ليسوا جميعا تنابلة

[JUSTIFY]
ليسوا جميعا تنابلة

وأسوأ نماذج عربية التقيتها في لندن، هي تلك التي حصلت على حق اللجوء السياسي بالأوانطة، وكي لا أطلق الحديث على عواهنه، أقول بقلب جامد ان ٩٠% من السودانيين الذين يتمتعون بحق اللجوء السياسي في لندن «لاجئون اجتماعيون»، ولا يعرفون – أو تفرق معهم ما إذا كان رئيس السودان الحالي هو عمر البشير أو أبو الجعافير، ووصمتهم بالسوء لأنهم بعد انكشاف ألاعيبهم تسببوا في حرمان مستحقي اللجوء السياسي – لأنهم ملاحقون ومهددون بالسجن أو ما هو أسوأ – من الفوز بذلك الحق، ولأنهم يستمرئون حياة التبطل والعيش عالة على دافع الضرائب البريطاني، واللاجئ السياسي ينال الجنسية البريطانية بعد انقضاء سبع سنوات كحدّ أقصى على نيله حق الإقامة في البلاد كلاجئ، ولكن هناك كثيرون من تلك الفئة أدمنت التنبلة، وبمجرد حصولهم على الجواز البريطاني، يقومون بتسجيل أسمائهم في هيئة الضمان الاجتماعي لينالوا مساعدات اسبوعية مع سكن مجاني بوصفهم عاطلين عن العمل، وحقيقة الأمر أن كثيرين منهم لا يجدون أعمالا لأنهم – ببساطة – لم يكتسبوا أي مهارات خلال سنوات التنبلة والعيش كلاجئين، وحتى من كانت لديه صنعة قبل دخول بريطانيا لا يجد صاحب عمل يرحب به لأنه – ببساطة أيضا – لم يكسب من الإنجليزية سوى «ثانك يو» وينطقها «سانك يو» وهي أقرب الى الدعاء على الإنسان بـ «الله يغطسك» لأن سانك هي صيغة الماضي لـ«سنك» بكسر السين ومعناها يغطس ويغرق، ويغيظني بالمقابل أنه ما من حكومة – بما فيها الحكومة السودانية – تسببت في لجوء بعض رعاياها الى لندن، إلا وتحدثت عنهم بلغة «أولئك المرتزقة الغارقين في نعيم فنادق لندن»، مع ان الحكومة البريطانية لا تختار للاجئين إلا البيوت المكعكعة في الأحياء الشعبية، وبشكل خاص تلك المساكن التي تشيدها المجالس المحلية وتسمى الواحدة منها (كاونسل هاوس)، والله لا يوريك نوعية سكانها من الشباب الفالتين من كل الجنسيات.

وهناك نماذج مشرفة لشباب نالوا اللجوء السياسي أو الاجتماعي (هذا النوع من اللجوء على أمل الهرب من الفقر وبؤس الحال)، فتجد الواحد منهم يجمع بين وظيفتين، ومنهم من يعمل ويدرس، ومنهم من يعيش على حافة الفقر بالمعونة الأسبوعية ويكرس وقته وجهده لنيل درجات أكاديمية عالية، وبعضهم نجح في الانتقال من فئة مستحقي الزكاة الى فئة مخرجي الزكاة، لأن قلب الواحد منهم حار وحامي ويتذكر لعمر الفاروق رضي الله عنه، مقولته الشهيرة إنه يسأل عما إذا كان للرجل حرفة، «فإن قالوا لا، سقط من عيني»… وهناك نماذج مشابهة في التنبلة والعصامية وسط كل اللاجئين العرب من صوماليين وعراقيين وغيرهم، ولكن ظاهرة التنبلة لم تتفاقم الا في التسعينيات، وقبلها كان جميع طالبي اللجوء العرب من المطاردين والمغضوب عليهم من قبل حكوماتهم.

ويغيظني أكثر أن بعض التنابلة الذين يعيشون عالة على حكومة وشعب بريطانيا لا يفوتون فرصة من دون شتم البريطانيين: أولاد كلب.. عنصريين.. متغطرسين!! فعلا بعضهم كذلك، ولكنك لست مجبرا على البقاء في بريطانيا، فلماذا لا تذهب الى بلاد «أولاد الناس المتواضعين»؟ ولا تنه عن شيء وتأتي مثله فالاستعلاء العنصري والقبلي والجهوي، هو الذي جعل بلداننا تفرمل عند عصر البخار.. في السودان الذي اشتق اسمه من لون بشرة أهله، هناك من يعتبر ذوي الأصول الإفريقية الصرف قوما ذوي مرتبة متدنية في السلم الاجتماعي لا تجوز مخالطتهم والتزاوج معهم، وفي الخليج تسمع كثيرا عن المواطن الأصلي والمواطن الـ«نُص كم»، وللمرة الدشليون أذكركم بعنترة بن شداد الذي كان قومه يستنجدون به كلما تعرضوا لغارة فيفتك بالغزاة، وحسب المسكين أنه بحكم أنه فارس بني عبس يستطيع أن يقترن بواحدة من بنات القبيلة، فكان مصيره الحبس والضرب.. ويا ما في كل الدول العربية عناتر، تحجب قاماتهم الشامخة قرص الشمس، ولكنهم يبقون اجتماعيا في الحضيض لأن الشمس شوت وشوشوت جلودهم.
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]

Exit mobile version