الكلام دخل الحوش :الصراع القبلي.. احتمالات التأثير على علاقات جوبا والخرطوم

بدأت تلوح في الأفق تعقيدات الصراع الجنوبي الجنوبي ومدى تأثيره على الأوضاع الداخلية في السودان بعد أن عبرت الحدود قوة معتبرة من أطرافه إلى داخل الأراضي السودانية الأمر الذي اعتبر مراقبون أنه سيكون ذا تأثير على الأوضاع الأمنية. الأمر ذاته استدعى استلاف المقولة الشعبية المشهورة التي تقول (الكلام دخل الحوش) لتوصيف الواقع، ويعود الأمر إلى أن الحدود بين دولتي الجنوب والسودان طويلة للغاية وتمتد من ولاية النيل الأزرق في الشرق إلى دولة أفريقيا الوسطى في الغرب الأمر الذي يشير إلى أن التعقيدات ربما تكون عميقة في حال انتقال الصراع نحو حدود البلدين.
الواقع على الأرض يشير إلى احتدام وازدياد وتيرة الصراع في الأسبوع الماضي بسبب ضربات الجيش الشعبي المتوالية الأمر الذي أدى بدوره إلى تراجع الأداء العسكري لمجموعة رياك مشار المتمردة والتي كانت تسيطر على ولاية الوحدة الغنية بالنفط، والتي أعلن الجيش الشعبي السيطرة عليها مؤخراً.
في الأثناء أعلن العقيد الصوارمي خالد سعد المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية أمس الأول (السبت) أن قوة تقدر بكتيبة مشاة من أبناء النوير دخلت الحدود السودانية قبالة منطقة (هجليج) الخميس الماضي وهي في حالة هروب بعد تقدم الجيش الشعبي لدولة جنوب السودان نحو مدينة (بانتيو) حاضرة ولاية الوحدة الغنية بالنفط.
الصوارمي قال بحسب ما نقلته وكالة السودان للأنباء إنّ القوات المسلحة السودانية تعاملت مع القوة بكل حسم حيث تم تجريد (54) فردا منها من أسلحتهم وتمت معاملتهم معاملة لاجئين، بينما انسحبت بقية القوة إلى داخل دولة الجنوب بعد أن رفضت التجريد وتم طردها، وأكد الصوارمي أن الأراضي السودانية الآن خالية من أي قوات أجنبية وقطع بأن القانون الدولي هو سبيل القوات المسلحة في التعامل مع أي حالات مماثلة. حديث الصوارمي ينبئ بأن تعقيدات جديدة ربما تبرز إلى سطح الصراع المحتدم في الجنوب.
وفي السياق يرى مراقبون أن الأوضاع بين البلدين في واقعها تحتم التعامل وفقا للأعراف الدولية لعدم الانزلاق في بؤر الصراع الجنوبي المحتدم، ولكن ثمة تكامل بين القانون الدولي الإنساني والنظم القانونية الأخرى أثناء النزاعات المسلحة ويهدف كل من القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان إلى حماية أرواح البشر وصحتهم وكرامتهم كما حدث في حالة قوة (النوير) التي عبرت الحدود، كما يوفر القانون الدولي للاجئين الحماية والمساعدة للأشخاص الذين اجتازوا إحدى الحدود الدولية أو اللاجئين في منطقة تشهد نزاعا مسلحا كما حدث للقوة التي دخلت الأراضي السودانية.
اللواء عبدالرحمن مرسال أرباب الخبير العسكري الذي استنطقته (اليوم التالي) حول المسألة قطع بحتمية استمرار الصراع الجنوبي الجنوبي، وتوقع في حديثه أن لا ينتهي الصراع قريبا لسببين؛ أولهما يعود إلى أن دولة الجنوب خرجت لتوها من الحرب وثقافة الحرب لم تنته بها بعد، وثانيهما أن الجهاز السياسي والعسكري في الدولة مبني على القبيلة، فضلا عن ضعف التعليم وتفشي الأمية والقبلية، وأشار إلى أن تأثير دخول الكتيبة التي تتبع للنوير للأراضي السودانية له تأثير على الأمن السوداني، وأضاف: لكن بحسب الأعراف الدولية يمكن أن يعتبروا أسرى في حال أصبحوا يشكلوا خطراً على الأمن السوداني أو يمكن أن يعتبروا لاجئين في حال تسليمهم لأسلحتهم بحسب القانون الدولي، وتوقع أرباب تكرار مثل هذا الأمر وتأزم الأوضاع الأمنية في المناطق الحدودية.
