الاستاذ عبد الله الفكي :
الطرف الأغر: نود الوقوف معك عند واحدة من أهم القضايا، التي تناولتها في كتابك: (محمود محمد طه والمثقفون: قراءة في المواقف، وتزوير التاريخ)، وهي قضية الخفاض الفرعوني التي قادت لثورة رفاعة في سبتمبر 1946م. لقد أحدثت قضية الخفاض الفرعوني، ولاتزال، جدلاً واسعاً ومستمراً. ولأهمية هذه القضية، وفي سبيل تنوير الرأي العام عن موقف الأستاذ محمود محمد طه، طرح «الطرف الأغر» على مؤلف الكتاب العديد من التساؤلات على رأسها: ما هي قصة ثورة رفاعة؟ ومن هم قادتها؟ وما هو السبب الأساسي لقيام الثورة عام 1946م؟ متي صدر قانون الخفاض الفرعوني؟ وما هي الجهة التي أصدرته؟ ما هو موقف الأستاذ محمود من قانون الخفاض الفرعوني؟ وما هو موقفه من الخفاض الفرعوني في حد ذاته؟ كيف تمت محاكمة الأستاذ محمود؟ ومن هو القاضي الذي حاكمة؟
فأجاب المؤلف عبدالله الفكي البشير عن هذه التساؤلات قائلاً:
ظل موضوع، ثورة رفاعة- الخفاض الفرعوني، من أكثر الموضوعات الجدلية في سيرة ومسيرة الأستاذ محمود النضالية، التي غشيها مثقفو السودان، على قلة تناولهم للقضايا الأخرى في مشروع الأستاذ محمود. لقد اتسم تناول المثقفين لثورة رفاعة/ الخفاض الفرعوني، بعلتين أساسيتين، العلة الأولى: أن المعلومات التاريخية عن الثورة لم تكن دقيقة ومغلوطة عند بعضهم، ومن الطبيعي أن تختل نتائج الدراسة التي لا تقف على المعلومات وحقائق التاريخ في مظانها، ولهذا لم يتعاطَ هذا الفريق مع ثورة رفاعة على أساس أنها ثورة ضد المستعمر البريطاني. لقد صور الاستعمار ثورة رفاعة بأنها ثورة ضد عادة منع الخفاض الفرعوني، فجاز ذلك على جل المثقفين، بينما الأمر لم يكن كذلك. أما العلة الثانية التي عانت منها الدراسات والمقالات التي تناولت ثورة رفاعة: فهي المنهج الذي استخدم من قبل الدارسين في دراسة ثورة رفاعة/ الخفاض الفرعوني. وقد فصلت ذلك في كتابي.
إنشاء المجلس الاستشاري لشمال السودان وانطلاق ثورة رفاعة
وعن قيام ثورة رفاعة يقول عبدالله الفكي البشير: قامت ثورة رفاعة في سبتمبر 1946م، بقيادة الأستاذ محمود على إثر قانون الخفاض الفرعوني، الذي أصدره المجلس الاستشاري لشمال السودان في ديسمبر 1945م، ذلك المجلس الذي أنشأته الإدارة الاستعمارية في عام 1943م. وقد هدف إنشاء المجلس إلى التحايل على نيل الاستقلال، وتقسيم الوطن، وشق الصف الوطني، وتشويه صورة الأمة السودانية. وقد كتب الأستاذ أحمد خير في كتابه: كفاح جيل: تاريخ حركة الخريجين وتطورها في السودان، قائلاً: (أصدرت (الإدارة الاستعمارية) في سبتمبر 1943م قانوناً بإنشاء المجلس الاستشاري لشمال السودان… ولد المجلس الاستشاري ضعيفاً في روحه،… والواقع أن المجلس لم يمثل الأمة التي أسس ليقوم على شؤونها أو بعض شؤونها لا في أقليته أو في أكثريته. ولم يحاول أن يعبر عن مشاعرها في أي صورة من الصور). وعن القوانين التي أصدرها المجلس، يقول أحمد خير المحامي: «فالمسألتان اللتان عرضت فكرتاهما عليه- قانون الخفاض، ولوائح تعاطي الخمور صدر فيها عن رأي جاء دليلاً قاطعاً على فقدان حرية الرأي في رحابه. فمن السخرية أن يوافق أعضاؤه على قانون يعلمون علم اليقين أنهم أنفسهم سيخالفونه، لتعارضه مع تقاليد لم تفقد حتى الآن احترامها في نفوس الكثرة الغالبة). هذه كانت رؤية الأستاذ أحمد خير عن القانون وعن مدى تعارضه مع التقاليد.
