من الواقع روايات كثيرة نسجت، وقصص واقعية مشهودة، أصبحت حدثاً تتناوله مجالس الولاية، وكان أول حدث تلقته (الإنتباهة) من مصدر ذي صلة بالحادثة أفادنا بخطف طفل من قبل عصابة الاتجار بالبشر، وتعود التفاصيل بعد نهاية اليوم الدراسي خرج الطفل ليعود إلى منزله حيث تم خطفه، في الشارع العام، علم ذووه بالحادثة من قبل زملائه وسرعان مادونوا بلاغاً بقسم الشرطة وأفاد المصدر أن أصحاب الجريمة علموا أن الطفل يمت بالقرابة لشخص نافذ في الحكومة وفي نهاية اليوم عاد الطفل إلى أسرته، وهذا مما يعاني منه مواطنو كسلا الخطف والاتجار بالبشر.
صورة أخرى كشف أحد المسؤولين بإحدى المؤسسات الحكومية أن حكومة كسلا تعاني في حماية حدودها، وعندما تدخلت في ذلك اتخذت قراراً منع مطاردة أي عربة تدخل حدود كسلا بواسطة التهريب، وجاء هذا القرار بناءً على الحادثة التي شهدتها المنطقة، راح ضحيتها شاب يتبع لإحدى القوات النظامية على أثر إطلاق نار من قبل أحد المهربين، وأكد وجود مشاجرة تمت بينهم عند الدخول إلى كسلا، وبعدها تدخل الوالي وأصدر قراراً بمنع مطاردة المهربين بعد عبورهم الحدود فيما يبدو بغرض الحفاظ على الأمن والأرواح.
غياب الرقابة داخل سوق كسلا ينتابك الإحساس بالرعب وعدم الأمان، والموجودون داخله ليس هم قبائل الهدندوة والبني عامر والزبيدية وحدهم ولاتحس أنهم أهل البلد بل اختلط الحابل بالنابل، إنه سوق يجمع الكل، الأغلبية يحملون السلاح الأبيض وآخرون يحملون الأسلحة الحديثة ويصفون بتجار التهريب، بعضهم أثرياء ويمتلك معينات التهريب ويظهر ذلك من مظهرهم وعربة البوكس الفارهة المحملة بالبضائع المهربة التي تدخل كسلا فجراً، وينتظرها التجار للتسويق وعادة ما تحوي جميع أنواع حبوب زيادة الوزن والكريمات المفتحة للبشرة والموبايلات الصينية والإلكترونيات التي تباع بنصف سعرها الحالي، وتجد صاحبها يقف جوارها مطمئن أنه نجح في إنفاذ المهمة المخالفة للقانون، وعندما تسمع همس السماسرة والموزعين يشيرون إلى أن التهريب وصل، يقفذ السؤال عن الجهة الرقابية المسؤولة عن السوق، ولماذا كل هذه التجاوزات، والمعروف أن المهربين معظمهم شباب عطالى اختاروا هذا الطريق الذي يوفر لهم العائد المادي الأوفر.
فوضى تحاصر السوق وكشفت الجولة الواسعة التي قامت بها (الإنتباهة) داخل سوق كسلا، تردي الأوضاع البيئية، وتراكم النفايات والأوساخ أمام المرافق العامة في واجهة السوق فهنالك عدم تنظيم وعشوائية في سوق الخضار الذي يفرش فيه البائعون بضائعهم على الأرض، وشاهدت أيضاً فوضى عارمة بموقف المواصلات الداخلية في التنظيم، وتكدس السوق بعربات الكارو التي تستخدم لحاجة المسوقين وتجوالها في الممرات الضيقة أمام المرافق العامة هذا مالفت نظري، وسألت المواطن عوض إبراهيم الذي يعمل داخل السوق فقال إن السوق لم ينتظم بسبب عربات الكارو لذلك ازدادت الفوضى، وقال إن المحلية لا تتعامل مع مشكلاتهم وفق ما تستحق مثل اهتمامها بالسياحة وغيرها، وقال من الأفضل أن نبيع عشوائي بدلاً من التهريب والاتجار بالبشر وبيع الأعضاء الذي أصبح مهنة لبعض الشباب نسبة لقلة الوظائف، ولاحظت (الإنتباهة) خور الرشايدة من الجهة الغربية للسوق مغلقاً بالأوساخ من بقايا فضلات المطاعم، إضافة إلى الفراشين على قارعة الطريق وسألتهم فجاء الرد: (هذا مقرنا والمحلية تأخذ أجراً على ذلك).
