انتفاضة البرلمان .. شعار في انتظار التنفيذ

[JUSTIFY]عقب الإجراءات التصحيحية التي قام بها المؤتمر الوطني في صفوفه والتي استهدفت تغيير الصف الأول في الحزب، ممن يتولون وزارات ومناصب عليا في الحكومة السابقة، الخطوة التي اعتبرها الكثيرون في الاتجاه الصحيح في إطار تصحيح الأوضاع خاصة المسارات الاقتصادية والسياسية. يأتي ذلك وقد نال البرلمان حظه من هذه الهزات التصحيحية بتعيين الدكتور الفاتح عز الدين خلفًا للأستاذ أحمد إبراهيم الطاهر الرئيس السابق في اعتماد الوطني على ترفيع الشباب بحسب ما قيل إنها جاءت لتواصل الأجيال، الأمر الذي وجد تجاوبًا كبيراً وسط الفئات العمرية المتطلعة للعب دور بارز في قضايا الساحة إن كانت سياسية أو اقتصادية أو خلافها وفقاً لمقتضيات المرحلة. ورحب أعضاء البرلمان بالتعيين الجديد ولما لم يكن الفاتح من خارج الحلبة البرلمانية لم يجد ما يعكر بداياته في تولي مهامه كرئيس للبرلمان الذي شهد حراكاً مختلفاً هذه المرة إذ بدأت فيه روح النقد تعلو شيئاً فشيئاً، وكأن حملاً ثقيلاً أُزيح من كاهل الأعضاء الذين بدأوا يعبرون عن رأيهم بحسب بعض البرلمانيين دون حذر وخوف. فقد كانت الفترة السابقة وسياستها تشهد تعاملاً مختلفاً في إدارة الشأن الحواري بين الأعضاء داخل الجلسات ربما لذلك تنفس بعضهم بحسب بعض التصريحات التي عبرت عن ذلك شفاهة. وقد بدأ المجلس الوطني يطرق على بعض القضايا بصورة لم تكن معهودة خاصة خلال مناقشة اللجان للموازنة المالية للعام 2014م التي تجلت فيها الروح الجديدة الناقدة والثائرة، كوصفهم لبعض الوزارات والوزراء بالقطط السمان وأولاد المصارين البيض وخلافه، الأمر الذي دفع بعض المراقبين إلى القول «إنها هبَّة، وسرعان ما تزول».

طريقة جديدة

ولكن البرلمان أطلق بالأمس عبر رئيسه د. الفاتح عز الدين ما عُرف بصافرة البدء لانتفاضة ومبادرة إصلاحية وتجديدية سميت بـ«تصحيح المسار» في عمل المؤسسة التشريعية لإعطاء البرلمان صلاحيات أوسع في ملاحقة واستدعاء الوزراء والمسؤولين بالدولة لتفعيل العملية الرقابية على الجهاز التنفيذي عوضاً عن الطريقة القديمة التي وُصفت من قبل برلمانيين بالنمطية والمملة والاعتباطية والعبثية المقعدة لعمل المجلس. ليؤكد أن المجلس ماضٍ في طريق تصحيح المسار بحسب ما أعلنه وإنما قاله رئيسه الجديد يصب في خانة تغيير الجلد، وهذا يفهم في سياقه الكلي بتغيير السياسات القديمة بأخرى أكثر انفتاحاً في إطار ثورة الشباب لرسم ملامح تشبههم على كافة الأصعدة.

وحول ما أن تكون هذه الانتفاضة البرلمانية مجرد شعارات قد لا تنفذ يقول الأستاذ أحمد طه صديق عبر عموده «على الرصيف» إن التحفظات التي وجهت للبرلمان أو رئاسته لا ينبغي النظر إليها من باب النقد السياسي المغرض كما يحاول دائماً البعض لكن البرلمان بعطائه الحالي لن يستطيع أن يمثل دوره في التعبير عن قضايا الجماهير وهمومها ونبضها، كما أن الطريقة التي يدير بها رئيس البرلمان جلساته ربما يكون مكانها الطبيعي هو منصب الناطق الرسمي باسم الحكومة وليس البرلمان. ويزيد طه بطرح سؤال ملح وهو هل استطاع رئيس البرلمان السابق، أحمد إبراهيم الطاهر أن يفرق بين لونه السياسي وبين متطلبات منصبه كرئيس للبرلمان؟ ليجيب بنفسه قائلاً، أعتقد أن الإجابة عن هذا التساؤل من الممكن العثور عليها بسهولة إذا نظرنا إلى بعض تعليقاته على مجريات الجلسات التي تتحدث عن قضايا مهمة فمثلاً في قضية القرض الربوي قال مخاطباً النواب من المنصة حول قبول الحكومة للقرض، قال: «لو لم نكن مكرهين لأدرنا له ظهورنا؟ وعندما أطلقت النائبة البرلمانية عائشة الغبشاوي انتقادات حادة لمسيرة الدولة، وحذرت من تجاهل غضب الشعب، رد عليها رئيس البرلمان بلسان الحكومة مؤكداً أن الدولة لا تخاف إلا الله وليس الشعب، وأضاف: «نحن لن نخاف إلا من الله، إذا كان وجودنا هنا خوفاً من الشعب فأحسن نمشي، جايين عشان نعمل الحاجة الصاح التي ترضي الله حتى ولو أغضبت الشعب».

