وقد لازمتني حالة يقينية منذ إنفصال جنوب السودان عن دولة السودان الأم في 9 يوليو 2011م وهي زن جنوب السودان « حركة وحكومة وشعباً» إختار الانفصال للاستفراد بعائدات النفط والتي لحقتها شكوك وظنون تاريخية وأخرى حاضرة على أيام الفترة الانتقالية المحددة في إتفاقية السلام الشامل 2005م 2011م بست سنوات… ثم تم الافصاح عن هذه الشكوك التاريخية والحاضرة منذ الأشهر الاولى بل الاسابيع بل الايام التي تلت الانفصال فقد صرح بعض الغلاة من أهل دولة جنوب السودان عندما كانوا يناقشون ويتداولون ما أصطلح على تسميته بـــ « القضايا العالقة» بين الدولتين بأن الشمال السوداني ظلّ جغرافية ثم دولة يستحوذ على موارد جنوب السودان المهولة ويستفيد من عائدات تلك الموارد تنمية وتركيزاً في الخدمات بينما لا يجد الجنوب إلا التخلف والدمار والتهميش، مما أدى لحالة الغبن التاريخي الذي خلّف حرب 1955م 1972م ثم حرب 1983م – 2005م ، ومما جعل ملف عائدات النفط أكثر الملفات سخونة بين شريكي نيفاشا 2005م -2011م، ومما جعل ملف عائدات النفط أكثر نقاط القضايا العالقة بين الدولتين تحريكاً بعد الانفصال… وقد انتهى هؤلاء الغلاة وشايعهم البعض هنا وهناك بانه لولا ميزة النفط التي تزخر بها دولة جنوب السودان الوليدة لما حدث زلزال الانفصال، ولكن هذه فرضية تحتاج من الناحية العلمية والواقعية إلى مزيد من البحث والتقصي وقطعاً ستظهر دراسات وبحوث في مقبل الايام تؤكد أو تنفي هذه الفرضية.
٭ النفط عامل التوترات:
ولكن الحقيقة التي لا خلاف عليها أن نفط الجنوب سواء على ايام ما قبل الانفصال حيث كان اقليماً سودانياً أو ما بعد الانفصال حيث أصبح جنوب السودان دولة مستقلة ذات سيادة كما انه يمثل الدافع الأساسي للتمرد الذي حدث الآن في الدولة الوليدة وكان السبب والعامل الأهم في التوترات والحروب التي شهدتها علاقة جنوب السودان بالسودان… والأهم من ذلك ربما يكون النفط السبب أو العامل الأهم في التوترات التي تشهدها بعض أجزاء دولة جنوب السودان بسبب أن بعض القيادات العسكرية والسياسية قد « شقت عصا الطاعة» حيث بررت خطوتها في الآتي:
– استحواذ قبيلة بعينها على المفاصل القيادية والسياسية والعسكرية بهدف الاستفراد بعائدات الثروات النفطية المهولة.
– بروز مجموعات متنفذة داخل قيادة الدولة مما أدى لخلق مراكز قوى ونفوذ إقتصادي وهم هذه المجموعات تجنيب عائدات موارد الدولة الوليدة لمصلحتها.
-إفساح الطريق أمام تدخلات أجنبية « مجموعات وأفراد وشركات ومنظمات» للدخول في الاستثمارات الضخمة وتحقيق عائدات أرباح مهولة تتناصف نسبها بين «عرابي هذه التدخلات» داخل دولة جنوب السودان وخارجها…
٭ النفط السيناريو الأطول:
وتعد قضية نفط الجنوب السوداني السيناريو الأطول في تاريخ سودان ماقبل وما بعد الانفصال.
وغنى عن القول إن بوادر إكتشافات البترول السوداني قد ظهرت في نواحي منطقة « المجلد» الواقعة في بولاية غرب كردفان وفي نواحي منطقة بانتيو بأعالي النيل عام 1979م وفي ابريل 1981م أعلنت شركة شيفرون الامريكية التي وقع عليها امتياز استخراج البترول في تلك المناطق أن الكميات المكتشفة يمكن استخدامها بشكل تجاري ، وقد قدر وقتها حجم إحتياطي النفط الذي يمكن استخراجه من حقل « كايكاتن» وحقل « الوحدة» وحقل « الهجليج» المجاور له بنحو ملياري برميل يمكن أن يعود عائد تصديرها للبلاد بمبلغ 50 مليون دولار « السودان حرب الموارد والهوية د. محمد سليمان محمد ص 172».
ولكن السؤال واللغز المحيرّ هو لماذا خرجت شركة شيفرون من مشروع إستخراج البترول السوداني، وهل لذلك علاقة بتجدد التمرد وانهيار اتفاقية أديس أبابا؟، وليس بعيداً عن الإجابة فقد أظهرت احصائيات أصدرتها مؤسسة المجتمع المدني وأوردها الدكتور محمد سليمان محمد في كتابه المشار إليه جملة الخسائر التي تعرض لها السودان نتيجة توقف انتاج وتصدير البترول بعد تجدد التمرد وفي الفترة مابين 1986م – 1992م بأكثر من ستة مليارات دولار وقد بلغ متوسط استيراد السودان للمواد البترولية قدر بمبلغ 350 مليون دولار سنوياً.
وللتدليل على الموقف الذي اتخذته شركة شيفرون وما اكتنفه من غموض فان الحكومة الامريكية قد عوضتها بمبلغ 1.5 مليار دولار نتيجة توقفها من استخراج النفط.
صحيفة الوطن
[/JUSTIFY]