زقاق الدجالين ما بين الدجال والوداعية جوار المستشفى من الناحية الغربية تجلس امرأة في الشارع العام وبالقرب منها وداعيات أخريات، تضع لنفسها مقرًا ثابتاً لتمارس فيه مهنتها، وهي (الودع) ويجلس جوارها بعض من الرجال لانتظار دورهم، قيمة الدفع (2) جنيه للشخص الواحد، شجرة كبيرة تجمعهم، لم تسمع ما تقوله لهم فإن حديثها به همس شديد، جلستُ جوارها ووضعت الودع على الأرض وقالت لي: أولادك عيانين ومسحورين، من هنا اتضح لي أنها محتالة والغرض واضح وقادني فضولي الصحفي إلى سوق الدجالين، وهو ممر شيِّدت به رواكيب صغيرة ويعرض الكل بضاعته على الملأ، جلست إلى أحدهم، سألته ماذا تفعل رد قائلاً: (كل شيء طيب) وأوهمته أن اطلع على حظوظي فبعد أن نظر في إحدى الكتب قال لي (إنتي طاشة شبكة وخارج البرمجة وعشان تدخلي الشبكة تدفعي «50» جنيهاً لزوم العلاج)، ذهبت وفي مخيلتي سؤال لماذا يُسمح لهم بذلك وهل يدفعون رسوم أرضية للمحلية، وهل وجودهم لا يشكل خطراً بخلق الفتن والمشكلات، ولماذا تصمت السلطات ذات الصلة عن مثل هذه الممارسات الاحتيالية والمتصادمة مع العقيدة.
من داخل المستشفى عند مدخل البوابة الغربية لمستشفى كسلا، كان المشهد واضحاً لا يحتاج إلى تفسير، مياه الصرف التي برزت إلى السطح وأطاحت المساحة المحيطة بها، ورائحة نتنة، وبعد خطوات سير إلى الداخل تبدو الحقيقة واضحة أمامك، أكوام من قمامات الفرش المتهالك، ومروراً إلى الحمامات التي تستوقفك من الخارج، مباني متهالكة ومتصدعة وعنابر مزدحمة بالمرضى.
مخزن الأدوية مكتب المدير الطبي لمستشفى كسلا، الصديق إبراهيم رفض التحدث للصحيفة بحجة أننا لا نحمل تصريحاً من وزارة الصحة، فأسرعت إلى وزارة الصحة بولاية كسلا وأتيته بتصريح. فدعانا إلى الجلوس داخل مخزن محمل بكراتين الأدوية يسع مساحة كرسي يجلس عليه وآخر للضيافة، واستهل حديثه لـ «الإنتباهة» أنه لا يمتلك مكتباً، وقال إن أسباب تدهورمباني المستشفى وتصدعها هو فيضان القاش من عام «1995» ففي ذاك الوقت تعرضت المستشفى لانهيار وأصبحت المباني متهالكة ولم تنفع الصيانة، وأضاف أن هنالك منظمات قدمت المساعدة لعنابر التغذية، وتأهيل الحوادث من صندوق التنمية بمبلغ ثلاثة مليار، وقال كونا لجنة لتقييم العمل في جميع المستشفى، ولكن العمل لم يكتمل بسبب أن الشركة لم يتوفر لها الأجر المادي، وأشار أن قيمة استهلاك الكهرباء في الشهر الواحد تقدر بقيمة «50» مليوناً وتحاسب بالمعيار التجاري وتدفع من مال تسيير المستشفى، وقال هنالك مشكلات تواجه العمال كما أن أعدادهم غير كافية، والعاملين أعمارهم كبيرة في السن، ولم يخضعوا للمحاسبة الإدارية، لذلك البيئة متردية، وأضاف نعاني من خلل في نظام الدخول إلى المستشفى، وهنالك فوضى في تحصيل الرسوم التي لم تحسم بسبب نقص الإيراد اليومي لتذاكر الدخول، ويتفاوت الإيراد مابين «04 ـ 09» مليوناً «بالقديم» وهذا خلل مالي مسؤولة منه إدارة المستشفى، وأضاف أن هنالك نقصاً في الكادر الطبي والتخصصات، وأدوية الطوارئ غير متوفرة، رغم أن المستشفى مركزي يجمع بين حلفا والقربة وود الحليو وشمال الدلتا وجميع القرى المجاورة، وقال هنالك نقص في الأجهزة جميعها والعلاج الطبيعي، ولا يوجد مكتب خاص بالأطباء، وأردف «إنتي شايفة بنفسك المدير الطبي لا يوجد لديه مكتب، أضع كرسي مع كراتين الأدوية»، ومن مهددات المستشفى الصرف الصحي الذي يطفح كل حين دون معالجة جذرية، إذ أن ذلك يحتاج إلى مال، وعبر «الإنتباهة» نطالب حكومة الولاية ووزارة المالية ووزارة الصحة بتوفير أدوية الطوارئ لمجابهة الخريف، والنظر في أمر المستشفى وحل مشكلاته.