وفي موقف آخر، طالب رئيس المجلس الوطني، أحمد إبراهيم الطاهر، النواب بمؤازرة الحكومة في مواجهة ما أسماه بالنشاط الهدام الذي يواجه استقرارها، في وقت وجه فيه برلمانيون نقداً ذاتياً لأداء المجلس الوطني، مطالبين بألا ينساق البرلمان وراء الجهاز التنفيذي ويبتدر مبادرات سياسية لحل الأزمات بالبلاد بحسب ما جاء في إحدى الصحف.
ضرورات مرحلة
وكانت الدكتورة سعاد الفاتح قد خرجت غاضبة من إحدى جلسات البرلمان التي خُصِّصت للاستماع والتداول حول خطاب وزير الخارجية علي كرتي احتجاجاً على عدم منحها فرصة للحديث، وقالت في تصريحات صحافية: «أبوا يخلوني أتكلم في البرلمان، عشان أنا ما مهمة»، وأضافت: «هم أول حاجة بينادوا رؤساء اللجان وتاني بينادوا رؤساء الكتل وبعدو بينادوا الوزراء إذا كانوا موجودين ورابع حاجة بينادوا الناس المهمين»، ولعل هذه هي الطريقة التي قصدها النواب ووصفوها بالمملة والاعتباطية والمقعدة عن ممارسة البرلمانيين لدورهم في الرقابة على الحكومة.

وحول ما أن يستطيع المجلس الجديد تغيير الصورة القديمة يقول الأستاذ السر محمد أحمد المحلل والأكاديمي لـ«الإنتباهة» أن الطريقة القديمة كانت لضرورات مرحلة وربما كان المجلس وقتها يعمل في إطار مجموعات مناوئة للحكومة التي يرأسها المؤتمر الوطني وكانت هناك موضوعات ذات صلة بموقف الحزب الحاكم مما يحتم على المجلس وقتها موافقة الحكومة في كل الأوضاع ذات الصلة بمواقف الحزب الحاكم في الحكومة شبه الحزبية، ويؤكد ذلك بما ظل يطلبه رئيس البرلمان من النواب من الوقوف مع سياسات الحكومة والتي تمثل رمز سيادة الدولة. بيد أنه أشار إلى أن خطوات التغيير الراهنة أيضًا ضرورات مرحلة بدأها المؤتمر الوطني بانفتاحه نحو الأحزاب وتوسعه في تكوين وتشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة وهذا بحسب السر يطلب من البرلمان أن يكون ممارساً للرقابة لجهة تقويم الحكومة والتي بها أكثر من حزب، ويضيف السر أن «المركب التي بها أكثر من رئيسين تتعرض للغرق» لذلك يرى السر أن المرحلة الراهنة تقوية الجهاز الرقابي فيها من الأهمية بمكان مشيداً بالخطوة في نفس الوقت.
إعادة الثقة بينما يرى الخبير القانوني محمد الأمين في حديثه لـ«الإنتباهة» أن العمل والمساهمة في خلق جو برلماني من صميم واجبات السيد رئيس المجلس وأن ما قاله حول تصحيح المسار يأتي في هذا الإطار، مؤكداً أن البرلمان دوره ريادي وأنه شعار للديمقراطية والشورى الحقة في إطار مشاركة المحكومين في الأمر الرئاسي إضافة لدوره الرقابي على أداء الحكومة وجهازها التنفيذي، وقال إن أي محاولة للحيلولة دون قيام النواب بدورهم المطلوب يشير إلى عدم حيادية المجلس وسيفقد الثقة الممنوحة له من الشعب، وذلك لأن آثار ذلك ستترتب على النتائج من الأداء الحكومي وربما انعكست سلباً على المخرجات إن كانت اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية.

وكانت النائبة البرلمانية عواطف الجعلي في حوار سابق أجرته معها صحيفة «المجهر» انتقدت الطريقة التي يُدار بها البرلمان حول منح الفرص وعدم قيام المجلس بدوره في قضايا مهمة، وقالت: «إذا كان لك رأي مضاد وقلته في أي لجنة من اللجان ونما إلى علم رئاسة البرلمان أن عضواً ما لديه رأي مخالف يمكن أن يمنعك من أن تقول رأيك هذا داخل الجلسة ولا يتم منحك فرصة للحديث» وعندما سألها المحرر قائلاً: «هل تعتقدين أن رئيس البرلمان يمارس الدكتاتورية قالت: «أنا دي بأكد عليها»، وأشارت إلى انه لا يعطي الفرصة الكافية داخل البرلمان وقالت: «إن كثيراً من البيانات وكثيرًا من القرارات والقوانين يسوق رئيس البرلمان النواب إلى قرار معين بتأثيره عليهم، يعني بعد النقاش ينتهي هو يقوم يتحدث في الموضوع لصالح العمل الذي يرد إلى البرلمان مع إنو نحن بنعرف إنو رئيس البرلمان هو شخص مفروض ينظم الجلسة من ناحية إدارة وإجراءات وينظم الكلام حسب اللائحة وإذا أراد مناقشة الموضوع كعضو مفروض يتنحى عن كرسي الرئاسة ويكون مخصص ليهو مقعد داخل البرلمان يتحدث فيه كعضو برلماني».

هذا كان في مرحلة قبل شعار تصحيح المسار الشيء الذي اعترف به الرئيس الحالي مما دفعه للقيام بالثورة التصحيحية الراهنة.. فهل ستعيد طريقة تصحيح المسار في البرلمان التي ابتدرها الفاتح عز الدين الامور إلى نصابها، ومن ثم ربما نشهد برلماناً مقبل الأيام، بلا انتقادات توجه له وتخصم من رصيده، أم أن ما تم رفعه سيظل مجرد شعار كبقية الشعارات التي لم تجد طريقها للتنفيذ؟

صحيفة الإنتباهة
عبد الله عبد الرحيم
ع.ش

[/JUSTIFY]
Exit mobile version