الحكومة الجديدة.. مراجعة الأسماء وتفتيش الحقائب بين صالتي (المغادرة) و(الوصول)

[JUSTIFY]بعد طول ترقب مشوب بالحذر وانتظار كادت تضيق فيه فسحة الأمل، أخرج المؤتمر الوطني عبر رئيسه المشير «البشير» ومكتبه القيادي حكومته الجديدة، معلناً الأسماء والمواقع التي حملت في معظمها تجديداً مدهشاً وتغييراً جوهرياً، وكاد المراقبون والجمهور يكذبون آذانهم وهم يسمعون الأسماء الجديدة التي حلت في مواقع رموز وأشخاص كانوا يمثلون الجذر والعمق للإنقاذ منذ تفجرها في الثلاثين من يونيو 1989م وواصلوا مسيرتهم (في أغلبهم) لربع قرن من الزمان أو يكاد.
هذا التغيير الكبير يمثل نقلة حقيقية وانعطافاً ما عرفه المؤتمر الوطني عبر سيرته الطويلة في حكم البلاد، وستظل الأقلام تكتب والصحف تسَّوُد لأيام وشهور رصداً وتحليلاً لهذه الخطوة الشجاعة التي اتخذها الحزب ممثلاً في رئيسه المشير «عمر البشير» المعروف بجرأته وإقدامه، ولين جانبه لإخوانه ونزوله على رغباتهم وآرائهم التي تبلورت في هذه القرارات التي نضجت على نار تراوحت بين الهدوء حيناً والاضطرام الشديد أحياناً أُخر.. وها هي تتجمر لتخرج هذه التشكيلة الوزارية المحسوبة بدقة.. فكيف لنا أن نقرأها في هذا السياق محاولين سبر أغوارها وقراءة ما وراء السطور وتحليلها في إطار ما توافر من معلومات وتصريحات وأسرار رشحت هنا وهناك (وشيء من شمارات)!! } أخطر من الأحداث أسبابها هذه المقولة تنطبق تماماً على التغيير الداوي الذي طال الحكومة السابقة وأفرز الحالية.. فقد تواترت أحداث وتحولات محلية وإقليمية وربما دولية انسحبت آثارها على البلاد.. فعلى الصعيد الداخلي مثلت حزمة القرارات الاقتصادية الأخيرة – التي تصدرها رفع الدعم عن المحروقات – شرارة أشعلت بعض مدن وشوارع السودان بالاحتجاجات الجهيرة.. والتخريب إلى طال بعض المنشآت والمتاجر والطرقات في العاصمة والولايات، وراح ضحيته عدد من الأرواح والممتلكات العامة والخاصة.. كما أن اللغة التي استخدمت في الخطاب التبريري للقرارات والتصدي لتلك الأحداث أفرزت غبناً جماهيرياً كانت نتائجه الأخيرة انشقاقاً جديداً في الصف الإخواني، أدى لخروج «د. غازي» و»حسن رزق» ومجموعتهم على المنظومة الحزبية والحركية، بل وتأسيسهم لحزب جديد تحت لافتة (الإصلاح الآن).

كذلك لا يغفل المراقب التحول والانقلاب العسكري في الجارة الشقيقة «مصر» وذهاب حكومة «مرسي» الإخوانية وسيطرة «السيسي» وزمرة التيارات العلمانية الرافضة لحكم الإخوان، على الوضع، وإحكام قبضتها الأمنية، رغم الاحتجاج وأشكال التظاهر التي ما تزال مستمرة بين المدن الكبرى والمحافظات المصرية.. كما أن حالة عدم الاستقرار في كل من «ليبيا» و»تونس» و»اليمن»، والموت والدمار في «سوريا» و»العراق»، قد ألقت بظلالها ووصل بعض دخانها وشظاها إلى السودان.

