وباشتعال الصراع الجنوبي قال كثير من المتابعين للملف ان السودان أتته فرصة كبيرة للعب دور إيجابي يعيد ما حُرق من كروت خارجية وداخلية. لذلك جاءت زيارة الرئيس البشير لجوبا مؤخراً لطي الأزمة بينه وبين مخالفيه من قوات المعارضة بقيادة مشار وآخرين. واستطاعت الزيارة ان تحرز أهدافاً سهلة في مرمى السياسة الخارجية بعد أن رحب المجتمع الدولي بتلك الزيارة ومخرجاتها لتأتي التصريحات منه بأن السودان وحده يستطيع لعب دور مقبول به من قبل الطرفين يمكنه أن يعيد الهدوء والاستقرار والأمن للجنوب لحيادية الجانب السوداني بحسب تلك المصادر التي أشادت بالسودان ودوره المرتجى في إطفاء حرائق الجنوب الدولة المنفصلة عنه حديثاً وفقاً لاتفاق السلام الذي وقع بين الطرفين المتصارعين وقتها الحركة الشعبية وحكومة السودان. في وقت أعلن فيه المبعوث الامريكي الخاص للسودان وجنوب السودان برينستون ليمان عن أسفه للدور الامريكي المخزي من ازمة الجنوب ناقماً على ما اعتبره تقصيراً من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي من الأزمة وتدهور الاوضاع هناك. وفي منحى آخر أشادت الخارجية الامريكية بالجهود التي يبذلها الرئيس عمر البشير لحل النزاع في دولة الجنوب، وقالت المتحدثة باسم الوزارة جيفير بساكي للصحفيين حسب معلوماتنا على الارض لا شيء يدل على ان السودانيين يلعبون دوراً سلبياً وهم يعملون من أجل مفاوضات سلام بين المتنازعين في جنوب السودان. وحول ما أن يكون هذا الموقف مدخلاً لتطبيع واعادة العلاقات السودانية الامريكية من واقع حسن النية والتوجه الذي أبداه السودان من الأزمة الجنوبية يضيف الخبير الاستراتيجي الامين الحسن لـ «الانتباهة» بقوله إنه عندما قام السودان بهذا الدور تجاه دولة الجنوب لم يكن يأمل في انتظار إشادة من المجتمع الدولي أو الولايات المتحدة وغيرها وذلك لأن دعم السودان لدولة الجنوب جاء انطلاقاً من المسؤولية الاخلاقية تجاه الجوار سيما وان الجنوب كان يومًا جزءاً من السودان الموحد قبل الانفصال وهناك الكثير من العلاقات والمصالح المشتركة التي تحمل السودان للوقوف مع الجنوب في محنته في وقت تراجعت فيه أدوار دول الاتحاد الاوربي والولايات المتحدة التي اكتفت باجلاء رعاياها وتقديم بعض المساعدات للمتأثرين في وقت كان باستطاعتها بما تملك من إمكانيات وآليات ونفوذ أن تؤثر في الاطراف المتصارعة بالضغط على مشار ورفاقه بجانب ضغط موازٍ على الحكومة الجنوبية لقبول الآخر والجلوس حول طاولة مفاوضات لتجنيب الدولة الوليدة مخاطر الانزلاق في اتون حرب أهلية، ولكن واشنطن اكتفت بالوقوف حتى انجلاء المعركة الدائرة بين الطرفين وانتظار ما ترسو عليه الاوضاع حفاظاً على مصالحها. وأضاف الحسن أنها اكتفت باطلاق دعوات المناشدة للسودان على وجه الخصوص للوقوف بجانب الفرقاء حقناً للدم الجنوبي وهي تدرك تماماً أن السودان يهمه في المقام الاول استقرار الاوضاع الامنية بالجنوب لما في ذلك من تأثير على مجمل الاوضاع الداخلية . ويقول الامين إن واشنطن أدركت حساسية العلاقة بين الخرطوم وجوبا ومصالحها المشتركة داعية للحفاظ عليها من خلال استقرار جوبا الذي سيأتي عبوراً من الخرطوم. وتوقع الحسن أن تشهد علاقة الخرطوم وواشنطن إثر هذه التداخلات ان تعرج على منعطف ربما يشهد فيه البلدان تطبيعاً للعلاقات المشتركة لجهة أن الخرطوم أظهرت شجاعة فائقة في دعم العملية السلمية في الدولة التي انشقت عنه حديثاً وهذا بدوره يؤكد أنه لا يدعم الارهاب كما يزعم الغرب.
بينما قال بعض الذين خالفت توقعاتهم الاتجاه الامريكي من الأزمة في جوبا وإشادته بالخرطوم لموقفها الراسخ والواضح هناك من أن هذه الخطوة ربما دفعت بالعلاقات المتعثرة بينهما في اتجاه التكامل وبالتالي الافراج عن السودان وفك الحصار عنه بعد أن كشفت الأزمة أن الخرطوم ليس لديها ما تخفيه تجاه علاقاتها الخارجية وهذا ربما سرَّع من وتيرة انفراج الأزمة بين الخرطوم وواشنطن قريبًا بحسب تلك القراءات. فهل قادمات الأيام ستظهر واقعية وصدقية تلك السيناريوهات أم أن الموقف لا يعدو أن يكون مفارقات سياسية تخضع فيها لاتجاهات المصلحة وغيرها من المواقف المشتركة.
صحيفة الإنتباهة
عبد الله عبد الرحيم