نص خطاب السيد رئيس الجمهورية بمناسبة احتفالات البلاد بأعياد الاستقلال

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمد الشاكرين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين
وعلى آله وصحبه ، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، ثم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

أيها المواطنون الأوفياء
نحتفل اليوم بالذكرى الثامنة والخمسين لعيد الإستقلال المجيد ، الذكرى
التى تجسد معانى الحرية والكرامة ، والتى أخذ فيها شعبنا إنعتاقه بنفسه ،
ولم يقبل بذل الاستعمار ، وإلتقت فيها ارادة السودانيين وتوحدت كلمتهم .
إن الشعوب لا تتوسع مطامحها وتكبر آمالها لبناء حاضرها ومستقبلها ، إلا من خلال إستحضارها لتاريخها فى مختلف منعطفاته ، والاستقلال محطة مضيئة فى تاريخ السودان وسانحه تاريخية متجددة نؤكد فيها قدرتنا على السمو والشموخ فوق الصراعات والرسوخ للثوابت الوطنية فى الملمات وتجديد العهد والوعد لحماية ارض السودان والعناية بعلمه الذى هو قوسنا وقبسنا ، نذود عنه وندافع ، فالعلم هو الوطن ،وهو الرمز الذى تلتف حوله الأمم والشعوب. فلا ينتكس ولا ينطوى ، ووطننا السودان يحتاج منا الوفاء والعطاء ، والالفة والولاء ، فقد بذل الآباء والأجداد لهذا الوطن وما تقاعسوا ، وأعطوا وما توانوا ، وسهروا على رعايته وحمايته ، وصاروا له سوراً ولبسوه سواراً ، أعطوه جوداً وصالوا به جواداً ، وجعلوا منه وطناً يصنع المجد ، ويكافح المحن ، وعيد الاستقلال مناسبة يتم فيها التعاطى مع الوطن كوعاء نحن جميعاً محتواه ، داخلين متنه ، منتمين إلى أرضه ، مستظلين بسمائه .

المواطنون الأوفياء
نحمد الله كثيراً أننا نعيش فى وطن آمن نجح فى تحقيق ما فشلت فيه بلدان
أخرى فقدت الأمن والاستقرار وان كانت الحركات المتمردة التى لم تستجيب لنداء السلام تنتقص من هذا الامن فى اطراف السودان فقد عزمنا على ان يكتمل الامان ويتحقق الاطمئنان فى كل شبر من ارض الوطن بعزم الرجال وبتطوير القوات المسلحة وكافة الاجهزة الامنية حماية للدولة وسلامة اراضيها وكفالة الامن لكافة المواطنين والمقيمين ، ونعبر اليوم عن اعتزازنا بمن يدافعون ويذودون عن حمى الوطن فى اى ثغر من الثغور رداً للعدوان ، ومحافظة على كيان الوطن واستقلاله وسيادته ، ومع كل هذا الجهد الدفاعى والتامينى فان السلام يظل هدفا ساميا ومبدءاً يوجه سياستنا الداخلية والخارجية وهو هدف استراتيجى نعمل لتحقيقه واستمراره ضمانا للامن والاستقرار واستكمالا للتنمية .إنه سلام القوة والعزة وسلام العدالة والحرية الاجتماعية إنه سلام للجميع .
إن العمليات التى تقوم بها القوات المسلحة والاجهزة الامنية بنواحى فى
جنوب كردفان وقد احرزت تقدما جيدا لبسط هيبة الدولة وحماية ارواح
المواطنين والممتلكات العامة والخاصة ونهنئ القوات المسلحة لإكمالها اليوم تطهير الجبال الشرقية بجنوب كردفان ودخولها منطقة عرديبة – ما هى الا تدعيم واسهام فى عملية السلام ، وهى عمليات ضد من خرج عن سلطان الدولة وسعى الى ترويع المواطنين ، وليست موجهة الى اهلنا النوبة بالمنطقة والذين هم ضحايا الحرب لسنوات تضرروا منها فى زرعهم وضرعهم واحترقت مزارعهم وتاخرت التنمية ، فان النوبه مكون اصيل من مكونات مجتمعنا السودان ولهم تاريخ مشهود فى النضال الوطنى والاستقلال ومناصرتهم للثورة المهدية معروفة ، ونتذكر ثورة الفكى الميراوى البطولية فى جبال النوبه، كما ان لهم مساهمتهم فى بناء الجيش الوطنى ، وقد برزت منهم العديد من القيادات العسكرية والوطنية . اننى ادعو لنفرة وطنية لدعم جهود حكومة الولاية فى سبيل العناية بالنازحين وتوطين العائدين ، وترسيخ الاستقرار عبر صندوق ينشأ لذلك الغرض ، ولتحقيق التصالح المجتمعى والتعايش السلمى بالمنطقة .

