شرع في شرح معاناته بصوت متهدّج ملؤه الحزن والحسرة.. تفاصيل الحكاية الحزينة يعيشها قطاع كبير من معاشيي الخدمة المدنية في البلاد: “لا سبيل أمامي الآن للوفاء بسداد الإيجار، تفأجات بنقصان المبلغ المعتاد على صرفه (75) جنيهاً، ولا أعرف كيف سأدبّر بقيّة المبلغ”.. والعبرة تكاد تخنق محدثنا يشير المعلّم الجليل إلى معاناة مستمرة ومتواصلة تعيشها شريحة المعاشيين.. حالة الأسى والغيظ التي سيطرت على الكاظم مردّها إيقاف صندوق المعاشات لمبلغ الـ(150) جنيهاً التي أقرّتها الحكومة في وقت سابق، وبدأت صرفها بأثر رجعي على المعاشيين لمواجهة غلاء المعيشة والارتفاع الجنوني في الأسعار، ولكن في ديسمبر الماضي يتفأجأ المعاشيون بايقاف المبلغ من قبل الصندوق، حسب قوله، دون إبداء الأسباب والمبرّرات الموضوعيّة للخطوة الصادمة، لفئة تعتمد بشكل كلّي على ما يتقاضونه من جنيهات، في تصريف الشؤون الحياتيّة، وتثبيت أركان حائط المعيشة التي انهارت ركائزها بفعل رداءة الواقع الاقتصادي وانعكاساته على شريحة تمثّل نسبة (45%) من عداد الشعب، وتعتبر من أكثر الفئات تضرراً.
الحكومة كثيراً ما أعلنت عن اهتمامها بهذه الفئة، وأصدرت الكثير من القرارات لصالح تخفيف وطأة الغلاء، على من أفنوا زهرة الشباب في الخدمة العامة، ولم يحصدوا في خاتمة المطاف سوى التلتلة والعنت في تصريف وتدبير الاحتياجات الضروريّة. الخطوة المفاجئة التي اتخذتها إدارة صندوق المعاشات والقاضية بتقليل الدعم الذي سبق وأن نفذته الحكومة بواقع إضافة مائة وخمسين جنيهاً بمثابة دعم للمعاشيين وجدت استنكاراً وشجباً كبيرين من قبل المعنيين بالدعم، وثارت حفيظتهم لتقليل المبلغ المعتاد صرفه، لجهة انعكاسه على ترتيباتهم الخاصة وتأثيره المباشر في أوضاعهم الأسرية.
المعاشيون ندّدوا بالخطوة التي لم يجدوا لها المبررات الكافية أو الإجابات التي تشفي غليل التساؤلات وحفيظة الكثير من المتفاجئين ممن كانو يأملون في تقفيل حسابات السنة المنتهية دون أي ديون وبعيداً عن متأخرات الايجارات ودفاتر حساب البقالات.. وفقاً لمحدّثنا فإنّ الخصم الجديد يجعل ما يتحصّل عليه العديد من المعاشيين أقلّ بكثير من الحدّ الأدنى للمعاش المتّفق عليه، والمحدّد بـ(425) جنيهاً لكل من هم دون الدرجة الثالثة، ويشير الكاظم إلى أنّه نزل المعاش، وهو في الدرجة الثانية، وكل ما يتقاضاه يصل لـ(507) جنيهات، كان يعتمد عليها في سداد قيمة إيجار بيت بمنطقة جبرة في خرطوم.
التوهان في بحر التساؤلات الباحثة عن إجابات يصفها النور بأنّها بلا طائل، ويعلّل ذلك بحالة الصمت المطبق من قبل اتّحادهم، واتحاد العمال، ووزارة الماليّة نفسها، التي لم تبرّر أو تبعث بإجابات لتفسير خطوة إيقاف الدعم، الذي أقرّه رئيس الجمهورية في وقت سابق من العام الماضي، واستمر لفترة سبعة أشهر قبل أن يتوقف في عهد وزير الماليّة الجديد بدر الدين محمود، ما يبشّر بفترة عصيبة للمعاشيين تحت ولاية بدر الدين، خاصة وأنّ عمليّة تحجيم الدّعم جاءت مضمّنة في الميزانية الجديدة كما يقول- التي أعدّتها وزارته، وتمت إجازتها من مجلس الوزراء، وذهبت للبرلمان، وهي تأتي منافية للموجّهات التي أصدرتها الدولة بضرورة دعم المعاشيين بعدد من الحزم؛ وفي مقدّمتها الدعم المباشر، ودعم المعاشيين، وبرامج الحدّ من الفقر، ومنحهم سلفيّات ماليّة، ولكن الحصول على السلفيات حسبما يصفه الكاظم- بات ضرباً من الخيال، لجهة صعوبة الحصول عليها، والتعقيدات الكبيرة التي تسبق إجراءات الوصول لتصديقها.
الكاظم نعى – خلال حديثه للصحيفة – اتّحاد المعاشيين، وقال إنّه لا يقدّم أو يؤخّر في قضايا المعاشيين، باعتبار أنّه جزء من مطبخ صناعة القرار التنفيذي، بمشاركته في كلّ المجالس حسب سياسة الحكومة، وهي مشاركة -حسب الكاظم- بدلاً من تقاتل من أجل انتزاع حقوق الشريحة الضعيفة، يكتفي من خلالها الاتحاد بالبصمة فقط على كل القرارات، وأقصى ما يمكن لقادته فعله؛ الاعتراض الشكلي، الذي لا يعني شيئاً، ولا يلقي له بالاً أحد، مع العلم بأنّ قانون الاتّحاد لا يسمح له بالاعتراض وإيقاف القرارات التنفيذيّة.
الكاظم يصف الدّعم المقدّم للمعاشيين طيلة الفترة الفائتة بـ(الطبطبة)، التي قُصد منها تهدئة الخواطر، حتّى تنجلي أزمة سبتمبر، والالتفاف عليها، بأنّها سوف تضمّن في الميزانيّة الجديدة، إلى أن انكشف الأمر بسحب الدّعم والفروقات المتّفق عليها من الميزانية الجديدة، ليصبح مصير المعاشيين (في كفّ عفريت)، وهم يواجهون غول الأسواق، والمديونات التي أثقلت كاهل الكثيرين منهم، خاصّة وأنّ معظمهم لا يمارسون أعمالاً أخرى، ويباصرون بالمعاش الشهري، في انتظار دورة الأيام لـ(الوقفة) في الشبّاك مرّة أخرى
الخرطوم مهند عبادي: صحيفة اليوم التالي
[/JUSTIFY]