يضاف إلى ذلك وغيره التنادي الداخلي والإعلان المباشر عن قرب موعد تغيير الحكومة والتواريخ التي حددها عدد من القياديين لإصدار تلك القرارات، والزخم الإعلامي والتكهنات الصحفية – التي كادت تكون يومياً تتصدر العناوين الرئيسة للصحف لأكثر من شهرين – وقد حسمها إعلان السيد رئيس الجمهورية المشير «عمر البشير» في اجتماع الشورى الأخير للمؤتمر الوطني الشهر الماضي، الذي أكد من خلاله أن التغيير قادم وسيطال مؤسسات الحزب والدولة وأجهزته التنفيذية والتشريعية بالمركز والولايات، فكان بمثابة القفزة قبل الأخيرة في ذلك الظلام الذي خيم على تلك المؤسسات وكاد يصيبها بالتكلس، بل وجعل من بعض القيادات حالة من الأناة والسيطرة المطلقة والثقة في الاستمرار الاستوزاري والاطمئنان لبعد رياح التغيير القادم عن مفازاتهم ومناطق نفوذهم التي احتكروها سنين عدداً، حتى طاف عليهم طائف القرارات الأخيرة وهم نائمون الأيام المقبلة.
وتمثل أيضاً مرحلة الاستعداد لإعادة البناء الحزبي مطلع العام المقبل والإعداد للانتخابات المقبلة في 2015م – هي الأخرى – أحد الأسباب التي أدت إلى هذا التجديد الأكبر في المنظومة الحاكمة للمؤتمر الوطني عبر الأجهزة التنفيذية والتشريعية والمتوقع في إعادة هيكلة وتسمية قيادات الحزب في أماناته المختلفة بالمركز والولايات.

لكل هذه المسببات والظروف وفقت قيادة المؤتمر الوطني في إحداث هذا التجديد الهائل في القيادات، والمنتظر منه تجديد أيضاً في عدد من السياسات وأشكال التعامل مع الملفات الأكثر أهمية، التي ينبغي أن يتقدم فيها الفكر الاقتصادي الاجتماعي والخدمي على الأمني والسياسي، كما تقدم الإطعام من الجوع على الأمن من الخوف في السياق القرآني الكريم.

} فحص أولي للتشكيلة الوزارية الجديدة

أن يغادر الشيخ «علي عثمان محمد طه» بكل سبقه وتاريخه وحكمته وحنكته، كابينة القيادة، راضياً مرضياً.. رغم أنه مثل صاعقة في فضاء المراقبين وانشقت له سماء الحزب والحركة والحكومة (الحاءات الثلاث).. إلا أنه كان سلوكاً يشبه تضحيات الشيخ «علي» ومواقفه الجسورة عبر سيرته الناصعة في الحركة الإسلامية، منذ الخرطوم الثانوية وجامعة الخرطوم، حتى آخر خطوة وئيدة وهو ينزل من على السيارة الحكومية أمام حرسه وحشمه.. والزخم بمنزله بضاحية (الرياض) قبل أيام قلائل.. معلناً ومؤكداً عدم رغبته في الاستمرار وإتاحة المجال للقادمين الجدد. والشيخ «علي» من الذين يحفظون ويرددون كثيراً الآية الكريمة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ). فنسأل الله أن يفسح له بقدر صدقه وصبره ورصيده الكبير.

ثم تأتي المغادرة الأخطر والمدوية لرجل الحزب القوي الصادق الأمين وصاحب المقعد المتقدم في الكابينة الرئاسية والأقرب لفئات التنظيم الحركية والناشطة في قطاعات الشباب والطلاب والفئات.. بل وحتى القواعد الجماهيرية في القرى والفرقان والأصقاع النائية وحتى الأحياء الراقية في المدن والحضر، إنه «د. نافع علي نافع».. الاسم الأشهر عبر مسيرة الإنقاذ منذ أن كان في الدهاليز الأمنية حتى خرج إلى البر الفسيح مبشراً بمشروع الحزب ودعوته وخطابه لكل أهل السودان، الذي تغشاه أحياناً كثيرة مخاشنة مع الأحزاب المعارضة وأعداء السودان الخارجين.. وها هو يعلن المغادرة في المؤتمر الصحفي الأخير بذات القوة التي كان يعلن بها المواقف والقرارات عبر مسيرة تجاوزت العشرين عاماً.. ويظل السؤال الحاضر والملحاح: هل سيختفي «د. نافع» عن المشهد السياسي السوداني والمؤتمر الوطني العام؟ هذا ما لا نعتقده، ولعل قادمات الأيام تكشف عن الخطوة الجديدة لدكتور «نافع» ومن غادروا التشكيلة من المشاهير والنافذين الذين وضعوا بصماتهم على صفحات كتاب الإنقاذ متداخل السطور ومتشابك العناوين.