تصدى الأستاذ محمود مقاوماً لقيام المجلس الاستشاري لشمال السودان، ورأي في قيامه تقسيماً للبلاد، وعارض كل القوانين التي صدرت من ذلك المجلس. لقد أوضح الأستاذ محمود ق موقفه منذ البداية عن قانون الخفاض الفرعوني، مبيناً أن الحزب الجمهوري استغل قضية الخفاض الفرعوني ووظفها ليثير الشعب، وفي هذا فإنه لا يدافع عن الخفاض الفرعوني، يقول الأستاذ محمود: «مواجهة الاستعمار استغلينا فيها قضية الخفاض الفرعوني اللي شرّع ليهو المجلس التشريعي، وأخرج سفر بقانونه. هاجمنا السفر دا في منشور، فكان سجن. السفر لمن طبق في الحادث بتاع رفاعة المشهور، هاجمناه فكان سجن آخر، ستة وأربعين. ناس كتيرين يقولوا الحزب الجمهوري بدافع عن الخفاض الفرعوني، لكن دي لغفلة، ظهرت في الصحف في أيام أخيرة). ففي يوم ديسمبر 1945م حينما صدر قانون الخفاض الفرعوني، أصدر الأستاذ محمود رئيس الحزب الجمهوري في يوم 10 ديسمبر 1945م بياناً بعنوان: «بيان الحزب الجمهوري عن مشروع قانون الخفاض الفرعوني»، قال فيه: (لا نريد بكتابنا هذا أن نقف موقف المدافع عن الخفاض الفرعوني ولا نريد أن نتعرض بالتحليل للظروف التي أوحت به لأهل السودان والضرورة التي أبقته بين ظهرانيهم الى يومنا هذا ولكننا نريد أن نتعرض لمعاملات خاصة وأساليب خاصه وسنناً خاصة سنتها حكومة السودان أو قل ابتدعتها إرغاماً). ثم تساءل الأستاذ محمود في بيانه بشأن قانون الخفاض الفرعوني، تحت عنوان جانبي: «لماذا أثيرت مسألة الخفاض الفرعوني»، قائلاً: «للسائل أن يسأل لماذا أثارت الحكومة مسألة الخفاض الفرعوني؟ وله أن يسأل لماذا أثيرت في هذا الوقت بالذات وله أن يسأل أيضا لماذا أثيرت في البرلمان الإنجليزي- ولماذا تبودلت الرسائل في شأنها…؟، ولماذا لجأت الحكومة إلى القانون لإبطالها؟ ولماذا كانت هذه الصرامة في القانون؟) ثم تحدث الأستاذ محمود عن الاجابات على هذه الأسئلة وأوضح قائلاً: «نعم للسائل أن يسأل هذه الأسئلة وله أن يقتنع بأي رد يقال له إذا كان على جانب من البساطة والسذاجة وضيق الأفق، ولكن الذين علمتهم التجارب أن يستشفوا الحقائق الكافية وراء كل حركة تقوم بها حكومة السودان، لن يجدوا ما يبرر قبولهم للرد القائل بأن المسألة قد أثيرت إشفاقاً بالمرأة، لانهم لا يجدون أثراً لمثل هذا الإشفاق في مدى الخمسين عاماً التي مكثتها حكومة السودان، وتقصيرها ظاهر ملموس في ناحيه المرأة التعليمية والاجتماعية والصحية). ثم تناول الأستاذ محمود ادعاء المستعمر الشفقة على المرأة والسعي لتطوير حياتها وتحديثها، وكان الأستاذ محمود يرى أن التطوير والتحديث والتوعية لا تتم بالقانون وإنما بالتعليم. يقول الأستاذ محمود في بيانه الذي نحن بصدده: (أما من الناحية التعليمية فالحكومة قد تجاهلتها وأسقطتها من حسابها ردحاً من الزمان ولم تتبرع في تعليمها الا مؤخراً ولأنها لما بدأت تعليمها ضيعته لدرجة مخجلة مزرية وحصرته في التعليم الأولى وفي معهد واحد آخر يرتفع قليلاً في مستواه على مستوى المدارس الأولية، اضطرت لإنشائه للحصول على حفنة من المعلمات ليقمن بمهمة التدريس في تلك المدارس، ولأنها حين وضعت البرنامج لهذا القدر من التعليم، لم تراع فيه ما يجب مراعاته في تعليم بنت مسلمة في قطر إسلامي ولم تعدها لتدبير بيت منتظر وتعهد