حسناً؛ المؤكّد بالطبع ضمن هذا السياق أن عبارة أخرى تقول بأنّ “السودان سلّة غذاء العالم العربي”، لا يمكن تصنيفها تحت بند المسكوكات المحليّة.. للدقّة فإنّ المقولة الأخيرة ليست لجهة حكوميّة يمكن القدح في مصداقيتها، ولم تأت في إطار بروبقندا محليّة تحاول سكب جرعات من الفخار الوطني في قلوب المواطنين، ولكنها جاءت ضمن تقارير منظمة الفاو العالمية، إحدى أذرع منظمة الأمم المتحدة، والمعنية بالشأن الزراعي، بعد أن حددت أربع دول يمكنها أن تساهم في حلّ مشكلة الغذاء العالمية وتزايد حجم الفجوة الغذائية لتصل إلى 50 مليار دولار من بينها السودان.
المؤكّد كذلك أن العبارة يتم تداولها منذ أكثر من خمسين عاماً، ولكنّها لم تقفز من مرحلة التداول ولم تتنزل إلى أرض الواقع، رغم الجهود المبذولة، ولكن المعادلة تبدو ناقصة، فالسّودان يمتلك الأراضي، ومصادر المياه، والمناخ، إلا أن البنية التحتيّة التي تحتاج للتمويل، هي ما يعيق تحقق المقولة، في ظل تناقص الموارد المالية.
المال ليس هو فقط ما يقف حجر عثرة في تحقيق حلم السودان والعالم العربي، هنالك ما يعكر صفو الأجواء بين مسؤولي الدولة وأجهزة الإعلام، لذا فإن الدعوة التي حملتها وزارة الإعلام لحضور اللقاء الصحفي الإعلامي التفاكري حول اجتماع المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي سيلتئم بالخرطوم في التاسع عشر والعشرين من الشهر الجاري جاءت لتبين أوجه القصور بين الطرفين، النقاش الذي جمع المسؤولين من العملية الاستثمارية في البلاد والإعلاميين لم يصل إلى مرحلة الاتهامات ولكنه كشف الكثير عن العلاقة غير المتوازية بين الطرفين؛ فالجهات الرسمية ترى أن الأجهزة الإعلامية تركز على سلبيات المناخ الاستثماري وتغفل عن إيجابياته في حين يرى الإعلام أن المعلومات الغائبة من الجهات الرسمية وعدم الاهتمام بالقطاع في ظل معوقات تكبله وقيود تقعد به تجعل من التوتر سمة للعلاقة.
وزراء الإعلام والاستثمار والمالية والزراعة كانوا حضورا وبذلوا مجهودات لشرح الوضع الاستثماري بالبلاد في ظل الحدث القادم والذي يعد إحدى الآليات التي خرجت بها مبادرة رئيس الجمهورية في القمة العربية التي انعقدت بالرياض في يناير من العام الماضي لمبادرة الأمن الغذائي العربي والتي تلخصت في أن يوفر السودان الأراضي والمياه والمناخ وتقوم الدول بالاستثمار في البنى التحتية، ما يميز اجتماع المجلس الاقتصادي الاجتماعي بجامعة الدول العربية أنه يضم وزراء المال بالدول العربية والصناديق العربية.
الاجتماع الذي اعتبره مصطفى عثمان إسماعيل الوزير بالجهاز القومي للاستثمار أهم اجتماع يعقد في الخرطوم منذ الاستقلال وستبدأ فعاليته ابتداء من مساء الأحد القادم بمخاطبة الأمين العام لجامعة الدول العربية ورئيس الجمهورية وتستمر حتى يوم الاثنين باجتماعات اللجنة الوزارية، سيعمل على وضع خارطة طريق لكيفية إنزال مبادرة الرئيس إلى إرض الواقع والخروج بقرارات وتوصيات لتحديد المشروعات التي من شأنها أن تحقق حلم الاكتفاء من الغذاء عن طريق السودان وبمعاونة الدول العربية لتحقيق توازن المعادلة المطلوبة.
إسماعيل يرى أن مشاكل الاستثمار في السودان طبيعية وتتعرض لها معظم الدول الأوروبية والأفريقية والآسيوية بما يدفعه للاستغراب من تركيز الأجهزة الإعلامية على سلبيات المناخ الاستثماري دون النظر إلى الإيجابيات، وهذا ما دفعه لعرض تقرير نشرته وكالة رويترز عن هروب بعض الاستثمارات الخليجية وسحب رؤوس أموالها من بعض الدول الأوروبية والأفريقية بسبب مشاكل أمنية وإدارية ومحاولة الاستثمار في دول أخرى دون أن تركز وسائل الإعلام على الحدث..