كذلك حمل قطار المغادرة أسماء ورموزاً من العيار الثقيل.. «د. الحاج آدم يوسف» نائب رئيس الجمهورية، «د. عوض أحمد الجاز» وزير النفط، «د. عبد الحليم إسماعيل المتعافي» وزير الزراعة، «أسامة عبد الله»، «كمال عبد اللطيف»، «د. أمين حسن عمر»، «علي محمود عبد الرسول»، «د. محمد المختار حسن حسين»، «إدريس محمد عبد القادر»، «أحمد كرمنو»، «فيصل حماد».. هؤلاء جميعاً قد أبلوا أحسن البلاد وتراوحت فتراتهم وإنجازاتهم قصراً وطولاً، وها هم اليوم تمضي فيهم سنة الله في التغيير وتداول الأيام، ونأمل ألا يحدثوا أنفسهم بالعودة للوزارة مرة أخرى، فقدراتهم وعلمهم وتجربتهم تؤهلهم لأني يصبحوا قادة اجتماعيين ونجوم مجتمع مدني حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

} الفريق أول «بكري» والقادمون الجدد للمراقب الحصيف والمتابع الدقيق، لم يكن صعود الفريق أول «بكري حسن صالح» لمنصب النائب الأول، مفاجأة.. فمكانته وقربه من السيد الرئيس منذ فجر جمعة (30) يونيو 1989م، وحتى الآن، هي كمنزلة «هارون» من «موسى»، فهو خازن الأسرار.. رفيق الأسفار.. الحاضر دوماً في مطبخ القرار.. إذ أنه لم يغادر المنصب منذ ذلك التاريخ وتقلب فيه، وكان غالب وجوده في وزارة رئاسة الجمهورية. والفريق أول «بكري» من أكثر الناس انضباطاً في حضرة السيد رئيس الجمهورية، ونحفظ له مواقف وقفشات خلال الجلسات الأريحية بمخيم البطانة الذي رافق فيه السيد الرئيس لأكثر من عشر سنوات، وحسناً كان تقديره.. وابننا النابه الخلوق، المثابر «ياسر يوسف إبراهيم» وزير الدولة للإعلام، وقد سارع بلقاء قبيلة الإعلاميين بمختلف وسائطها وقياداتها، فكانت ضربة معلم ولحظة إفصاح (بعد صمت) وشرح أولى (وقيدومة) للموقع الجديد الخطير.. كذلك كان تصعيد الفريق أول «بكري» لموقع نائب الأمين العام للحركة الإسلامية في مؤتمرها الأخير الذي صاحبته كثير من بوادر الاختلاف والإفرازات، حتى انتهى لحكم الشورى، فجاء بالشيخ «الزبير أحمد الحسن» أميناً عاماً و(سيادتو) «بكري» واحداً من نوابه.

كانت تلك إشارة واضحة إلى أن الرجل يقوم (بخطوات تنظيم) استعداداً للمرحلة القادمة التي بدأت أشواطها وجاءت قراراتها بالوجوه الجديدة وبعض القديمة المتجددة، التي كان لقيادات الطلاب والشباب ومن عملوا في أماناتها ومكاتبها، الخط الأوفر ونصيب الأسد في التشكيلة الوزارية الأخيرة.