طفولة مرتقبة وسياسة زوج لا يمكن أن يربطه بوكر الزوجية سوى خلق قويم. وأما من الناحية الصحية فلأنها لم توفر طبيباً سودانياً واحداً من أطبائها للتخصص في أمراض النساء وعلى كثرتها- ولم تلتفت أقل التفات، وعدم اهتمام الحكومة بناحية التعليم والصحة والبقاء هو ما يدعو الحذر للجزم بأن المسألة لم تثر إشفاقاً بالمرأة). أوضح الأستاذ محمود في البيان الذي أصدره بشأن قانون الخفاض الفرعوني في ديسمبر 1945م، قبل حدوث ثورة رفاعة، أن العادات الموروثة منذ أمد بعيد لا تحارب بالقانون وبالبوليس، وإنما بالتعليم والتنوير والتوعية. وليس بالإعلان عن القانون ثم تطبيقه فوراً على أناس لم يسمعوا به، دعك من شرحه لهم وتنويرهم به. قال الأستاذ محمود: (لاشك أن مجرد التفكير في الإلتجاء الى القانون للقضاء على عادة مستأصلة في النفوس، استئصال الخفاض الفرعوني، دليل قاطع على أن حكومة السودان، إما أن يكون قد رسخ في ذهنها، أننا شعب تستطيع القوة وحدها أن تثنيه عن كل مبدأ وعقيدة، أو أن تكون قد أرادت أن تقول للعالم الخارجي أن السودانيين قوم متعنتون وان تعنتهم الذي ألجأنا للقانون لاستئصال عادة الخفاض الهمجية، هو التعنت الذي وقف في سبيلنا وشل أيدينا عن استثمار الأراضي الواسعة الخصبة في الجنوب والاستفادة من مياه الدندر والرهد والأتبرا والتوسع في التعليم).
وفي الواقع إذا ما وقفنا على مصادر المعلومات في مظانها بدار الوثائق القومية السودانية، نجد أن الكثير من طلائع المتعلمين وقتئذ، موقفهم مشابهاً لموقف الأستاذ محمود، كما ورد عند أحمد خير في، وكما عبرت عنه صحيفة الرأي العام في افتتاحيتها في يوم الأربعاء 16 أكتوبر 1946م، تحت عنوان: «دعوى لا نقرها»، قائلة: (إن عادة الخفاض، كعادة رسخت أقدامها في بلادنا قروناً وآماداً طويلة، لا يمكن أن تزيل آثارها أو تزحزح اعتقادات النساء فيها أمثال هذه الزيارات (في إشارة لزيارات بعثات الدايات) العابرة الخاطفة. والدعاية المثمرة، هي تعليم مستمر منتظم، بحملات تعليمية ذات برامج منظمة ثابتة تعالج هذه المشكلة في كل جهات السودان في سلسلة من الدعاية المنظمة المثمرة، وتستمر هذه الجهود السنين الطوال حتى نستطيع أن نقول أن الحكومة قد قطعت شوطاً كبيراً في ميدان الدعاية). ولكن قد تغيرت هذه المواقف إثر تطورات الأحداث في اتجاه المواجهة والمقاومة للمستعمر.
وحتى نقف على الحقائق والمعلومات في مظانها بحيل القارىء إلى التحقيق الصحفي الذي نشرته صحيفة الرأي العام، في 25 سبتمبر 1946م،
تحقيق صحفى (لمندوب الراي العام الخاص) عن حوادث رفاعة»، صحيفة الرأي العام، العدد: 451، بتاريخ 25 سبتمبر 1946م، الخرطوم.
نص تحقيق صحيفة الرأي العام عن حوادث رفاعة عام 1946م
ثورة رفاعة: أصل السبب
(المنين الحاكم) امرأه من ساكنات رفاعة مات عنها زوجها منذ شهرين تاركا لها أطفالاً منهم بنت فى السادسة من عمرها. وفى حوالى أول سبتمبر الحالي أجرت المرأة لبنتها المذكورة عملية الخفاض الفرعونى منساقة مع عادة تناهت في القدم هنا في السودان وقد وصل خبر خفاض البنت إلى المساعد الطبي برفاعة الذي أبلغه بدوره إلى مفتش مركز رفاعة المستر ديك فاستدعى المرأة وحكم عليها بأربعة شهور سجناً لمخالفتها قانون منع الخفاض الفرعوني وكان ذلك في يوم 7/9/1946م.