عملية جراحية (نحتاج لعمليات جراحية مؤلمة لتنظيم السوق، كما نحتاج أيضاً لجهد مكثف من أمن الولاية، لمنع جرائم التهريب التي اجتاحت المنطقة، أو نضع الحبل على الغارب) هذا ما قاله معتمد كسلا حسن الشريف الطيب لـ «الإنتباهة» بعد أن وقفنا على أوضاع السوق، واستمعنا إلى حديث المواطنين، كان أول سؤالنا له هل أنت تمتلك سبع عربات كارو تعمل داخل السوق لصالحك الخاص، وتستلم الإيراد نهاية كل يوم؟ صمت برهة ثم جاء رده أنا أرفض الإجابة عن هذا السؤال. أما بالنسبة لعدم التنظيم والعشوائية فمحتاجين لحملات تفقدية مكثفة، وأضاف هنالك ضرر كبير على المواطن لكن مهمتنا أن نصرح بالعمل، وأصبحنا بين اثنين التنظيم أو معالجة العمل، وعملنا على تنظيم المواقف تفادياً للزحام ونشطنا العمل بالأسواق الفرعية نسبة لتفادي الضرر والزحام، لم يستمر ذلك كثيراً ورجعت العشوائية نسبة لقرب المسافة، وأضاف بالنسبة لمجاري الخريف أن المياه تأتي من خور الختمية الذي تندفع منه المياه من الجبل وهذا ما أدى إلى عدم تنظيم نظافة المصارف، وهنالك شركة تعمل في تجهيز المصارف، ولكن لم تباشر عملها نسبة لعدم الميزانية الكافية، وأضاف لنظافة السوق لدينا ثلاث دوريات في اليوم لكن سلوك المواطن هو السبب في ذلك، أما عن قضية التهريب ومعالجاتها فقال إن مشكلات كسلا كثيرة تتمثل في التهريب والجريمة والاتجار بالبشر، وبعض الشباب يعملون من أجل توفير المال فلابد من وضع خطة أمنية لحماية الحدود نسبة لتفادي ضياع بعض الشباب والعمل على انتشالهم من الضياع، وأردف قائلاً: إن هنالك خطة أمنية في دور الترتيب، لحل هذه القضية المستفحلة.
نقص بالجملة جولة المستشفى دفعتنا بتغيير اتجاهنا إلى وزارة الصحة بولاية كسلا والتقت «الإنتباهة» وزير الصحة ولاية كسلا محمد عبد الله درف الذي ابتدر حديثه أن المستشفى يفتقد الكثير من المعينات بما فيها العلاج وتحديدًا الأدوية المنقذة للحياة وأدوية الطوارىء لمجابهة الخريف، وقال إن مستشفى كسلا مركزي يجمع جميع مرضى القرى المجاورة، لذلك تجده مزدحماً، وأضاف في فصل الخريف نكون أكثر حاجة لتوفير الأدوية المنقذة للحياة وأدوية الطوارىء والكادر المعالج لمجابهة المرضى، وقال درف إن حكومة الولاية المركزية لم تدعم المستشفى لذلك لا بد من العلل التي تصاحب أدائه، أما عن وزارتي فهنالك ترتيب بصيانة بعض العنابر داخل المستشفى وخطة لتوفير الأدوية الشيء المستطاع لنا.
أخيراً بعد هذه الجولة الميدانية بولاية كسلا في عدة مرافق بل في الشارع العام نأمل أن تجد ملاحظاتنا ومشاهدتنا الاعتبار وألا ينظر لها من واقع حمية الدفاع وإشهار مرافعات التبرير والنفي.
صحيفة الإنتباهة
عوضية سليمان