ووفقا لإسماعيل وحديثه خلال اللقاء فإن للإعلام دورا كبيرا في تهيئة المناخ الاستثماري وهو ما يعول عليه أثناء اجتماعات المجلس، ويؤكد في الوقت ذاته أنهم وضعوا معالجات لكافة المشاكل الإدارية ومشاكل الأراضي ومشاكل الجبايات والنافذة الواحدة، وفي الوقت ذاته أقر بعدم وضع حد لكل المشاكل، وقال: “لا نريد أن نقول لا توجد مشاكل” في ظل تحديدهم لـ(35) معوقا.. موضحا أن ثمة معوقات يصعب حلها لجهة أنها مرتبطة بالدستور مما يجعل الدولة تضع حلولا مؤقتة لحين إعداد الدستور بجانب معوقات مرهونة بالوضع الاقتصادي الذي يحتاج لوقت إلى حين إصلاحه.
إبراهيم محمود وزير الزراعة يؤكد أن مستقبل السودان الاقتصادي يكمن في القطاع الزراعي واعتبره إحدى بضائع السودان التي تحتاج للتسويق ويشير إلى أن المناخ المتوفر الآن بالبلاد موات لتحقيق الأمن الغذائي في ظل تضاعف أسعار المحاصيل والتنافس عليها بعد الكثافة السكانية المرتفعة مما يمكن السودان من الاستفادة من مساحاته في زراعة المحاصيل بالإضافة إلى توفر التقنيات.
ولفت محمود الانتباه إلى وجود 40 مليون فدان صالحة للإنتاج سنويا تمكن من رفع الإنتاجية في ظل زيادة إنتاج الجوال لتصبح الحصيلة النهائية 40 مليون جوال مما دعاه لحث المواطن السوداني على الاستفادة من مدخراته في القطاع الزراعي بدلا من بناء العمارات.. وكشف عن أن السودان عمل على منح المستثمرين في القطاع الزراعي مليون فدان لاستثمارها.. ولم ينس محمود أن يعرج على المشاكل التي يجابهها مشروع الجزيرة وهو يبدي أسفا على ما آل اليه المشروع ولكنه في ذات الوقت يحمل المزارع في مشروع الجزيرة جزءا من مسؤولية عدم تحقيق المشروع إنتاجية عالية مؤكدا أن (الدولة عملت بنية تحتية تمكن القطاع الزراعي من تحقيق أعلى الإنتاجيات).
وزير الدولة بالمالية محمد يوسف كشف عن أن حجم الفجوة الغذائية العربية وصل إلى 50 مليار دولار يمكن للسودان يستفيد منها في تغطية عجز الإيرادات إذا أحسن توظيف الإيرادات من خلال فتح أسواق للصادرات وزيادة دخول المواطنين وزيادة الناتج المحلي الإجمالي وقال إن الإمكانيات حقيقية وليست خيالا مبينا أن الاجتماع جاء لسن قرارات وسياسات تعين على تنفيذ مبادرة الرئيس، يوسف يؤكد أن مشاكل سعر الصرف في الطريق للحل عبر السياسات المالية والنقدية الجديدة مبديا تفاؤلا بأن تحل هذة المشكلة في القريب العاجل.
فيما انحصرت مداولات الإعلاميين حول ضرورة البحث والعمل على اجتذاب استثمارات تعالج الأزمات الكلية بالبلاد علاوة على أهمية توفير ضمانات حرية رؤوس أموال المستثمرين متى ما أردوا ورفع القيود عنها مع ضرورة اتساق السياسة الخارجية للدولة مع ما تنادي به الدوائر الاقتصادية وبحث كيفية تنفيذ الرؤى والأفكار والانتقال إلى تنفيذها على أرض الواقع بجانب أهمية إبراز تحسين الصورة الذهنية عن السودان وأهله لدى المستثمرين العرب بأن ثمة تغييرا فعليا قد طرأ على السودانيين مع التأمين على أن الاستثمار يشكل الحل للسودان والعالم العربي علاوة أهمية خلق علاقات استراتيجية مع صناديق التمويل العربي
الخرطوم- نازك شمام: صحيفة اليوم التالي
[/JUSTIFY]