استياء الجمهور
وعندما علم الجمهور محاكمة المرأة استاء لها كل الاستياء وارسل تلغرافات الى المفتش ممضاة (أهالي رفاعة) يحتج فيها على هذا العمل الفريد في نوعه فى تاريخ البلاد ويطلب من المفتش أن يسمح لأربعة من ممثلي الأحزاب لمقابلته غداً 8/9/1946م للتفاوض معه في هذا الموضوع الدقيق. وفى التاسعة من صباح اليوم المذكور ذهب الأستاذ محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهورى وحسين كرقلى رئيس لجنة المؤتمر الفرعية وعبدالله لطفى مندوب حزب الأمة فقابلوا المفتش وتناقشوا معه فى الأمر وقال لهم أنه يقبل ضماناً يطلق بموجبه سراح المرأة نهاراً على أن تعود الى السجن ليلاً ولكنهم عرفوه أنها إمرأة مسكينة وزوجها مات قريبا وأنها لم تكمل عدة الحبس الشرعي وأنها ذات أطفال لا كافل لهم سواها. وعندئذ قال لهم المفتش انه سيطلق سراحها بضامنين فتقدم محمد المكي ومحمد حامد للضمانة فأمضياها وانصرف الناس والمرأة .
إعادة قبض المرأة
وفى يوم الخميس 1991946م أمر المفتش بالقبض على المرأة مره أخرى واودعت السجن برفاعة ولم يعلم الجمهور في نفس اليوم بخبر إعادة قبض المرأة ولكن النبأ انتشر في اليوم التالي الذي هو الجمعة وتذاكر الناس أمر هذه المرأة في المسجد عقب الصلاة فذهب فريق منهم يقدر بثلاثمائة الى المركز وطلبوا من نائب المأمور قاسم أفندي محمد الامين أن يطلق سراح المرأة ويسجنهم جميعا بدلاً عنها فتناول نائب المأمور التلفون وتكلم مع المفتش الذي كان بالحصاحيصا آنذاك وبعد قليل قال لهم أن المفتش أمر بإطلاق المرأة وسجن الضامنين مكانها ولكن الجمهور رفض وقال إما أن نسجن جميعا وإما أن نطلق جميعا.
وازاء هذا الإصرار جاء الأمر من المفتش بإطلاقهم جميعا وعلى ذلك تفرق الجمهور .
القبض مرة ثالثة
وفى الساعة الثانية عشرة من ليل الجمعة ذهب العمدة محمد عبدالله أبوسن ومعه أحد الخفراء الى منزل المرأة ونادى أخاها ( محجوب حاكم) الذى يشتغل بوليسا في مركز رفاعة وأمره أن يخرج المرأة ليحتفظ بها العمدة في منزله وأخرج المرأة وهي في ثياب النوم، رداء دون إزار، واخذها العمدة والخفير الى حيث أعد لها مركبا ينقلها الى الحصاحيصا ومنها الى مدنى .
غضب الجمهور
ولما علم الجمهور بأخذ المرأة ليلاً غضب غضباً شديداً وقدر أن المرأة لابد أن تكون في الحصاحيصا ولذلك اتجه كل من سمع بالخبر، صوب الحصاحيصا.
وقد استطاع بعضهم في الصباح الباكر أن يعبر النهر ليقابل المفتش فى الحصاحيصا وتوالى بعد ذلك تدفق الجمهور نحو النهر ولكنه وجد أن المراكب ممنوعة من العبور فذهب أفراده إلى رفاعة واحضروا مراكب عبروا عليها وقد لقيت طلائعهم الفئة التي عبرت أولا وقابلت المفتش وعرفتهم انها لم تصل الى نتيجة فاتجهوا جميعاً صوب مركز الحصاحيصا لمقابلة المفتش ولكنهم وجدوا بابه موصداً فاخذوا يقرعونه دون أن يفتح لهم ولما يئسوا أخذوا يقرعون النوافذ والأبواب بالعصي.
وفى تلك الاثناء حضر المستر هوكسويرث نائب مدير الجزيرة وأبدى تذمره من هذا العمل وقال إنه لن يستمع ما لم ينسحب الجمهور وفعلاً انسحب الجمهور وخف منهم نحو عشرة أشخاص لمقابلته، ولكنه أخذ يطيل معهم الحديث، وقبل أن ينتهوا الى نتيجة ما، حضرت قوة من بوليس ودمدني مسلحة بالبنادق والسياط والدرق، وأخذت في تفريق الجمهور، وكان عددهم نحو ثمانين بوليساً ولكن الجمهور أقتحم نطاق البوليس وأستطاع بعض أفراده أن يقابلوا المستر هوكسويرث مرة اخرى، وقد قال لهم أن المرأة ستسجن فى مدني ولما سمعوا ذلك ثار ثائرهم وأخذوا يحطمون الابواب والنوافذ بالعصي والحجارة وأصاب حجر زجاج عربية المفتش فحطمه ولما رأى المستر هوكسويرث هذا الأمر قال لهم انه أمر بفك المرأة. وفعلا حضرت بعد وقت قليل عربة من مدني تقل المرأة فأخذها الجمهور وانصرف بها.