} «حسبو» والحسابات الرئاسية الجديدة د.»حسبو» خطا خطوات في شارع النيل نقلته من الحكم اللامركزي إلى القصر الجمهوري، وهي نقلة قليلة الخطوات.. لكنها كبيرة المعاني والمؤشرات، وتأكيد على أن السيد رئيس الجمهورية من على شباك مكتبه في القصر، كان ينظر إلى الرجل في ديوان الحكم اللامركزي (أبو الولايات).. مراقباً أداءه، ليمنحه هذه الشهادة التاريخية ليكون حضوراً دارفورياً محسوباً في الطاقم الرئاسي في مرحلة مفصلية في تاريخ البلاد، فالرجل ينتظره تحد كبير واختراق ضروري وحاسم لمسيرة السلام، رغم التمرد.. والدماء الأشلاء.. واقتتال أبناء العمومة والعقيدة الواحدة. ونثق في قدرات الرجل وخبراته وعلاقاته، فهي قادرة على أن تجعل منه رقماً مهماً في معادلة الحكم والسلام والتنمية القادمة.. إضافة لجهد من سبقوه في المركز والسلطة الانتقالية بقيادة د.»السيسي» والولايات هناك. } بروف «غندور».. إقلاع سلس وهبوط ناعم صعد خلال التشكيلة الأخيرة إلى القصر مساعداً لرئيس الجمهورية ونائباً لرئيس المؤتمر الوطني للشؤون الحزبية والتنظيمية (أي حل محل د.»نافع»)، البروفيسور «إبراهيم غندور»، وهو يمثل التيار الليبرالي داخل المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية (شكلاً ومضموناً)، كما أنه ينتمي إلى فصيل الأكاديميين (وناس جامعة الخرطوم) التي وصل إلى منصب مديرها، بالإضافة إلى قيادته وإمساكه لأكثر من عشر سنوات بملف النقابات والعمال ورئاسة اتحادهم وامتداداته الإقليمية أفريقياً وعربياً.
فالرجل تدرج بهدوء وأقلع بسلاسة، وواضح أنه يجد القبول التام من السيد رئيس الجمهورية وقيادة الحزب والدولة، فيهبط هبوطاً ناعماً في باحة القصر الجمهوري بقدراته الفكرية والتنظيمية والاجتماعية العالية، وسهولته وبساطته في التعامل مع مختلف الفئات، ولعل قربه من النفس العمالي والشعبي وارتياده لمناشط المجتمع وأنديته، أهلته لهذا التصعيد الكبير، وينتظر من البروفيسور دور مهم وحركة استقطاب واسعة للصف الحكومي والوطني، وأحسب أنه أدرى الناس وأعلمهم بذلك (والله يعينك يا بروف غندور).
} الفريق «عبد الرحيم» الثابت في دالة الحكم «عبد الرحيم محمد حسين» هو ثاني اثنين إذ هما في القيادة العامة.. وفي كل أماكن لقاءات، منعرجات ومطبات الإنقاذ منذ موسيقاها العسكري الأولى.. وهو يمثل الضلع الثالث إن لم يكن الثاني في مثلث (الرئيس، بكري، عبد الرحيم)، وهذا المثلث تحافظ عليه المؤسسة العسكرية وتعض عليه بالنواجذ، لأنه يمثل قيادتها ورمزيتها و(كاكيها) و(بوريها) ونيشاناتها العظيمة، ومصدر القوة والحماية لوطن يأتيه الاستهداف من عدة أماكن.. وكان طبيعياً أن يبقي السيد الرئيس على (الرفيق) الفريق «عبد الرحيم».. ولكن تبقى المسؤولية في عنق الفريق وعلى عاتقه قد ازدادت جسامة على جسامتها، وهو أدرى الناس بذلك، وينتظر من سيادته مزيد من التأهيل والتطوير في قدراتنا العسكرية والدفاعية والله خير الحافظين.
} اللواء ركن «يحيى محمد خير» بعد غياب دام ثماني سنوات.. يعود منصب وزير الدولة للدفاع للأضواء مرة أخرى، ويزداد المنصب بريقاً بتعيين اللواء ركن «يحيى محمد خير» فيه.. وهو (العسكري القح) والقائد المجاهد الذي طرد المتمرد «عقار» وشرذمته من النيل الأزرق شر طردة، وما يزال يتسكع بين المطارات يستجدي وطناً. اللواء «يحيى محمد خير» تعرفه القوات المسلحة والقريبون منها والذين عملوا معه معرفة (الجندي اللزوم) والضابط المسؤول والمجاهد الجسور.. ويتوقع أن يكمل مع قائده الوزير «عبد الرحيم محمد حسين» منظومة الربط والضبط في وزارة الدفاع.
