قصة للأطفال فقط
لا تخافوا من الظلام يا صغار ، سيعود النور بعد قليل ، ولكن خلال هذه الفترة تعالوا وألتفوا حولي لنمارس نشاطا منسي ، وإحتياج نسيه الأطفال وزهدوا فيه .. تعالوا لأحكي لكم قصة قبل النوم .. تعالوا لتنشطوا ذلك الجزء الجميل من عقولكم المسمى بالمخيلة والقدرة على الخيال .. أعرف أنكم لم تعودوا تحتاجون للخيال ، لأن اليابنيين تكفلوا بتحويل كل خيالاتكم إلى وحوش خضراء وزرقاء تطلق أشعة الليزر من عيونها وأياديها .. أعرف هذا وأعرف أنكم صرتم سريعي الملل من القصص والقراءة ولم تعد قصص ( الغول ) وفاطمة السمحة تروق لكم أو تخيفكم لأنكم أستبدلتم فاطمة السمحة السمراء الرقيقة ب ( فلة ) وأخواتها ، ولم يعد الغول المسكين يخيفكم لأنكم أدمنتم مشاهدة مصاصي الدماء وأكلة لحوم البشر… سأحكي لكم اليوم عن أبي… أبي الذي كانت له زوجتين وعدد كبير من الأبناء .. أبي الكريم الراقي الحازم الذي عاش عمره كله وهو يسوس أسرته بمنتهى الحكمة ويقودها لبر آمن وسط محيط الحياة الرهيب .. منذ صغرنا وأمي وضرتها في شجار دائم لا يتوقف ، ولكن أبي كان دائم الحسم في حل الخلاف .. وحين تقدمت به السنون وهزمه العجز وجحود أخوتي الكبار الذين كرهوا البيت بسبب المشاكل ، لم يعد يستطيع إدارة البيت فترك الأمر لزوجتيه .. كان يملك طاحونة للدقيق وعدة أبقار وبيتين يسكن كل واحدة منهما في واحد … كنا صغارا مثلكم ولم نكن نشغل بالنا بما يحدث .. أبناء ضرة أمي هم أخوتي ونحن نلعب سويا طيلة اليوم حتى تغيب الشمس … وذات يوم مشئوم مات أبي بإرتفاع في ضغط الدم بسبب شجار الضرتين .. ومن يومها إنقطع الحبل القوي الذي كان يربطنا بشاطئ الأمان وتهنا بلا هدى في بحر بلا نهاية … فقد أقامت أمي وضرتها حائطا بين البيتين قبل أن يجف تراب قبر أبي ومنعتنا أمي أن نلعب مع أطفال ضرتها .. بكينا وصرخنا .. ولكننا كنا صغارا .. إذا أردتم أن تكون لكم كلمة يا صغاري فكونوا أقوياء ولا تكونوا صغارا … إقتسمتا الميراث فأخذت أمي الطاحونة وزريبة الأعلاف وأعطت ضرتها الأبقار .. ومن هنا إندلعت المشاكل مرة أخرى… فقد جاعت الأبقار وماتت ورفضت أمي أن تمنحها العلف ورفضت هي أن تمدنا باللبن .. تدخل الجيران وأخبروهن إن مصلحة الصغار تقضي أن تتعاونا وإلا متنا من الجوع ، ولكن لا حياة لمن تنادي .. جعنا ولم نجد ما نأكله وفسد علف البهائم في زريبته وماتت الأبقار وتوقفت الطاحونة عن الدوران ولم يعد هناك ما يدير البيت القديم غير نار الحقد والضغينة بين ضرتين قتلتا زوجهما وجوعتا أطفالهما بين نيران الكراهية العمياء … لقد عاد التيار الكهربي وأشتغل التلفاز من جديد ، وهاهو المحقق كونان قد توصل لحل اللغز .. أراكم قد أسرعتم له ونسيتم بسرعة قصتي الكئيبة .. هذا جميل .. أنا أيضا تمنيت أن أنساها ولكن هيهات .. صرخنا وقلنا وفعلنا ولكننا مثلكم حتى ونحن كبار .. مازلنا صغارا
الكاتب الساخر : د.حامد موسى بشير