وثيقة الإصلاح السياسي.. مخاوف ما بعد التغيير

[JUSTIFY]عندما أعلن المؤتمر الوطني التعديل في التشكيلة الوزارية الحالية تباينت رؤى المحللين حول أسرار ودواعي التغيير، إذ أنّ البعض يرى فيه صعود نجم العسكريين على حساب القوى المدنية الإسلامية التي شكلت الملمح الأساسي لحكومة الإنقاذ، بينما ذهب البعض إلى أن الأمر ينطوي على (صفقة) مع دول الخليج وربما أمريكا، واشتم فيه البعض رائحة مسرحية، حيث يقول هؤلاء إن الصقور الذين ذهبوا سيحكمون من وراء حجاب مستدلين بالظهور المتكرر للدكتور نافع علي نافع نائب رئيس الحزب ومساعد رئيس الجمهورية السابق، في أكثر من محفل، بينما يستدل آخرون على رجاحة التغيير ونفاذه بالاختفاء الكامل للنائب الأول لرئيس الجمهورية السابق الأستاذ علي عثمان محمد طه من أضواء الدولة والحزب ومهامه وتكليفاته.
مهما يكن من أمر فإن الشارع العريض ينتظر نتائج التغيير الجذري كما سماه الحزب الحاكم حيث تداولت الأوساط الصحفية بالأمس وثيقة الإصلاح السياسي الشامل التي سيطلقها رئيس المؤتمر الوطني المشير عمر البشير وتتضمن إصلاح الحزب والدولة فما هي الأغوار التي بإمكاننا أن نسبرها حول هذه الوثيقة؟ الجنرال صلاح قوش في معرض تعليقه على التغيير كان له رأي صريح حول الأمر عندما طالب (باستكمال التغيير).. رؤية قوش الحاذقة انتقلت لعمق أكثر وهو يطالب بـ “أن يختار هذا الجيل الذي تسنم مقاليد المسؤولية قيادته بنفسه”، في إيحاء واضح إلى أن التغيير تم على أيدي الحرس القديم وليس بإرادة الشباب. ذات الأمر ربما ينطوي على سحب إرادات الشباب وتوجيهها نحو غايات من اختاروهم إذ أن رئيس المخابرات السابق قال أيضا إن التغيير يتطلب “مفاهيم جديدة بموازاة الأشخاص الذين دفعت بهم القيادة نحو المواقع”، ومفاهيم الشباب قد تكون متباينة مع رؤية القيادة الحالية، مما يتطلب بعدا وأفقاً آخر غير ما هو متاح الآن من أفكار، لصالح العملية السياسية برمتها، وأبرزها تحديثات الإسلام السياسي، وإطلاق الحريات، والقبول بالآخر في ظل ما يقال بأنّ التغيير -وإن طال قيادات تاريخية في كابينة القيادة- إلا أنه ما يزال عند قبضته الحديدية ومراوغاته في ما يخص الاتفاقيات الثنائية التي تتضاءل أمام الحل السياسي الشامل للبلاد، وهو ما أوجزه قوش بقوله “المفاهيم القديمة أوصلتنا إلى ما نحن فيه”.
النائب البرلماني عاد للتذكير بأن التغيير الملح والمطلوب ينتظره استكمال تأكيداً لحديث رئيس الجمهورية المشير عمر البشير لدى افتتاح الدورة البرلمانية في أكتوبر الماضي وهو يقول “ترمز الانتخابات إما للتغيير والتجويد أو للتأكيد والتأييد للسياسات والتوجهات والأشخاص”. هذه الذكرى لصاحب الذاكرة المخابراتية ربما ترمي إلى أن تصبح الانتخابات القادمة هدفاً قوياً لرؤية التغيير يمشي برجليه، بينما خروج وثيقة الإصلاح الآن في راهن التوقيت- ربّما تحمل أن فقه الانتخابات وسلوكيّاتها ستتغيّر بالتأكيد إذا ما شملت الوثيقة قانوناً جديداً وممارسة أيضا جديدة.
آخر المحاذير التي رمى بها صلاح قوش قوله “أخشى ما أخشى أن يصرّ الذين ترجّلوا على وجود بصماتهم والتدخل في عمل الجيل الجديد وعدم إعطائهم كامل الحرية في إدارة الشأن العام”.. انتهى حديث الجنرال قوش وبدأت خلفه مباشرة تترى الأخبار، فحسب ما أوردته (اليوم التالي) أمس فإنّ القرارات والتدابير تشمل معالجة قضايا الإعلام وتوسيع مساحة الحريات الصحفية فضلاً عن الحوار مع القوى السياسيّة المعارضة، والمشاركة في الحكومة بشأن الخيارات والسبل المطروحة لكيفيّة أن تكون الانتخابات القادمة نزيهة إضافة إلى النظر في مواعيد قيام الانتخابات.
الصحفي أحمد عبد الله التوم يرى أن أهم ما يجب أن تتضمنه الوثيقة هو الإصلاح الحقيقي للخدمة المدنية لأن معظم معاناة المواطنين تأتي من هذا الباب كما يدعو للتفكير الجاد في إلغاء الحكم الاتحادي والعودة للنظام القديم في تقسيم الولايات والوحدات الإدارية لأن الحكم الاتحادي نظرياً ناجح، وعملياً كما يقول- فشل في تحقيق أهداف التنمية المتوازنة التي عانت منها أطراف السودان المشتعلة حاليا بالحروب والنزاعات القبلية المسلحة، بين كل الذي تم في الأيام الماضية بثقله وحمله والذي يأتي دائما مساحات مشرعة للتساؤل وتداعيات تقبل القسمة على أيام الأسبوع أيها ستبدأ فيه الأرض بالاهتزاز بقرارات جديدة

الخرطوم – حسن محمد علي: صحيفة اليوم التالي

[/JUSTIFY]
Exit mobile version