} مولانا «علي كرتي» وزير الخارجية التي حينما جاءها دهش المراقبون وتساءلوا: كيف لهذا الأصولي القادم من الدفاع الشعبي والمهام الخاصة أن يدير دفة وزارة الخارجية.. حتى فاجأهم الرجل بنجاحات دبلوماسية وحركة قطرية ودولية، ودخول إلى ساحات ومنابر المنظمات الإقليمية والدولية حتى كبيرتها (الأمم المتحدة).. فحقق إنجازات مشهودة وأحدث اختراقاً في كثير من الملفات الشائكة.
ويعتبر تعيين السفير «كمال إسماعيل» وزيراً للدولة بالخارجية دعماً من القيادة للوزير «كرتي» بوزير دولة من الكادر الدبلوماسي، والمشهود له أيضاً بالكفاءة والسيرة العطرة والسمعة الحسنة بين إخوانه وزملائه في وزارة الخارجية.
} د.»مصطفى عثمان إسماعيل».. دبلوماسية الابتسامة واستثمار العلاقات أتاحت لي فرصة المشاركة ضمن وفد الحكومة السودانية لمفاوضات سلام الشرق بأسمرا يوليو – ديسمبر 2006م، التعرف عن قرب على د.»مصطفى عثمان إسماعيل» الذي كان رئيساً للوفد الحكومي المفاوض، فكان نعم القائد صاحب الفكر العميق والتواصل الحميم وإضفاء أجواء الظرف والحكايات بين أعضاء الوفد، بل امتد ذلك إلى أعضاء وفد جبهة الشرق والوسيط الإريتري، مما جعل المفاوضات تمضي بسلاسة ويسر حتى وصلت إلى توقيع الاتفاق النهائي، الذي حضرته وفود قومية وإقليمية ودولية كان الباعث الأكبر في حضورها العلاقات الشخصية التي جمعتها بالدكتور «مصطفى» وقناعتها بالإنجاز الذي تم.
ود.»مصطفى» واحد من كوادر الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني منذ مراحل الدراسة الجامعية وحتى الآن، وفيه من الصفات ما يمنحه القبول والرضاء العام والتوافق، مما جعله قريباً من السيد رئيس الجمهورية وكل القيادات التنفيذية والحزبية، وقد بدأ مشواره في الاستثمار بمعالجة الإشكالات القانونية والإدارية التي تعيق الاستثمار، وانطلق بعد ذلك في استثمار علاقاته العربية والأفريقية والدولية التي كونها إبان توليه حقيبة وزارة الخارجية، وها هو الآن يهييء الأجواء والظروف بشكل جيد، يجعل من السودان مناخاً وبيئة جاذبة للاستثمار. ونثق في أن تجديد الثقة فيه إنما هو تأييد لبداياته وعلاقاته وخطواته التي توظف تلك الموارد وتحولها إلى منتجات زراعية وحيوانية وصناعية، لتكون صادرات تدعم الدخل القومي بالعملات الصعبة وتسهم في حركة الاقتصاد للبلاد والعباد.
} د.»فيصل» وثروتنا الحيوانية ذلك الدكتور (الهادئ) جم الأدب والتواضع والتخصص، الذي له يد طولى في الإنقاذ وإسهام مقدر في صف الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني، قد لا يعرفه الكثيرون، وله إنجازات في وزارة الثروة الحيوانية جعلته يتكرر عليها للمرة الثانية.. وينتظره تحد كبير خاصة وأن الثروة الحيوانية التي تنتشر في وديان البلاد ووهادها وأراضيها الشاسعة، يمكن أن تمثل أهم الموارد الاقتصادية ذات العائد الدولاري الذي يمكن أن يعوض فاقد البترول والزراعة معاً.. ولتضيف الوزارة قدرتها العلمية والفنية إلى ذلك الحب الجارف الذي يحمله أصحاب الثروة الحيوانية.. ولعل مشهداً لطفلة رعوية تدفئ بحضنها بهمها الصغير، يكفي للتأكيد على ثقل وضرورة ووعد الثروة الحيوانية لوطن الإبل، والبقر الصفراء فاقع لونها والضأن والمعز وأسراب الصيد والحبار والقطا و.. و..
} وبقية مجموعة الوزراء الذين تم تجديد الثقة فيهم – وهذه شهادة نجاح موثقة من السيد رئيس الجمهورية والمكتب القيادي للمؤتمر لهم – هم مولانا «محمد بشارة دوسة» وزير العدل والمهندس «إبراهيم محمود» الذي انتقل من الداخلية (الأمن الجماهيري) إلى الزراعة التي تمثل (الأمن الغذائي)، والأخت المهذبة الرزينة «مشاعر الدولب» في الرعاية والضمان الاجتماعي (أم الفقراء) وكذلك المهندسة المحاضرة «تهاني عبد الله» في الاتصالات وأضيفت إليها التقانة، بالإضافة إلى وزير الدولة مولانا «محمد المصطفى الياقوتي» الخطيب الأديب والمثقف المتصوف اللطيف.

