دافوري…!!

دافوري…!!
** رحم الله أستاذنا حسن مختار، لم يتخل عن قلمه الساخر إلا قبيل رحيله بأسبوع.. وعندما تكاثف عليه المرض بحيث عجزت يده عن الإمساك بالقلم، ظل يأتي الى مكاتب الصحيفة كأول الحاضرين، ثم ينتظرنا لنكتب له ما يمليه علينا بسلاسة ورصانة وسخرية.. تعلمت منه الكثير، خاصة إصراره على تفاصيل النص التي من شاكلة: (هنا أعمل شولة، يلا افتح القوس، ابدأ فقرة جديدة، ما تنسى دي جملة اعتراضية، و…)، هكذا كان يحاضرني عند كتابته زاويته الرشيقة (حزمة تفانين)، فتخرج الزاوية رائعة، وأكون قد تعلمت.. كنت أداعبه بين الحين باختراع سؤال من شاكلة: (يا أستاذ ليه هنا شولة واحدة؟، كدى الليلة نجرب شولتين تلاتة ونشوف يحصل شنو)، فيرد ساخراً: (شولتين تلاتة دي بيكون جابوها ناس ثورة التعليم العالي ديل، نحن ما أدونا ليها).. وذات مساء كان التلفاز ينقل هلال مريخ أبرز ما فيها غبار الملعب ولكمات اللاعبين، فسأله أحد الزملاء: (يا أستاذ هسة ناس برشلونة لو شافوا المباراة دي ح يقولوا علينا شنو؟)، فرد بمنتهى الهدوء الساخر: (لا ما تخاف، ما ح يقولوا شيء كعب، ح يفتكروا دي رياضة جديدة)..!!
** وكثيرة هي غرائبنا وعجائبنا – وبلاوينا – التي يمكن تغليفها ثم تقديمها للعالم باعتبار انها (عبقرية جديدة).. على سبيل المثال ، تقدم وزير الزراعة قبل العيد بأسبوع ونيف باستقالته الى رئاسة الجمهورية، ثم اعتكف بمنزله لحين قبول أو رفض الاستقالة.. أسباب الاستقالة لا تزال في طي ورقة الاستقالة، بحيث لم يفصح عنها الوزير ولم تكشفها الرئاسة.. اجتهدت الصحف في كشف تلك الأسباب، وترجحت ما بين فشل القطن المحور وراثياً وفشل الموسم الزراعي – كلو على بعضو – بقطنه المحور وراثياً وذرته المجندلة إهمالاً وتمويلاً بالقضارف، وغيرها.. وهناك من الاجتهاد الصحفي ما أرجع سبب الاستقالة الى صراع جهير بين وزارة الزراعة وأمانة النهضة حول السلطات.. المهم، أسباب الاستقالة ليست مهمة ولا ذات جدوى للناس والزراعة، وما أسباب استقالة وزير الزراعة إلا بمثابة قطرة ماء في بحيرة فكتوريا، ولذلك البحث عن تلك الأسباب مضيعة للوقت والجهد..فالمهم اعتكاف الوزير بمنزله – في العشر الأواخر من رمضان – بلسان حال قائل (خلاص خليتها ليكم).. وهذا شيء طبيعي، إذ هذه ليست الاستقالة الأولى في الكرة الأرضية ،وبالتأكيد لن تكون الأخيرة.. نعم، ليس في الأمر عجب..!!
** ولكن كل عجائب الدنيا وغرائبها تتجلى لاحقاً، تابع.. بعد استقالة وزير الزراعة واعتكافه بمنزله، أصدرت رئاسة الجمهورية قراراً بإعفاء مدير إدارة وقاية النباتات من منصبه، وذلك بإلغاء عقد الاستبقاء.. فالمدير كان قد تقاعد الى المعاش ولكنه ظل مديراً بعقد يسمى عقد الاستبقاء، وألغت الرئاسة هذا العقد.. شيء طبيعي، وبتحصل في أرقى الدول.. فالرئاسة هي السلطة العليا بالبلد، ومن سلطاتها إلغاء مثل هذه العقود، وليس في الأمر عجب.. ولذلك، امتثل وزير الدولة بالزراعة – والذي يحل محل وزير الزراعة في حالات الغياب أو الاستقالة أو الاعتكاف- امتثل للقرار الرئاسي، وأصدر قراراً وزاريا بتعيين مدير آخر في إدارة وقاية النباتات، بحيث يحل محل المدير السابق المحال الى التقاعد بقرار إلغاء عقد الاستبقاء.. عادي جداً، وبتحصل في أرقى الدول، وقبل كدة حصل في مدغشقر.. نعم، من حق وزير الدولة بالزراعة أن يمارس سلطات وزير الزراعة المستقيل والمعتكف، ولذلك عين مديراً آخر لوقاية النباتات ليحل محل المدير السابق..!!
** لحد هنا كويسين، مُش كدة ؟.. حسناً، ولكن تأمل ما يلي، إذ ما يلي هو (الشولتين تلاتة اللي ما أدوها لحسن مختار)، وكذلك هو (الرياضة الجديدة).. قطع وزير الزراعة استقالته وخرج من اعتكافه، وذهب الى مكتبه بالوزارة وأصدر قراراً بإلغاء قرار وزير الدولة وفصل المدير الجديد، ثم عاد الى منزله (مستقيلاً ومعتكفاً)، ولايزال.. نعم هذا ما يحدث تحت سمع وبصر الناس والصحف، إذ غادر الوزارة غاضباً، واعتكف بمنزله مستقيلاً، وما إن سمع نبأ تعيين المدير الجديد، حتى عاد الى الوزارة ومكث بمكتبه خمس دقائق، حيث أصدر خلالها قرار إلغاء تعيين المدير الجديد، ثم رجع الى منزله – زي الما حصل شيء – مستقيلاً ومعتكفاً.. هذا يذكرني بحكاية الزوج الذي طلق زوجته، وبعد عام سمع بأن عريساً تقدم لطليقته طالباً الزواج ، فذهب الى والدها ليرفض اقتران تلك بالعريس الجديد بتبرير مفاده (لا ما تدوه، يمكن أنا في أي لحظة ارجعها).
هل بالأرض قانون أو قانوني – أو عقل- يفسر ما يحدث بوزارة الزراعة؟.. نعم، فالبعض ظل يطالب الحكومة بترويض السياسة بدلا عن تسييس الرياضة، وها هي الحكومة تستجيب لطلبهم، وتقدم لهم أروع (دافوري) في تاريخ البلاد وسياستها وخدمتها المدنية..!!

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]

Exit mobile version