بينما كشفت الأيام السابقة عن تسريبات كثيرة تكشف من الذي يتآمر و من الذي يريد أن يسيطر و يتحكم و يحرك الأبواق لتسويق خططه الخبيثة . في آخر تسريب طلب السيسي من مثقفي الإنقلاب و إعلامييه أن يقودوا حملة لتحصينه بالدستور ليضمن إما الرئاسة أو وزارة دفاع أقوى منها . و قد استجاب بعض الإعلاميين و على رأسهم محمود سعد الذي بارك الطلب و برره و بالتأكيد ستقوم لجنة الدستور التي عينها بالإستجابة للتوجيه بالكيفية المناسبة التي تتفادى حرج الإستجابة الحرفية بعد افتضاح الأمر .
فالرجل لا يريد أي مفاجآت قد تعرقل مسيرته وواضح من التسجيل أنه سيترشح للرئاسة و طبعاً ليفعل ذلك سيتخلى عن منصب وزير الدفاع ثم يحجز المنصب لنفسه ليعود إليه مرة أخرى في حالة عدم نيله للرئاسة ! رغم أن احتمال عدم فوزه بالرئاسة ضعيف جداً في ظل عزل و محاصرة التيار الرئيسي الذي سيقاطع الإنتخابات، و في ظل عدم وجود منافس من التيار الآخر يجرؤ على الترشح ضده اللهم إلا إن أتى هو بمن يمثِّل دور المرشح الآخر الذي سيكون آخر كومبارس في مسرحية الممثل العاطفي .
في حقيقة الأمر فإن السيسي هو من أعطى نفسه ثلاث تفويضات لعزل الرئيس و لقتل أنصاره و لترشيح نفسه للرئاسة فهو من صنع حشدي التفويضين الأولين و هو من يشرف على إئتلاف حملات دعم السيسي رئيساً . و هو ضمن التحصين بالدستور، فبذلك يمكن القول أن دولة السيسي بُنيت على أربع : ثلاث تفويضات و تحصين ، و الأربع صناعة سيسية بحتة ، فالممثل العاطفي يجيد توظيف الكومبارس و إنتقاءهم بحسب الغرض الذي يريده . هذا إذا لم تسفر الفترة القادمة عن مفاجآت جديدة تضيف ركناً أو أركاناً أخرى لبناء دولة السيسي .
لقد عانت مصر بعد الثورة من عدة أمراض طبيعية ملازمة للثورات و حالات الإنتقال و كانت تتعافى منها تدريجياً و لكنها الآن مصابة بمتلازمة السيسي ( CC Syndrome ) بأعراضها المتعددة و يبقى الأمل في الشفاء ما بقي الشعب صانع الثورة . السيسي ينفي تهمة الإنقلاب ويبتدع الإنقلاب المموه الذي يظهر فيه طرطور يؤدي مهمة المحلل المستعار في فترة إنتقالية يتخلى بعدها القائد عن العمل من وراء الستار الشفاف .
هل هناك إمكانية ، و لو نظرية ، لسقوط مرشح يطلب التفويض وراء التفويض و يصنع حشداً يدعي أنه حشد التفويض ، و يضيف ، في آخر بدعة ، طلب التفويض من القوات المسلحة للترشح ؟! كيف تكون ديمقراطية هذه التي يخوض الإنتخابات في ظلها مرشح يدعي أنه مفوض من الشعب و الجيش ؟! ثم من هو المنافس الذي سيخوض الإنتخابات في مواجهة “الشعب” و “الجيش” ؟! خاصة إذا علمنا أن كل المرشحين المحتملين من القوى المؤيدة للسيسي يقولون أنهم لن يترشحوا في مواجهته ، و أن التيار الرئيسي لمعارضيه ممنوع من العمل السياسي بحكم القانون بعد دمغهم بالإرهاب ! في ظني أن السيسي سيكمل مسرحية “غسيل الإنقلاب” التي تقوم على مبدأ غاية في السذاجة : إنقلاب مموه يرتدي رداء ثورة يتولى الحكم فيه رئيس مؤقت يتولى سلطة رمزية لغرض تسليم السلطة رسمياً لصاحبها الأصلي . و المعضلة الوحيدة التي سيجتهد السيسي و من معه في حلها هي البحث عن محلل آخر يخوض الإنتخابات ضده و يكون صاحب اسم يعطي المنافسة شئ من المصداقية .
و المعضلة الأكبر أنه لن يجد من يؤدي هذا الدور من القوى المناوئة للإنقلاب و ربما يلجأ إلى حيلة بدأ التخطيط لها مبكراً و هي صناعة خلاف أو تنافس وهمي بينه و بين سامي عنان ليقوم الأخير بالترشح في مواجهته فيبدو كمرشح حقيقي . وهناك احتمال ضعيف أن يترشح ” الرجل الرمادي ” أبو الفتوح أملا في الفوز أو خدمة ً للمسرحية .
و لكن على من سيستند إن ترشح ؟ لأنه لن بالتأكيد لن ينال أصوات المعارضين الحقيقيين للسيسي لعدم إعترافهم بالإنقلاب و ما ترتب عليه و لعلمهم بأن أصواتهم ستذهب هباءاً كما حدث في خمس استحقاقات انتخابية سابقة ، بل الأمر هذه المرة سيكون أسوأ ، فقد سُمِح لهم في المرات السابقة بأن يخوضوا انتخابات غير محسومة النتائج و سُمِح لهم بالفوز فيها و تم التعامل مع نتائجها لاحقاً و على مراحل و بيد القضاء الذي أبطل مفاعيلها ما عدا الرئاسة التي لم يستطع سوى إلغاء قراراتها و تكبيلها فتكفل الجيش بمهمة الغاء نتائج انتخاباتها . أما الآن فقد تم إلغاء استراتيجية التعامل اللاحق فقد تم حل الجماعة و دمغها بالإرهاب و سجن كل قياداتها ، و لن يُسمح لهم بالترشح حتى كمستقلين كما كان يحدث في عهد مبارك . و قد قالها قائد الانقلاب : ” و بكرة تشوفوا مصر ” .. مصر التي يحكمها صاحب المنامات الخارقة و ساعة أوميغا التي يقول أنها تؤشر ل” العالمية ” و صاحب السيف الأحمر و الذي بُشِر منذ 25 عاماً برئاسة مصر ، و بأنه سيُعطَى ما لم يُعطى لأحدٍ من قبله ! .
ترى ماذا سيكون هذا الذي سيُعطاه ؟.. إذا تولى السيسي رئاسة مصر “رسمياً” ستكون المحروسة قد دخلت مرحلة الحكم بالرؤى و المنامات ، كيف لا و أحلام السيسي تتحقق الواحدة وراء الأخرى ، سيفاً أحمر يقطر دماً ،و “رؤى متواترة” بتأييده من رسول الله صلى الله عليه و سلم حدثه عنها مرشده الروحي علي جمعة ، الذي اختار عنوان المرحلة : “طوبى لمن قتلهم و قتلوه” ..ترى ما هي ماركة الساعة التي تزين معصم السيسي ؟
ابراهيم عثمان – مكة المكرمة[/JUSTIFY]