أفضل تعليق سمعته وأردت أن يكون مدخلا لهذا الحديث، سمعته من صديق مشترك “صاحبكم المجنون دة لسة مستمر في فكرته دي؟”، وأعلم بالتاكيد أنه لا يقصد الجنون المعروف، لكنه يقصد الغرابة والخروج عن المالوف، ولا أرى في هذا قدحا في الفكرة ولا انتقاصا منها، بل لعله تعليق إيجابي. وهي بالتأكيد فكرة جديدة في بلادنا ومختلفة عن الطرح السائد في الساحة السياسية.
فكرة حكومة الظل كما قرأت عنها وسمعتها من وائل عابدين أكثر مرة تهدف لإحداث تحرك إيجابي في الساحة، يتجاوز نقد الحكومة بخطاب سياسي غاضب لفعل أكثر إيجابية، والاتجاه نحو تركيز نقد السياسات والبرامج الحكومية بطريقة مؤسسية تناقش بالبيانات والمعلومات والأرقام والإحصاءات، ثم تطرح البدائل القابلة للمناقشة والتداول. ولو تعامل معها أطراف الحراك السياسي السودانية بجدية فهي كفيلة بنقل النقاش والجدل السياسي لمربع أكثر حيوية وفاعلية.
لدينا مشاكل “متلتلة” في كل مجالات الحياة، الاقتصاد، الصحة، التعليم، والنقل والمواصلات والزراعة والصناعة ….الخ، بل لعل ذلك صار من المعلوم بالضرورة بحكم تعايش الناس معه، وما تحتاجه الساحة هو نقاش تفصيلي في كل مجال من هذه المجالات، أين كنا وإلى أين وصلنا ولماذا، وما هي الخيارات الأخرى المتاحة لمعالجة هذه المشاكل. ولعله من المفيد أن يكون هناك أشخاص ذوي صلة بهذه المجالات يمسكون بالملفات ويعملون عليها لفترة زمنية، ويستعينون بالخبراء والمتخصصين ويعالجون الدراسات والتقارير المتعلقة بهذه القضايا.
بعد مضي فترة زمنية قصيرة يمكن مواجهة هذه القضايا والمشاكل بما يتوجب من معلومات متناثرة لم تعطى الفرصة لتجمع في مكان واحد، وننتقل بالتالي في مناقشة أوضاع الزراعة، مثلا، بمادة بيانات ومعلومات وأفكار جديدة تضع القائمين عليها أمام تحدي حقيقي.
ورغم أن الفكرة جديدة لدينا، لكنها موجودة في بلاد كثيرة في العالم، وصارت جزءا من الإرث السياسي لتلك الدول. وفي بريطانيا مثلا يعمل الحزب المعارض في كل مرحلة على تكليف وزراء ظل يتابعون السياسات الحكومية ويناقشونها في البرلمان، ويضعون البدائل القابلة للتطبيق في حالة تولي الحزب المعارض للحكومة في الانتخابات التالية. وهم بالتالي لا يبدأون من الفراغ أو من نقطة الصفر كما يحدث عندنا حتى في حالة تغير وزراء حكومة الحزب الحاكم.
الفكرة جديدة وغريبة، ربما، لكنها إضافة إيجابية للساحة السياسية، خاصة لو تعامل وزراء الظل معها بالجدية اللازمة، وعقدوا اللقاءات والسمنارات وورش العمل مع المختصين والخبراء، فسيخرجون قطعا بنتائج مفيدة وبرامج تصلح كبداية لإصلاح إعوجاج السياسات القائمة. قد يبدو الأمر بعيدا، وقد يبرز سؤال مشروع: من سيطبق هذه السياسات؟ والإجابة هي أن هناك جهات ستكون مستعدة لرفد أي عملية تغيير حقيقية في البلاد بأفكار وسياسات جديدة، وستحسم سؤال البديل، وليس التغيير على بلادنا ببعيد أو مستحيل.
فيصل محمد صالح