ولكن هناك جوانب خفية في هذا الموضوع لابد من توضيحها لتكتمل الصورة حتى يكون حكمنا مبنياً على حقائق صحيحة مؤكدة. والحقيقة المؤكدة أن الطريقة التي تؤدى بها امتحانات الشهادة العربية تجعل أبناءنا خارج أية منافسة معهم، لا في النسب، ولا في القدرة على الإنفاق، لأن الامتحانات لا تؤدى بنفس الإجراءات التي تعارفنا عليها في السودان، فالمعروف أننا نجمع كل الطلاب من كل المدارس في مركز امتحان موحد للجلوس لامتحان موحد في ست مواد يختارها أو أكثر من ست مواد، حسب رغبته في الدراسة الجامعية، فالذين يفكرون في الالتحاق بكليات نظرية يختارون مواد أدبية نظرية، والذين ينوون دراسة الطب أو الصيدلة أو أي تخصص علمي يختارون المواد العلمية، وتحسب النسبة لكل مجموعة وبعد ذلك تدخل المنافسة.. وهذا إجراء به كل تدابير العدالة الأكاديمية ولا أحد يعترض عليه.
ولكن على الجانب الآخر، نلاحظ أن الطالب الذي جاء من السعودية أو الإمارات أو قطر لا يؤدي نفس الامتحان الذي يؤديه السوداني، ولا بنفس الإجراءات الصارمة، لأنه ببساطة يؤدي هذا الامتحان داخل مدرسته وفصله وتحت إشراف نفس أساتذته، وقد يكون هناك دعم من الأساتذة لابنهم، لهذا نلاحظ أن أبناء الشهادة العربية يحملون تقديرات عالية جداً، وشيء عادي أن لا يقل تقديره عن تسعين بالمائة أو أكثر.. وفي السودان لا يستطيع طالب مهما كانت عبقريته أن يصل إلى نصف هذه النسبة إلا بمعجزة.. أين العدالة في هذا؟
نتيجة هذا الخلل يتنافس طلاب الشهادة العربية وحدهم على الكليات العلمية والطب ولا يبقى لأبنائنا سوى الكليات النظرية أو الدبلومات، ولو استمر الأمر كذلك لن يبقى لأبنائنا مقعد في كليات علمية، وسنلتفت في يوم من الأيام لنجد كل أبنائنا من حاملي الشهادة السودانية تخصصات أدبية، بينما طلاب الشهادة العربية يحتلون كل مقاعد الكليات العلمية.. أين العدالة هنا؟
قد يقول أحدكم إن نظام الامتحانات الخليجي هو النظام المتبع في أوروبا وأمريكا، وبهذا لا يكون شيئاً شاذاً، وكلنا نشاهد مستوى خريجي الطب في أوروبا وأمريكا مما يؤكد أن الطريقة المتبعة في الأصح رغم نقدنا لها، ونقول لهؤلاء أولاً إن الطالب بعد أن يؤدي امتحان الشهادة في مدرسته يجلس لامتحان آخر في مواد الكلية التي يتقدم لها وهذا الامتحان تؤديه الكلية تحت إشرافها، وفيه يكون التركيز على المواد التي سيتلقاها الطالب في تلك الكلية، ولن يجد أية مجاملة من أساتذة الكلية لأنهم لا يعرفونه، كما أنهم يحرصون على أن يكون الطالب ملماً بكل المواد المطلوبة ولا فائدة من خداع النفس.. وهذه الطريقة أطالب بإدخالها للسودان، فهي أفضل، لأنها تحصر الطالب في مواد الكلية فقط وتتيح له دورات فيها قبل الامتحان تشبه الدروس الخصوصية، فيأتي الطالب إلى الجامعة وقد حفظ كل شيء عن المقرر، وبهذا يكون قبوله مستحقاً ولا غبار عليه.
صحيفة المجهر السياسي