أرباب توقع أن تلقي الأحداث بظلالها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية على السودان لفترة ربما تطول، وأضاف أن تأثيرها سيكون كبيرا على السودان لاعتبار أن لديه مشاكل داخلية الأمر الذي اعتبر أنه يجعل الصورة قاتمة، وقطع أرباب بأن الصراع سينعكس على الاقتصاد السوداني ومناطق البترول وربما سيؤدي إلى تأزيم العلاقات بين البلدين خصوصا وأن مجموعة رياك مشار كانت لها مشكلات كثيرة مع الحكومة السودانية، إلى جانب أنها سيكون لها نصيب في السلطة في دولة الجنوب حال التوصل معها إلى تسوية سياسية، واستبعد أن تحدث المفاوضات الجارية حاليا في (أديس أبابا) تحولا كبير في الأزمة لاعتبار أنها ستكون في شكل هدنة وسيستمر الصراع بعدها باستمرار طموحات السياسيين والنخب وتابع: “أما ألأكثرية الصامتة فهم وقود هذه الحروب والصراعات الطاحنة”، واستبعد تحسين الأوضاع في دولة الجنوب في وقت قريب لاعتبار أنها دولة هشة.
ولم يختلف العميد (م) صلاح كرار الخبير العسكري كثيرا مع أرباب في تحليله، وأشار في حديثه لـ(اليوم التالي) إلى وجود سوابق في مسألة دخول قوات دولة إلى أراضي دولة أخرى وأبان أنه في السابق وفي عقد الثمانينيات تحديدا دخلت قوة سودانية إلى أوغندا وأخرى إلى الكنغو واعتبرها سوابق، وأضاف أن دخول قوات رياك مشار للأراضي السودانية شيء طبيعي واعتبر أن هذا الأمر يتطلب نوعا من الحكمة في التعامل، وتوقع أن تطالب دولة الجنوب بتسليم أفراد الكتيبة الذين دخلوا الأراضي السودانية، واستدرك قائلا: لكن هناك مواثيق وأعرافا دولية يمكن أن تخرج السودان من الحرج، وشدد كرار على ضرورة تجريد القوة من السلاح ووضعها في معسكر خاص ومنعها من التحرك وعدم تسليمها وتبليغ المنظمات الدولية المختصة بالشأن ونبه إلى أن الأمر يحتاج لحكمة.
الصراع الجنوبي في عمومايته يبدو أنه قبلي وهو الأمر الذي اعتبره كرار يتطلب حكمة وحيادية من الحكومة السودانية حتى لا تشعر قبيلة ما بانحياز الحكومة لقبيلة أخرى، واعتبر أن الأمر برمته يحتاج لحكمة سياسية وعسكرية، ولم يستبعد كرار قيام الدينكا بالتوغل شمالا وضرب النوير داخل الأراضي السودانية، وتوقع تكرار الأمر لاعتبار أن الحرب أصبحت قبلية بين (النوير والدينكا) كما توقع حدوث انفلات أمني في الحدود وتخوف من أن تنتقل الصراعات والحروب الداخلية التي تشهدها دولة الجنوب للحدود الممتدة من النيل الأزرق إلى أفريقيا الوسطى، وطالب كرار بتكوين فريق عمل من قدامى العسكريين الذين عملوا في الجنوب أمثال الفريق (السر أبو أحمد) لاتخاذ قرار في أمر الصراع ومساعدة الحكومة على التفكير في المخرج

الخرطوم – عبدالرحمن العاجب: صحيفة اليوم التالي [/SIZE][/JUSTIFY]

Exit mobile version