وصول قوات الجيش
ومضى يوم السبت باكمله هادئاً وكذلك صبيحة يوم الأحد ولكن في حوالي الساعة الثانية عشرة وصلت رفاعة ست عربات محملة بالجيش أخذت تطوف بالطرقات والسوق بقيادة بكباشي بريطاني وضابطين سودانيين ولما رأى الناس هذه القوة تجمعوا يدفعهم الفضول لاستطلاع غرضها وكان بعضهم يظن أنها جاءت لاعتقال المرأة وفعلاً ذهب فريق منهم للاطمئنان على المرأة فوجدوها في منزلها وقد انفصلت عربتان صوب الديم وكان معهما عمدة رفاعة وبعد قليل احضرتا الأستاذ محمود محمد طه.
وقد اتجه الناس صوب المركز لمعرفة شىء عن ذلك ولكنهم وجدوا الجنود قد سبقوهم إلى المركز وأنشؤوا استحكامات ووضعوا مدفعين رشاشين في أعلى بناية المركز واحتشد صفان من الجند أمام المركز ووضعوا أربعة من رجال البوليس المدني في الطريق.
ولما بلغ الجمهور موقف رجال البوليس انسحب الأخيرون إلى حيث تقف قوات الجيش ويظهر أن انسحاب البوليس أوحى إلى رجال الجيش أن الجمهور يريد الهجوم عليهم فأطلقوا طلقتين في الهواء ثم أطلقوا بعدها أسلحتهم فى الهواء.
فوقف الجمهور فى مكانه وأخذ بعض الناس يهدأون بعضهم واثناء ذلك انفرط إسماعيل على العشرابى وهو صبى في العاشرة من عمره وتقدم إلى القوة فقبض عليه ولما رأي بعض الشبان ذلك تحفز ثلاثة من الشبان الذين تجاوزت أعمارهم العشرين وتقدموا صوب القوة فاطلق الجند الرصاص فى الارض فوقف الشبان مكانهم ولكن الجندي أخذ يضرب بالرصاص فكسرت رجل البدرى عبدالرحمن واخترق الرصاص عضلة ساق عطية عبد السيد وأصيب اثنان في أرجلهما وهما حسن العمرابي والجيلي عباس كما أصيب أحد الناس فى عينه وآخر بخدش بسيط، واخذ الجمهور جرحاه وانسحب وكان ذلك فى الواحدة والنصف بعد الظهر ولم يعالج هؤلاء حتى السادسة مساء حيث جاءت عربة فأخذتهم إلى حيث ضمدت جراحهم في المرفق الطبي للقوة وسيق بعضهم إلى أبى عشر للعلاج وقد أنصرف الناس في الثانية والربع.
المعتقلون
وقد تم اعتقال بعض الناس من رفاعة والحصاحيصا منهم الأستاذ محمود محمد طه وشقيقه مختار محمد طه فوضعوا في سجون رفاعة والحصاحيصا ومدني. ولم يقع بعد ذلك شىء. وما زالت الحالة الآن هادئة وتعسكر القوات خارج رفاعة ومنع الخروج من المدينة إلا بتصريح. (انتهى نص التحقيق الصحفي). هذا هو نص التحقيق الصحفي الذي جاء عن ثورة رفاعة في صحيفة الرأي العام السودانية، دون تدخل مني في النص، سوى إضافتي لمقولة الكاتبة سارة ضيف الله في صدر التحقيق.
في الحلقة القادمة نقف عند المحكمة الكبرى التي عقدت لمحاكمة قائد ثورة رفاعة. متناولين ما جرى في المحكمة، وقاضي المحكمة، والمرافعة التي قدمها الأستاذ محمود بنفسه أمام المحكمة، رافضاً تدخل المحامين للدفاع عنه. إلى جانب موقف الأكاديميا من قضية الخفاض الفرعوني/ ثورة رفاعة.
الفاتح محمد الأمين: صحيفة اخبار اليوم
[/JUSTIFY]