– أحمد قوم خلاص الساعة بقت تسعة .. إنت ما ماشي الشغل ؟
أحاول النهوض ولكن خيوط النوم تجذبني بإصرار حنون وتهدهدني على حرير أسود لأغوص من جديد في بحر الأحلام … الصوت يأتي من جديد مع يد تهزني بخشونة :
– أحمد … قوم يا راجل حتتأخر كده
كان صوتا أنثويا مألوفا لأذني .. ثم لحظة واحدة .. قوم يا راجل ؟ هذا صوت سوسن .. ونهضت من نومي مفزوعا .. سوسن في غرفتي ؟ .. كانت تقف أمامي ولكن الرؤية كانت مهتزة ومعالمها غير واضحة ، فقالت من جديد :
– ألبس نظارتك
نظارة ؟ لماذا أرتدي نظارة وأنا نظري شديد القوة ؟ واحسست بالنظارة توضع في يدي ، فوضعتها في عيني لتضح الرؤية … كانت تقف أمامي سوسن .. لا ليست سوسن بل أمها .. لا ليست أمها بل هي سوسن .. كانت متقدمة في السن وسمينة وترتدي جلبابا بيتيا مبقعا بالزيت وتفوح منها رائحة البصل والثوم ..صحت مرعوبا :
– سوسن .. الجابك غرفتي شنو وده شنو العاملا في روحك ده ؟
تجهم وجهها فظهرت تجاعيد الغضب حول عينيها وهي تزأر قائلة :
– إنت متزوجني ليك تمنتاشر سنة ما سألتي السؤال ده . الليلة هفت عليك من وين ؟
– أنا متزوجك من تمنتاشر سنة ؟ أنا أمس كنت معاك في الجامعة بنخلص في إجراءات الشهادة
تحركت لترتب الملاءة المكرمشة وتناولني شبشبي وهي تطنطن بكلام لم أفهم منه سوى ( مجنون ) و( مخرف ) … كنت أنا مذهولا مما يحدث .. هل هذه هي سوسن الرقيقة الجملية التي أحببتها فعلا ؟ هل حقا مضت ثمانية عشر منذ زواجنا الذي لا أذكر حرفا عن تفاصيله ؟ .. قالت لي وهي تكوم الملابس في رزمة كبيرة :
– الأولاد ماشين المدرسة ، أديهم مصروفهم
قفزت من مكاني وأنا أهتف :
– أولاد ؟ أولاد شنو ؟ سوسن دي الكاميرا الخفية ولا الحكاية شنو ؟ إنتي متين سمنتي وأتبهدلتي كده ؟
كقاعدة عامة إياك أن ترتكب هذا الخطأ الذي فعلته أنا .. لا تصف فتاة بأنها تقدمت في السن حتى ولو كانت جدتك ، ولا تصفها أيضا بالسمنة حتى ولو كانت مثل فرس النهر .. فجأة ثارت ثائرة سوسن ووجدت كومة الملابس كلها فوق رأسي وهي تشتم بأعلى صوتها :
– إنت جنيت وفطيت سطر عديل كده والله .. من الصباح أنا ساكتة ليك ومستحملة يوميا مساختك دي .. سمنت عشان ما لاقية صالة رياضية تناسبني .. كدي عاين لروحك في المراية وااتكلم بعد داك يا توم كروز
نظرت للمرآة الكبيرة المجاورة للدولاب .. كان هناك رجلا أشيب وشبه أصلع له كرش بارز ويرتدي فانلة داخلية بها ثقب كبير في منطقة السرة ويلبس نظارة كبيرة وينظر لي عبر المرآة … من هذا ؟ هل هذا أنا ؟ مستحيل .. مستحيل .. ونظرت لي سوسن مرة أخرى ثم هزت رأسها وأخذت كومة الملابس وغادرت الغرفة وهي تقول :
– حمادة جاييك أديهو مصروفو خليهو يلحق المدرسة
بعد ثوان دخل صبي مراهق للغرفة .. كان يشبه صورة قديمة لي في المدرسة الثانوية .. سألته مرتجفا :
– إنت محمد ؟
نظر لي بنفس طريقة نظر أمه ورد بلسان أبيه قائلا :
– لا أنا أبو جهل .. الليلة مالك يا حاج ؟
نعم هو إبني .. إجابته وحدها تغنيني تماما عن فحوصات الحمض النووي لإثبات أبوتي له .. ناولته مصروفه فغادر مسرعا وجاء بعده مصطفى ويوسف وطارق وعبد الرحمن وسوزان و فاطمة حتى إنني صحت مذعورا مناديا سوسن ، فهرولت لتجدني أردد :
– نحن إتفقنا على كم ولد وبت يا سوسن ؟ مش قلنا بالكتير تلاتة ؟ ده شنو المنتخب الجاني قبل شوية ده ؟
– وطي صوتك يا أحمد عشان التيمان ما يصحو
صحت فيها :
– جابت ليها تيمان كمان ؟
– وبطريقتك دي حتصحي أمي برضو
قفزت من مكاني وأنا أردد :
– وأمك كمان ؟ خربانة خربانة
ورحت أردد كلمة خربانة والصورة تهتز أمام عيني ، وأنا أستيقظ من النوم وجواري شقيقي يردد :
– قول بسم الله يا معلم الحاصل شنو ؟
رحت ألطم خدودي كزوجة مصرية توفى عنها أبو عيالها ، وأكرر :
– خربانة خربانة
ثم أنتبهت لنفسي ولأخي ولأنني كنت أحلم ، فقلت له بلهفة :
– مصطفى أديني كف عليك الله
طاااخ فعلها الكلب بدون ذرة تردد واحدة ، فتأكدت تماما إنني كنت أحلم… حمدا لله .. سوسن ليست سمينة بعد وأنا لست أصلع بكرش بارز ، لذلك أمسكت بهاتفي لأتصل بسوسن ، وقبل أنا أضغط زرا واحدا جاءني إتصالا منها :
– أحمد .. أمس حلمت حلم مبالغة تعال أحكيهو ليك
قلت لها مسترخيا :
– صدقيني مهما كان حلمك فحلمي أنا حيبقيهو ليك بااااايخ
قالت لي بفرح :
– حلمت إنو عندنا فيلا فيها حديقة كبيييرة
قلت لها بمزاج رائق :
– ده حلمك ؟طيب أسمعي الحلم ده
الكاتب الساخر : د.حامد موسى بشير