المواطنون الأعزاء
ان ذكرى الاستقلال مناسبة لاستلهام القيم والغايات والحفاظ على الهوية
ومقومات الدولة السودانية بتنوعها وثرائها . فالسودان بلد التصافح
والتصافى والتسامح والاعتدال والقيم المثلى التى يتحدث بها الركبان، فلا
سبيل لمن يسعى الى طمس هويتها وتمازجها وتناغمها او بذر التفرقة والتنابذ والتشاحن ، وبث النعرات القبلية والجهوية التى هى مواقد من نار وسعار، فليحذر كل مواطن ان ينساق لها . ولتكن المواطنه مثلما استنها اعمدة الاستقلال مواطنه ايجابية عمادها الولاء والبناء والتعارف والتعاون وهذا يقتضى التفكير الصائب وتصويب النظر لهدف اساسى هو كيف نجعل وطننا يمضى دوماً للافضل ، وكيف نخطو الى الامام ونتقدم فى سجل الامم المتحضرة ،والسودان دولة ارتقت واستطالت اغصانها بفضل اجتهاد من جاهدوا وبذلوا النفس والنفيس من اجل ان يكون السودان قويا راسخا. ان انسان السودان يتمتع بقوة الارادة والعزيمه ويدرك دوره الفاعل فى التقدم وانجاح الخطط التى تسعى فيها الدولة نهوضا بالطاقات وتطوير للقدرات ، وحضا على الانتاج . فعلى كل مواطن فى موقع عمله ان يجتهد فى المشاركة فى التنمية وتحقيق هدف البناء والتقدم ، وكل من يسعى ويقدم مصلحته الذاتية على حساب الخطط القومية يهزم ويهدم وطنه.
ونداء اوجهه الى المدارس ودور العلم والى كل امراه فى اسرتها ان تعمل
على اعلاء قيم الانتماء الوطنى لدى اجيال هى فى مراحل التطور الفكرى
والمعرفى خاصة الاطفال والناشئة الذين هم نصف الحاضر وكل المستقبل ، وذلك لحمايتهم مما يتعرضون له من مخاطر نتجت ولا زالت تنتج عن التاثيرات السالبة من الغزو الثقافى ، ومع ذلك لا بد من غرس قيم العمل وتنمية حب وثقافة الانتاج .
التحية والتقدير لصناع الاستقلال النواب البرلمانيين اصحاب المبادرة الوطنية الخيرة والمتجردة ، التى جمعت ابناء الامة بكافة الوان طيفها السياسى فى القرار التاريخى الذى اتخذه البرلمان فى التاسع عشر من شهر ديسمبر من العام 1955 ، باعلان استقلال السودان من داخل البرلمان ، الذين هيأوا لنا هذه الحرية التى نتنسم عبيرها لنعتز بوطن غال وعزيز ، وحملونا أمانة الأمة ، لنصون وحدتها ونسعى لخيرها وعزتها ، فالتحية للنواب البرلمانيين على ما سطروه من موقف مشرف سنظل نذكره فى هذا المشهد التاريخى عند احتفالنا بهذه الذكرى كل عام .
والتحية والتقدير لاجهزة الاعلام التى فطنت لدور الاناشيد الوطنية الحيوى
فى بث واذكاء الروح الوطنية . والتحية لكافة الشعراء الذين نظموا الكلمات ونسجوا وعبروا بصدق عن اعتزازهم بهذا البلد الغالى ، وادعو وزارة الثقافة الى الاعتناء بكل ذلك التراث القيم وبأسر اولئك الشعراء . والشكر لكل من قدم فكره وعمله وتحية لهذا الوطن العظيم ، وعلمه الخفاق ، ولنعلم ان الوطن،إعلام وأعلام، يملآن رقعته الجغرافية ، وادوات فاعلة لتمتين الصلة بين الانسان والارض ، وحب الاوطان من الايمان .
ان من يطلع على وسائط الانترنت ويقارنها بالواقع يصاب بالدهشة والاسف للبعض من ابناء السودان الذين يعمدون الى تشويه صورة السودان غير مدركين انهم بذلك يسيئون لبلدهم واهلهم ويفيدون جهات لا ترضى بان يتقدم السودان .السودان الذى تسعى تلك الجهات الى اضعافه وتشويهه يشهد كل يوم واسبوع انعقاد مؤتمرات ومناشط وفعاليات فى شتى المجالات العلمية والاقتصادية يحضرها آلاف الضيوف من مختلف بلدان العالم ،لم ولن تتوقف .
المواطنون الاوفياء
اننا فى مرحلة جديدة من الحياة السياسية والدستورية بالبلاد ، تقتضى عزماً جديداً ندفع به البلاد الى مزيد من التقدم بالهمه العالية والعمل الجاد لترسيخ دعائم دولة المؤسسات . ولن يتم ذلك الا بتغيير ما بانفسنا
وباصلاح ينتظم النفوس والمؤسسات ، وكل مناحى حياتنا العامة .
هذه مناسبة نوجه فيها النداء الى سائر مؤسسات الدولة فى بلادنا وعلى راسها المؤسسة التشريعية ان تعمل بقوة وتسهم بفاعلية فى تطوير الخطط والبرامج والسياسات التى يعتمدها الجهاز التنفيذى والتى تصوب نحو نهضة بلادنا وتقدمها وان تكون عينا فاحصة ورقيبا يقظا لا تتهاون فى تقويم اعوجاج او انحراف عن الجاده ، تؤكد الانحياز والتمسك القوى بمبادىء الحق والعدل وتسهم فى رفعته وصنع خيره ورفاه ابنائه .
اننا نتقدم ونراجع خطواتنا سعيا لمزيد من التجويد ونفتح الحوار باستمرار مع كل القوى السياسية لتقدم رؤاها للاصلاح حتى نستطيع ان نصنع مستقبلا زاهرا لبلدنا بالاستفادة من كل الخبرات المتراكمة لدى الكل ، لنمضى قدماً للتعبير عن روح من التوافق الوطنى للتعبير عن رؤية جامعة للسلام . وأدعو من هذا المنبر كل الاحزاب ان يكون بكل منها رؤيته التى يطور بها القواسم المشتركة ويبنى بها البرنامج السياسى التنافسى منطلقين جميعا من التزام بالمسلك الديمقراطى المسؤول الذى يحترم الرأي الآخر بعيدا عن العنف ، والتزاما بالقانون واحترام حقوق الآخرين ولنقدم نموذجا يعبر عن السودان الذى هو من اوائل الدول التى بدأت الممارسة الديمقراطية التعددية فى المنطقة كلها .
ونريد – ايها الاخوة والاخوات … ان نشهد الانتخابات القادمة وهى تعبر عن قدرتنا على التزام ذلك المسلك تنافسا حرا وقبولا للنتائج بالروح الايجابية .
ان شباب السودان الذى يرنو الى الآفاق الرحبة مدعو اليوم الى ان يتخذ من صناع الاستقلال الميامين قدوة وطنية طيبة فى الجد والعمل والمثابرة والعزم المتقد الذى لا يخبو ولا يخمد ، فالشباب هم الفتية الذين بهم تشتد القواعد وتعلو الاركان ، وتبنى الاوطان ، ولا مكان للايدى العاطلة والاجسام الكسولة التى لا تشارك فى البناء والتنمية والامل دائما يقترن بالعمل الجاد والهمم العالية .
واسمحوا لى أن أحيى فى هذا اليوم الجيل المخضرم من قادة هذه البلاد وهم معروفون لديكم الذين افسحوا المجال لخلفهم من الشباب الذين انضموا لكوكبة العمل السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى فى التشكيلة الوزارية الجديدة، ان اولئك القادة نفر عمروا الوطن وساحات العمل العام وما توانو مثلما كان السابقون من جيل الاستقلال فالتحية والشكر لهم جميعا . وسيستمر العطاء جيلا بعد جيل باذن الله .