ولعل التحدي الأكبر سيكون أمام من خلفوا تلك القامات والماكينات الكبيرة التي غادرت، فالوزير «الكاروري» في المعادن أمامه تحد كبير بعد أن تفجر باطن أرض السودان ذهباً ووعداً وغنى.. كذلك صديقنا «الطيب حسن بدوي» في الثقافة التي جاءها من مجتمع الشباب والرياضة بولاية الخرطوم، وهو مجتمع عامر بالمثقفين، لكن التحدي في الثقافة يتمثل في وضع سياسات ثقافية سودانية مستدامة، وتحقق شعارات الوحدة في التنوع وملبية لرغبات وحاجات قطاعات المثقفين الكثيرة في بلادي، وكذلك أهل الفن والإبداع، بالإضافة للتأكيد على أن التقانة تمثل المورد الأهم في بلادنا والفسيفساء الجامعة والرصيد الاستثماري والمضمون والربح الأكيد.

أما المهندس «مكاوي» والدبلوماسي «معتز مرسي» فهما قد خرجا من ذات الكنانة.. ويعتبران من أهل مكة ونتوقع لهما مواصلة النجاحات والمشروعات الكبيرة التي أرسى دعائمها (البلدوزران) «عوض الجاز» و»أسامة عبد الله» في قطاعات النفط والكهرباء والسدود.

د.»سمية أبو كشوة» تعود للأضواء السياسية مرة أخرى وهي أول رئيسة لاتحاد المرأة في عهد الإنقاذ، وصاحبة الرصيد الوافر في عمل المرأة والنقلات الكبيرة التي حققتها المرأة السودانية الإنقاذية على وجه الخصوص، ولها في المجتمع الأكاديمي كثير تقدير واحتفاء وخبرة تجعل اختيارها موفقاً وصادف أهله تماماً.

أما وزير المالية «بدر الدين محمود» فهو من المشهود لهم في هذا المجال وله فيه صولات وجولات، والتحدي أمامه في تحسين الصورة والواقع الذي تركه سلفه «علي محمود»، صاحب التصريحات والمفردات التي وجدت فيها الصحف مادة دسمة وعناوين رئيسية.

كذلك يواصل الوزيران «صلاح ونسي» و»فرح مصطفى» مهامهما الجديدة وهما أكثر خبرة ودراية وتجربة وقرباً من أبواب القصر الجمهوري.

