والمشكلة الأساسية في الجنوب أن القبلية هي الطاغية وكل شيء يمكن تفسيره على هذا الأساس، فأي اشتباك بين فريقين هو في النهاية بين قبيلتين، ولهذا فالخسائر تكون كبيرة مهما كان السبب تافهاً، لأن انتصار الآخر يعني انتصار قبيلته وانتصار أية قبيلة معناه الانتقام من كل أفراد القبيلة الأخرى حتى لو كانوا من الأطفال والنساء.. لقد عشنا في الخرطوم فواصل من اشتباكات بين الدينكا والنوير لأسباب تافهة كانت تضيع فيها أرواح بريئة.
لا أعرف لماذا تعجل الأمريكان فصل الجنوب حتى قبل أن يتم إعداد الكوادر الإدارية، ولم يتم تدريبهم على إقامة مؤسسات ديمقراطية كما حدث مع السودان عند منح الاستقلال.
وبعد كل كذلك تمت سودنه الوظائف وفق المعايير البريطانية، أي أن يكون الإداريون على درجة من الكفاءة تقارب إن لم يكن تتفوق على الإداريين البريطانيين، لكن كانت أمريكا متعجلة للغرف من بترول الجنوب وهو ما كان يهمها في المقام الأول، وهكذا أجبرت المصالح أمريكا على (كلفتة) كل شيء بسرعة والتفرغ لالتهام الجنوب دون مضايقة من أحد.
كنا نتوقع إشراف السودان على إنشاء المؤسسات السياسية خلال فترة انتقالية، وكنا نتوقع أن تكون المؤسسات التعليمية تحت إشراف المؤسسات الشمالية، ولكنه الاستعجال الذي جعل الطبخة تأتي غير ناضجة ليكون الجنوب عبئاً إضافياً علينا.. وكان المفترض أن تقوم أمريكا بجلب مساعدات كثيرة لبلد يفتقد البنية الأساسية.
هل هناك مؤسسات طبية مكتملة في الجنوب؟ وهل هناك صيدليات؟ وهل هناك خطوط مواصلات برية ونهرية وجوية سالكة بين الدولتين؟ كل هذا تم تجاهله كأنه غير مهم.. لهذا منذ الشهر الأول كان الجنوب في حاجة للمساعدة، وكنا في حيرة حول كيفية إيصالها لأناس أجبروا على الانفصال وصوتوا له بنسبة (99%).
المشكلة الآن في الجنوب أنه لا توجد فيه شخصية سياسية تحظى باحترام الجميع وكان “بوث ديو” و”وليام دينق” و”ازبوني منديري” شخصيات تحظى باحترام في مختلف القبائل، وكانوا يتصرفون وفق مصلحة الجنوب وحده لذا لم يتعجلوا الانفصال واختاروا العمل ضمن مؤسسات الشمال، لهذا ما كانت أمريكا ستقنعهم بالانفصال الفوري، وربما كانت أجلته لفترة عشر سنوات إلى أن يكتمل تدريب الجنوبيين.
الآن اشتعلت الحرب بين القبائل الجنوبية، ومخطئ من يظنها حرباً بين “كير” و”رياك مشار” فهي حقيقتها حرب بين الدينكا والنوير، وهذا النوع من الحروب القبلية لن ينتهي بسرعة وضحاياه دائماً بالآلاف إذا لم يتدخل طرف ثالث.
قلقنا من هذه الحرب أنها ستؤثر علينا أردنا أو لم نرد، فالجماعة المهزومة لن يكون أمامها غير الشمال، وهم سيلجأون إلى هذا الشمال لأنهم خبروه وعندما كانوا يعيشون فيه وجدوا الأمن والأمان ولا أعرف السبب الذي دفعهم لاستعجال الانفصال دون إعداد وتمهيد.
هل ما زال هناك دور للسودان يقوم به لإطفاء الحريق؟ نعم يمكن للقوات السودانية أن تكون حاجزاً، ويمكن للخرطوم أن تكون مقراً للمحادثات بين الدولتين، التي ينبغي أن تبدأ بمحادثات للفصل بين القوات.. وبعد أن يتوقف القتال تبدأ محادثات السلام.. هذا أو الطوفان.
{ سؤال غير خبيث
كم عدد القبائل في الجنوب وكم عدد اللهجات؟!
صحيفة المجهر السياسي
عبدالرحمن أحمدون
ت.إ[/JUSTIFY]