خالد حسن كسلا : بعيون الجنوبيين الآن «ذكرى الاستقلال»

[JUSTIFY]لم تكن قوة مقدرة من الجنوبيين قبل انفصالهم ومنهم من كان أو مازال يعيش في الشمال لم تكن تشعر بأن مرور ذكريات يوم الاستقلال في الأول من يناير من كل عام تخصها في شيء، باعتبار أنها هي نفسها تشعر بالحاجة إلى الاستقلال من «الشمال» الذي فرض عليها الحرب حينما وضعها في دائرة «التهميش» بالرغم من أن منها من يعلم أن التمرد لأول مرة اندلع في جنوب السودان في الثامن عشر من أغسطس عام 1955م، أي قبل خمسة أشهر تقريباً من رفع علم الاستقلال في الأول من يناير في مثل هذا اليوم من عام 1956م.. وقد كان إعلانه في البرلمان في التاسع عشر من ديسمبر عام 1955م.. لقد اندلعت الحرب في الجنوب أيام الحكم البريطاني، الذي كان قد فصله اجتماعياً وثقافياً عن الشمال فيما فصل بقوانين المناطق المقفولة كان في سبع مناطق إضافة إلى جنوب السودان، منطقة النوبة في الشمال الأقصى شمال دنقلا إلى وادي حلفا ودارفور ومناطق النوبة الكردفانيين في جنوب كردفان، والنيل الأزرق في مناطقه الجنوبية ومناطق البجا في الشرق، وذلك لحرمانها من تعلم اللغة العربية بصورة تجعلها لغتهم الأولى، وبالنسبة لأبناء الجنوب وبعض أبناء جبال النوبة لا يعتنقون الإسلام.. لينفسح المجال للمبشرين الصليبيين. وبالفعل استطاعوا تنصير الكثير من الوثنيين دون منافسة من الدعاة المسلمين بسبب قانون المناطق المقفولة.. أما مناطق شمال السودان المقفولة فكانت محاولات اختراقها بنشر الإيدولوجية الشيوعية الماركسية، باعتبار أنها في الظاهر اقتصادية وفي الباطن إلحادية، وبالتالي تناسب ذاك المجتمع الذي هو أول من أسلم في السودان في عهد سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه.

المهم في الأمر هو أن قبائل جنوب السودان قد وقعت تماماً في فخ الاحتلال البريطاني. فقد حققت في غفلة ما كانت تريده بريطانيا صاحبة الاضطهاد العنصري والفصل العنصري في جنوب إفريقيا إلى وقت قريب. ومع ذلك لم تجد القبائل الجنوبية مقابل مصالح لندن ما وجده الشمال قبل الاستقلال. لم تجد العمارة ولا التنمية ولا الخدمات الصحية والتعليمية والنقلية. حتى تكون نفوسها مهيأة لاستقرار الحقد ضد الشمال. فقد قام الاحتلال البريطاني بإعمار ودمدني وكسلا والأبيض وبورتسودان وسنار وحتى رفاعة وهي قرية على النيل الأزرق قبالة الحصاحيصا. لكنه لم يهتم بواو وملكال وجوبا وبانتيو وبور ومريدي الجميلة.

وحينما أسس البريطانيون كلية غردون التذكارية جامعة الخرطوم حالياً عام 1902م لم يلتحق بها من الجنوبيين إلا أربعة عام 1947م، فلقرابة نصف قرن حرمت سلطات الاحتلال البريطاني أبناء الجنوب من التعليم حتى لا تُفرِغ قانون المناطق المقفولة من مضمونه. ولذلك كان الأحرى بالجنوبيين أن يتمسكوا باستقلال السودان أكثر من الشماليين، فهم متضررون أكثر منهم إلا من الناحية العقدية الديينية لأن المسلم لا ينبغي أن يحكمه إلا المسلم خاصة ولو كان المسلمون هم الأغلبية.

وللأسف الشديد فإن نيجيريا ويوغندا وإثيوبيا وإرتريا هذه الدول هي من ذوات الأغلبية المسلمة ولكن يحكمها غير المسلمين بحكومات دكتاتورية وديمقراطية ديكورية إذ لا يمكن أن تفوز الأقليات على الأغلبيات سواء على المستوى الديني أو غيره.

لكن الغريب والعجيب ألّا تتحمس القبائل الجنوبية للاستقلال عن الاحتلال البريطاني، وتأتي بعد ذلك للمطالبة بالاستقلال من «الشمال» الذي أنعش الحياة الاقتصادية هناك إلى درجة استخراج النفط واهتم بالخدمات منذ حكومة الأزهري المنتخبة عام 1954م قبل رفع علم الاستقلال.. أكثر من خمسة وخمسين عاماً رزح الجنوب تحت الاستبداد البريطاني. وقد كان «مفصولاً» عن الشمال. والآن وهو «منفصل» عنه يرزح تحت نيران رصاص الصراعات الشخصية بين مجموعة مشار ومجموعة الحكومة وكلاهما أعضاء في الحركة الشعبية وقادة ومقاتلون في الجيش الشعبي. كان الشعار هو تحرير السودان.

وتمر الذكرى الثامنة والخمسون لاستقلال السودان، ويتناحر الجيش الشعبي «لتحرير السودان». فقد انشق. ولم يستطع هذا الشق أن يحرر ولاية الوحدة ولم يستطع أن يحرر جوبا.

والسؤال ترى كيف سينظر الجنوبيون في هذا اليوم للاحتفالات بذكرى الاستقلال للشمال والجنوب معاً؟! هل سيهنئون الشعب السوداني أم سيعزون أنفسهم وهم تحت نيران سلاح الجيش الشعبي «لتحرير السودان»؟! واللهم لا شماتة.

صحيفة الإنتباهة

[/JUSTIFY]
Exit mobile version