبد القادر ابو قرون

6 ربيع الثاني 1305هـ يوم السبت الموافق 29/12/1984

تعليق محرر الطرف الأغر

حاولت الاتصال بالشيخ النيل أبو قرون وابلغني اح افراد السكرتارية بأن المسؤول عن الاعلام سيتصل بي ولكن لم يحدث رغم توضيح الغرض وكان لزاماً علي سؤال الشيخ أبو قرون عن دوافع هذه الوثيقة

هذا ما لزم توضيحه للقراء.

الترابي يقول أنه لا يتحسر على مقتل محمود محمد طه ثم يتراجع ويقول :

لم اساند اعدامه والقضية سياسية

في عام 1988 بعد مضي ثلاثة اعوام من تنفيذ الاعدام على الأستاذ محمود وبعد أقل من عامين على قرار المحكمة العليا الدائرة الدستورية بإبطال الحكم، تحدث الترابي عن اعدام محمود قائلاً : لا استشعر أي حسرة على مقتل محمود محمد طه، فلا استطيع أن انفك لحظة واحدة حتى اصدر حكماً بمعزل عن تديني.. وما دمت منفعلاً بديني فإني لا استشعر أية حسرة على مقتل محمود.. إن ردته أكبر من كل انواع الردة التي عرفناها في الملل والنحل السابقة.. ولم أتحسر أن ورطه الله سبحانه وتعالى في حفرة حفرها هو للناس.. وعندما طبق النميري الشريعة تصدى لمعارضته لأنه رأى عندئذٍ رجلاً دينياً يريد لأن يقوم بنبوة غير نبوته هو (!) وأكلته الغيرة فسفر بمعارضته، ولقى مصرعه غير مأسوف عليه البتّة.

لكن في حوار مع (آلان شوفاليرياس) والذي قامت نجاة محمد علي باقتطاف الجزء المتعلق بالأستاذ محمود وترجمته واشارت الى أنه نشر في دورية فرنسية تصدرها مؤسسة (لوموند الفرنسية جاء الحوار كالتالي :

آلان شوفاليرياس : أمر النميري حينما كان في السلطة في بلادك بأعدام محمود محمد طه وهو مواطن سوداني ماهي المسؤوليات التي كنتم تضطلعون بها في ذلك الوقت؟

حسن الترابي : لم أكن أتقلد اي مسؤوليات.

آلان شوفاليرياس : هل ساندتم قرار النميري، أم قمتم بحملة ضده؟

حسن الترابي : ان الخلاف الذي كان قائماً بين الرجلين يعود لأسباب سياسية.

آلان شوفاليرياس : الشئ المهم هو أن السلطة السودانية أمرت بشنقه بتهمة الزندقة هل أعلنتم بنفسكم في تلك الفترة، بأسم حرية الفكر اعتراضكم على اعدامه؟

حسن الترابي : لم يكن بمستطاع أي احد تحت حكم النميري أن يعبر عن معارضته للسلطة، لقد عرفت محمود منذ زمن طويل، ولم اساند اعدامه، ولم أحضره وكل الناس في السودان كانوا يعلمون أن القضية سياسية بحتة فقد كان محمود محمد طه يسعى لتخريب النظام.

رفض المثول أمام المحكمة وصلاحيات التكفير

يضيف الأستاذ عبدالله الفكي البشير قائلاً: (نشرت صحيفة الأيام في صدر صفحتها الأولى في يوم الأحد 17 نوفمبر 1968م، أي قبل يوم من انعقاد المحكمة والنطق بالحكم، نشرت قائلة: (قال الأستاذ محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري للأيام أنه رفض أن يوقع على طلب محكمة الخرطوم الشرعية العليا له ليمثل أمامها يوم غد الاثنين). وأضافت الصحيفة قائلة:

(وقال إن القضاة السودانيين لا يملكون أية صلاحيات لتكفير أي إنسان أو إعلان ردته عن الإسلام. وقال الأستاذ محمود إن ما يدعون إليه الآن هو الشريعة المرحلية للإسلام وأن موقفهم نفسه يوضح أن مثل هذا الفهم لا يصلح لإنسانية القرن العشرين). وفي عدد اليوم الثاني الاثنين 18/11/1968م، كتب بشير محمد سعيد (1926م-1993م) في مدخل حوار أجراه مع الأستاذ محمود، كتب بشير قائلاً: (رد (الأستاذ محمود) الموظف الذي جاءه رداً (مهذباً) وقاطعاً.. حدثه أنه يرفض المثول أمام المحكمة).

