حديث المهدي حمل إشارة إلى وجود ملعب لـ«الحسد» يمارس فيه سياسيون حسدهم وغلهم وحقدهم، سيما وأن الحسد موجود في كل المسارح حتى غير السياسية، ودونكم أن أول قضية قتل في التاريخ كانت بسبب الحسد بين قابيل وهابيل.. ولأن السياسة السودانية تغلب عليها الاجتماعيات و تكاد تخلو تماماً من القتل إلا أن القتل المعنوي موجود وبكثرة، وقد اغتال المهدي المعارضة في إطار تعليقه على منتقدي تكريمه، عندما قال: صحيح الفاضي يعمل قاضي».
لكن المعارضة من جانبها لم تفوت المسألة، والطريف أنها لم تسارع لأن تخلع عن نفسها «جلباب الحسد» الذي ألبسها إياه المهدي، بل سخرت من الأخير بتساؤل القيادي بالحزب الشيوعي صديق يوسف في ثنايا حوار أجرته معه الزميلة «المجهر السياسي»: حاقدين عليه في شنو؟ وعندو شنو عشان نحسدوا عليه؟!» وهنا تجدر الإشارة إلى أن الحسد لغه يعني تمَنَي زوال نعمة الغير.
وحديث صديق يوضح المسائل التي يحسد فيها المرء، وبالطبع تتفاوت درجاتها.. وهذا ما مضى فيه الوزير السابق د.أمين حسن عمر الذي سئل في في حوار صحفي وبشكل مباشر هل أنت محسود؟، وأجاب أمين: إذا كنت فعلاً محسوداً، استغرب على ماذا أحسد؟ ولا اعتقد أنني محسود على شيء، فإذا كان هناك شخص يحسدني على شيء، فأنا لا أحسده على هذه المشاعر.
لكن مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني السابق صلاح عبد الله «قوش» شكا وبشكل صريح من سهام الحسد التي صوبت نحوه وكادت تقضي عليه، وكشف عن ما حاق به جراءها، عندما شبَّه ما حدث له من اعتقال وسجن بما حدث لنبي الله يوسف عليه السلام من إخوته نتيجة الحسد والغيرة، واعتبر ما تعرّض له من اعتقال واتهام على خلفية ماعرف بالمحاولة الانقلابية أنه جاء بسبب الغيرة، وأن بعض إخوته في الحكومة تقمَّصهم شيطان الفتنة وسعوا بالنميمة إلى الحكام، وتعجلوا في إصدار الأحكام دون تثبت.. وشكا قوش مما أسماه بظلم ذوي القربى، وقال جئت أشكو عصبة من عشيرتي أساءوا إليَّ.
لكن من أبرز السياسيين الذين أعلنوا عن تعرضهم لنيران الحسد هو د. منصور خالد والذي سأله مقدم البرامج الحوارية التلفزيونية الطاهر حسن التوم في برنامجه المتميز «مراجعات» هل أنت معجب ببيت المتنبئ: ومما أنا باكٍ منه محسود؟ أجاب: إلى حد كبير، لأن كثيراً من الناس يحكمون عليك بالشكل المظهري وهو لا يعبر عن حقيقة الإنسان، و يحسدونك على ذلك.. ولأن الحديث كان شهياً سأله الطاهر مرة أخرى: معارك د.منصور خالد الكثيرة هل فيها شيء من الحسد!؟ وأجاب: نعم وبدون شك. وأضاف: ففي رأيي أن وراءها الحسد لأنك لو سعيت لأن تجد تبريراً منطقياً واحداً لما يقال عني لن تجد، ولن تجد كذلك الناس يتحدثون عن إنجاز الشخص أو فشله في مجال عمله، بل يتحدثون عن قضايا لا صلة لها بالعمل العام، وهذا يكشف عن عجزك أن تجد أي منقوصة في العمل العام، أو أنها قضايا فيها افتعال معارك، وسبب ذلك كونه ناجحاً وسعيداً في حياته.
وكان منصور في تناوله الظاهرة قسَّم الحسد إلى «نوعين» وقال: هناك نوع «غِيرة»، وهناك نوع آخر «غاضب» لأنك لست مثله في خيبته وبالتالي يسعى ليجد تبريرات أخرى. والواضح أن الوزير السابق د.عوض الجاز قدّر ذات تقديرات منصور عندما شكا من الحسد، ليس على الصعيد الشخصي بل العام، وقال بحسب صحيفة «أجراس الحرية» إن السودان محسود، وبالقطع يعني الجاز النظام وإن شئنا الدقه الإنقاذ تحديداً، وكان ذلك في يناير 2010 عندما كان وزيراً للمالية أثناء زيارة له لواشنطن، وقد كشف وقتها أن الاقتصاد الوطني تأثر سلباً بانخفاض أسعار البترول عالمياً. وأضاف: السودان محسود، وأن ما يقال عن دارفور إفك وكذب من وسائل الإعلام.. وقد سبق للجاز عندما كان وزيراً للنفط أن سارع لإغلاق باب حسد كاد أن يفتح بسبب نقاش تحت قبة البرلمان، فقال: يا جماعة قالوا النقة الكثيرة بتضيع النعمة».
ويقول أستاذ الفلسفة صبري محمد خليل في مقال منشور في مواقع أسفيرية: إن الحسد مؤشر لاضطراب في الشخصية، وهو عديد من الانفعالات السلبية كالغضب والخوف والكراهية وعدم المقدرة على المواجهة والضعف والشعور بالعجز وعدم الثقة بالنفس واعتبر ظاهرة الحسد محاولة سلبية لتعويض مركب نقص مادي أو اجتماعي أو تعليمي أو ثقافي.
ومهما يكن من أمر فإن الحسد كما قال أحد المفكرين عاطفة مفعمة بالجبن و العار بحيث لا يجرؤ إنسان على الاعتراف بها.. وإذا كان السياسيون لا يعترفون بفشلهم فهل سيعترفون بأنهم حاسدون؟!
صحيفة آخر لحظة
أسامة عبد الماجد:
ت.إ[/JUSTIFY]