الوزراء «عبد الواحد يوسف»، «جمال محمود» و»حاتم أبو القاسم»و «ياسر يوسف»، «الصادق فضل الله»، «عبد الله جبارة»، يمثلون إضافة حقيقية للحكومة الجديدة.. وقد ظلوا يمسكون بملفات مهمة وقدموا فيها إنجازات ربما لا يعرفها الجمهور.. لكن القيادة التي اختارتهم تدرك ذلك تماماً، مما جعلها تقدمهم في هذه المرحلة الجديدة المتجددة والمهمة عبر المسيرة الوطنية والتنفيذية.
} الأحزاب المشاركة ووزراؤها لقد وضع المؤتمر الوطني الأحزاب المشاركة في الحكومة، في موقف لا تحسد عليه، وترك لها الحبل على الغارب لينظر كيف يعملون.. وما تزال قدرهم باردة ونيرانهم خفيضة الاشتعال إلا من تصريحات خجولة هنا وهناك، وحتى لا يصدق عليهم الاتهام بـ (تمومة الجرتق) فإننا ننتظر منهم خطاباً جماهيرياً وإعلاناً صحفياً واضحاً في التجديد أو التمديد، وربما تكون حركات دارفور التي انضمت إلى ركب السلام مؤخراً أحسن حالاً واستقراراً، فما يزال ممثلوها في الحكومة في بداية الطريق وغير مطلوب منها التجديد الآن، فيما أجنحة الحزبين الكبيرين الاتحادي الديمقراطي والأمة غير (القومي) وجبهة الشرق (ثلاثية الأبعاد).. هل تسمعوني؟؟!!
} ثم ماذا بعد زلزال التغيير اتفق المراقبون والمتابعون على كبر حجم التغيير الذي تم في تركيبة الحكومة الجديدة ودخول وجوه كثيرة لمجلس الزراء، وهي خطوة كما قلنا تحسب لصالح السيد رئيس الجمهورية وحزب المؤتمر الوطني في الوفاء بوعد التغيير الذي بشروا به.
ولكن وكما يدرك الجميع فإن التغيير لم يكن مطلوباً في الوجوه والأسماء فقط.. بل في السياسات، ولا نقول كل السياسات، فهناك مرتكزات وأسس ودعائم قام عليها البناء في عدد من جوانبه، ولكن تبقى قضايا معايش الناس واقتصادهم هي الأولى والأهم، فلا يقبل أن تتغير الحكومة وتظل الأسعار في تصاعد ومتوالياتها الهندسية، وحسناً بشر السيد وزير المالية الجديد بعدم فرض أي زيادات جديدة خاصة على المحروقات التي حرقت دم المواطنين، بانعكاساتها السالبة على الحاجات الأساسية في المواصلات والأكل والشرب والعلاج.

وقف الحرب وبسط السلم في ربوع دارفور وجبال النوبة وجنوب كردفان والنيل الأزرق، تمثل هي الأخرى واحدة من أهم القضايا والملفات التي يتوقع أن تظهر حيالها في القريب العاجل خطوة رئاسية هائلة، خاصة في دارفور، بشر بها الأخ د.»حسبو عبد الرحمن» نائب رئيس الجمهورية بعد تسلمه لمهامه في القصر الجمهوري.

كذلك يمثل مواصلة العمل ومضاعفة الجهد في ملف الخدمات في الصحة، والتعليم، المياه، الكهرباء، الطرق والتنمية الريفية تحدياً كبيراً ومتواصلاً أمام الحكومة الجديدة.

وتبقى الخطوة الأخيرة والمنتظرة بترقب جماهيري كبير، هي تغيير المنظومات الحاكمة في الولايات، التي ربما طالت بعض الولاة الذين دخلت ملفات أدائهم مختبرات الفحص والتحليل السياسي، وهي لا تحتاج إلى مجاهر وعدسات لفحصها، فهي بادية ظاهرة كالشمس في رابعة النهار، فهل نراها شمساً مشرقة بالضياء والدفء، أم أنها شمس كسوف مع هذه الموجة الشتوية الباردة.

تبقى كلمة أخيرة وأمنيات في أن تكون هذه الخطوة بداية لمرحلة جديدة، فيها مزيد من الانفتاح والرحابة السياسية والحريات، وإعلاء للأجندة الوطنية والقومية، علّ سقف الآمال والطموحات يرتفع أكثر لدى المواطنين والأحزاب السياسية كافة – مشاركة ومعارضة راضية وغاضبة – فهذا الأسمر الجميل يسعنا جميعاً.. (وبي أملنا وبي عملنا وبي المحنة.. وبي وفاء النيل في دمانا نبني جنة).. ولله الأمر من قبل ومن بعد، وهو الذي بنعمته تتم الصالحات.

صحيفة المجهر السياسي
عبد الإله أبو سن

[/JUSTIFY]
Exit mobile version