بعد صدور حكم المحكمة صرح لصيحفة الأيام، قاضي المحكمة، الشيخ توفيق أحمد صديق، عضو محكمة الاستئناف الشرعية العليا ورئيس المحكمة الثلاثاء 19/11/1968م قائلاً: (إن المحكمة ستقوم باعلان الحكم للأستاذ محمود محمد طه وله الحق في المعارضة على الحكم في 15 يوماً من اعلانه كما له أيضاً حق الاستئناف لمحكمة الاستئناف الشرعية العليا في ظرف 30 يوماً. وأضافت الصحيفة قائلة وقال القاضي في حيثياته «إن المحكمة استمعت إلى أقوال المدعيين وقد جاءا بشهود أثبتوا ما يفيد بردة المدعى عليه… وقدما كتابين من كتبه. وقال القاضي أيضاً: وبما أن المدعى عليه عاقل وراشد وهو يلقي المحاضرات الواحدة تلو الأخرى فإن أقواله لا يقرها ما أجمع عليه المسلمون من سالف الزمان من عهد النبي وعهد الصحابة).

يقول الإخوان الجمهوريون في كتابهم الموسوم بـ: (مهزلة محكمة الردة مكيدة سياسية: الخلفية التاريخية لمواقف: أ. السياسيين التقليديين ب. رجال الدين والقضاة الشرعيين): قبل انعقاد محكمة الردة بأسبوعين اتصل المدعي الأول في القضية (الأمين داؤود بأعضاء مجلس السيادة في شأن هذه القضية وقد حصل من احدهم ، وهو (الفاضل البشرى) على خطاب بتاريخ 3/11/1968م وقد جاء في ذلك الخطاب من العبارات المبتذلة ما لا يجوز ايراده هنا وقد ختمه بقوله وهو يعني الاستاذ محمود: (أرجوا أن يتخذ الإجراء الرادع ضده). كما اتصل هذا المدعي بقاضي القضاة (عبد الماجد أبو قصيصة) وبقاضي محكمة الردة (توفيق أحمد صديق) ووجد منهما قبولاً وموافقة على رفع قضيته، جاء كل هذا في صفحة 45 الطبعة الثانية من كتاب المدعي الأول الذي اكتظ مهاترة وسباً للجمهوريين فكان عنواناً لاهدار القيم وامتهاناً لأمانة العلم. في هذا الجو، ووسط هذا التحرك السلفي الطائفي قامت (مهزلة محكمة الردة). ويضيف الإخوان الجمهوريون قائلين: وفي يوم الاثنين 18 نوفمبر 1968م انعقدت مهزلة محكمة الردة واستمعت الي المدعيين الأمين داؤود، وحسين محمد زكي وإلي شهودهما عطية محمد سعيد (أخ مسلم)، والزبير عبد المحمود (وهابي)، وعلي طالب الله (مرشد سابق للأخوان المسلمين)، وشوقي الأسد (فقيه)، واستغرقت اقوال المدعين وشهودهما ثلاث ساعات ثم رفعت المحكمة جلستها لمدة ثلث ساعة فقط عادت بعده لتقرأ حيثيات حكمها التي لا تكفي مدة الثلث ساعة حتى لكتابتها، مما يدل على ان الحكم كان جاهزاً ومعداً مسبقاً!!).

الطرف الأغر / الفاتح محمد الامين :صحيفة أخبار اليوم

Exit mobile version