أيها المواطنون الأعزاء
اننا نستقبل العام الجديد بعزم اكيد وتصميم على اكمال المسيرة باذن الله والمضى قدما فى انجاز طموحات شعبنا الوفى . وفى سبيل ذلك فان الايام المقبلة ستشهد البدء فى اتخاذ العديد من السياسات والاجراءات والقرارات تجديدا للثقة ، وحفزا للارادة وتهيئة لمناخ افضل لتجويد الاداء وتحقيق معدلات اعلى فى الانتاج والانتاجية فى شتى ساحات العمل الصالح النافع.
ان اهل السودان اليوم يبتهجون باعز مناسبة واكرم ذكرى وطنية تلك الذكرى التى تحققت بفضل وحدة اهل السودان وقواهم السياسية . ومن هنا فاننا ندعو كل القوى السياسية فى بلادنا للتوافق على ثوابت وطنية تحفظ السودان ووحدته وامنه ،وتحقق تطلعات المواطنين فى التنمية والرفاه . فنحن نبنى وطنا هو مركز من مراكز الثقل الاقليمى، وهو يرعى علاقات الجوار واواصر التناصر والتعاون ، ويسعى دائما لبناء شراكات استراتيجية سياسية واقتصادية وتجارية وثقافية وعلمية ، تحفظ مصالح الشعب السودانى مع القريب والبعيد . والتحية نجددها فى هذا اليوم لكل شركائنا واصدقائنا من الدول العربية والافريقية التى شاركتنا السعى فى مسيرة السلام والتنمية .

الأخوة والأخوات
اننا مع استقرار الاوضاع فى دولة جنوب السودان مؤكدين حرصنا على انفاذ الاتفاقيات الموقعة بين البلدين، ونؤكد من هذا المنبر دعمنا ومساندتنا
للقرارات الهامة التى صدرت عن قمة الايقاد الطارئة التى عقدت بنيروبى الجمعه المنصرمه لوقف الاقتتال والحرب فى دولة جنوب السودان .ونختم بالدعاء لله أن يبرم لبلادنا أمر رشد تعز به وتقوى،وأن يفتح علينا وعلى بلادنا من بركات السموات والأرض،ما يذهب به الضرر ويحسن به الحال ،ويرفع به الضوائق ،ويرحم به الخلائق،فانه ولى ذلك والقادر عليه بغير علة ولا سبب ، وهو الهادى لنا جميعاً إلى صراط مستقيم .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،، الخرطوم فى 31-12-2013م (سونا)

Exit mobile version